الحَمَام لاَ يَمُّوت بالرَّصَاص


*سيومي خليل


خاص ( ثقافات )
اشتريت بندقيَّة قَنْص ، كُّنتُ أُفضل مُّسَدس ماغنُوم أَربعة وأربعين ، الذي كَانَ مَّوضوعَا للتَّحليل النفسي ، والذي يُّمكن إخفَاؤه دون أن تُّدرك فَوهته أعينُ الحَمام . لكَي أكونَ صَريحَا فَأنا لمْ اشتَر بُّندقية قنص ، فلما سَأُضيع مَّبلغا ماليا على شيء مَوجود بِشكل كثير ؟ فالسِّلاح صار مثل الحَصى . مَا الذي سيدفعني لشرَاء قطعة سلاح تُّوجد أَكثر من الخُّبز في أغلب دُّول العالم ؟ يَكفي أن تُّفكر في قطعة سلاَح ، حتَّى يَأتي حفدة بعلزبوب بهَا إليك ، شَاكرينَكَ عَلى تَّفكيرك السَّليم . لكنَّ الأمر لَمْ يكن مَعي علَى هَذا الشَّكل ، فقد جاءَ فعلاً حَفَدة بَعلزبوب لي بِقطعة سلاَح مَا إنْ فَكرت فيها ، لكنَّهم ارتكبوا خَطأ ،فَلفرحتهم الشَّديدة بأنِّي سَأصبح حَامل سلاح ، لمْ يَتوقفوا ليتموا آخر مَا فَّكرت فيه ،لقد جاءوا في لمح البَّصر وَمعهم مجمُوعة من قطع السلاح عليهَا عبارة :
مُّوجهة لاستعمال وَاحد لا غير … الإنْسَان .
كانوا يَبتسمون وهم يُقدمون لي قطع السِّلاح مُّوضحين الفضل الكبير لها . تَذكرت كيف انتشر حفدة بعلزبوب المُّختلفون فيَما بينهم في كل شيء ، والمشتركون في الوله الشَّديد للسِّلاح الموجه ضد الإنسان ، انتشروا بِشكل غير مُّتَوقع ، وباتوا مثل بُّقع الزيت التي غطَّت المَّاء بالكامل .
قلت لَهم :
شُّكرا … شكرا .
فمن الوَاجب أنْ نُّردد عبارة الشكر دائمَا حتى عندما لا يكون لهَا أي داعٍ .
ردَّدت عبارة الشكر كثيرا لدَرجة نَسيت العبارة المكتوبة علَى قِطعَة السِّلاَح التي أعجَبتني ، كَانت شَيطانية الصنع ، إنَّها من صنَاعة البلد الذي استقر فيه الشَّيطان ، فَحسب ذاكرتي الهشَّة ، وقبل سنين ليسَت بالبعيدة ، غادر الشَّيطان الكُّهوف المُّظلمة ، والتي لم تكن موصولة بالكهرباء ، وكَانت بَاردةً بشكل لا يُطَاق ، إلى بَعض القصور المُّنتشرة في بلدان تَقع في / وعَلى قلب العالم مباشَرة .
لأن عَادتي أنْ لا أقبلَ أي شَيء بالمَّجان ، فَلا شيء بالمَّجان أصلا ، أدخلت يدي إلى جَيب سِّروال الجينز الذي يُّظهرني كَإوز يريدُ الطَّيران ، واستَخرجت مِّحفَظتي ، لكن أَحد الحَّفدة ، ودون أن أرَاه ، قدَّم لي مبلغَا مَاليا لَمْ يَسبق لي أن شاهدته يوما .
تفضل …. خُذ ، ودَمٌّ بَارد جَميل .
اختفى الحفدة كما ظَهروا دون أن يراهم أحد ، ودُونَ أنْ يُفتح لَهم بَاب ، فَهم عَلى كُّل حَال لاَ يَقف بَاب مثل أَبْوابنَا الهرِِّئة فِي وجوههم ، فَفهمتُ لمَا السَّلاَح يَزداد عَمله في كل تلك المَّنَاطق ، والمدن ، والدُّول ، التي تَتميز أبواب بُّيوت ساكنيهَا بالهَشَاشة ،فَبَاب فَقير، يَقعُ وسطَ مُّستنقع ، وتُحيط به الآلاف من اليَعَاسيب ، لَنْ يَصمُّد شَّاب يَسكنه أمام إغَراء السلاَح والمَال ، وحتى فَتَاة بالكاد بَدأت تَتحسس حلمتيهَا لا يُمكنها أنْ تَصمد أمام هذه الإثارة ، بل إنَّ العَجائز يمكنهم ،وفِي ظل طنين الذبُّاب الكَثير ، أن يَنسوا شَيخوختهم ويحملون السلاَح .
قلت لنفسي :
الأمر هَكذَا إذن …لاستَمْتع بقَنص الحمام .
نسيت العبَارة التي قرأتُها في بداية تَّصفحي لقطع السلاح ، والتي كَانت ،كلما حملت البندقية ،تُشير إليَّ بِعينيهَا الخَفيتين ، لكني تعامَلتُ مع الأمر عَلى أنَّه مُّجرد عبارة لا غير ، مثل عبَارة صُّنع بالبلد الشَّيطاني التي بجانبها .
قررت أن أَذهب يَوم الأحد إلى أي مَكَان يَتجمع فِيه الحَمام ، وأبدأ باسْقَاط الحمامة تلو الآخرى ،لَكن سُّرعَان مَا فَّكرت في المَكان المُّنَاسب الذي يجب أن أبدأ بِه عَملية القَّنص ، فَقد كَانت حبيبتي كثيرة الكَلاَم ، والتي يَفوقُ ضَرر لسانهَا ضَرر رصَاصة خارجة من فَّوهة كَلاشينكوف ،تَتَباهي دَائمَا أمَامي بأنَّ في منزل عائلتها القَّروي أَزيد من خَمسين حمامة ، حينَ تَطير جَميعا تُّشكل سِّربَا لاَ يُمكن للعين أن تَتَوقف عن متابعته ،كُّلَّما تجادلنَا فِي أَمر تَافه ، والذي تَبدَؤُه هي في الغَالب ، تُّعيرني بأنَّ ليس في بيتي طَائر مَا ، ولمْ يَسبق لي أن مَنحتُ حَمامة بَّرية حبَّات قَمح ، ثم تَبدأ في ضحكتهَا المُّستفزة والتي تفوق ضَرر لسانهَا ورَصَاصة الكَلاشينكوف .
الأَكثر من كُّل هَذا ، أَنَّ حَبيبتي بدل أنْ تُّرسل لي صّورة لهَا وهي ترتدي فستَانا وَردي اللَّون ، أَو وهي مُّمدَّدة بِقَميص شَفاف ، ولمَا لاَ وهي عارية ، أَلسنَا كُّلنا عَرايا في الأصل … تَتَعمد إرسال صُّور الحَمام فَقط ، ويمِكنني أنْ اصَّرح أنِّي أصْبحتُ أتوفَر عَلى ألبوم من صُّور حَمام وطُّيور حَبيبتي .
ثُّمَّ لنْ أُخفيكُم حقيقة تَفكيري في بندقية للقَنص ، والتي علَى أسَاس هذَا التَّفكير جَاء حَفدة بعلزبوب عندي ، حيث كانَ تَفكيري في قطعَة سلاَح مردُّه إلى رَغبتي في قَتل كل حمَام وطُّيور حَبيبتي بطَريقة تَجعلها تَتألم ، وتَندم على اللحظة التي كَانت تَتَبَاهي أمَامي بأنَّها تَملك من الحمام أكثر مِّمَا أملك أنَا منْ الجَّوارب .
لنْ أُطيلَ عَليكم في تَفَاصيل أرَاها غَير ضرورية من مثل الهَّندام الذي ارتديته للقَنص ، والمَّادَة الصمغية التي وَضعتُها علَى وَجهي كَي أكون كَجنود الأفلام الأمريكية ، ولنْ أُحَّدثكم في الطَّريقة التي كنْتُ أََمشي بها ، وهي أفضل بِكثير من طَريقة مشي القنَّاصة الكبار المُّجرمين ، وأكيد لاَ أرَى دَاعيا أنْ أصف لَكم المَّكان الذي تمترستُ فيه ، وكَيف وضعتُ البُّندقية ، وكَيف تمَّددت بتلك الطريقة الجَّذَّابة والتي يُمكنهَا أن تُّغري أي كََاره للقَنص كي يُّحب القَنص أكثَر من حبِّه لنَفْسه .
لم يَبق أي شيء أمَامي ، فالكُّرة في ملعب طيور وحَمَام حَبيبتي .
سَبَابتي على الزِّناد
البُّندقية مَّحشوة برصاص لنْ ينتهي على الإطلاَق ،حيث يُمكنني كَأي بَطل فلم أَكشن ، أنْ أَظل واضعَا سَبَابتي على الزِّنَاد لأكثر من سَاعة ، دُّون أنْ يَتَوقف الرَّصَاص عنْ الخُّروج غصبا أو طَوعا .
خرجَ طَائر حَمام ذَكر أول …
لقَد فَرحتُ وأنَا أرى هَذا الطَّائر بالضَّبط ، فقَد كَانت تُّسميه حَبيبتي بالعَنبر ، وتُّحَدثني كَيف تَّعشقُه بَاقي الحَمَامَات ، وتُّخبرني عنْ مُّغَامراته الجنسية نِّكَاية فيَّ حِينَ أتمنع عنهَا .
حينَ حَلق العنبر، أطلقتُ رَصاصة أُولى ، ولاَحقتها بعيني كَأنَّهَا رَصاصة ثَانية ، لَكن الرَّصاصة مَا إن اقتربت منه حَتى سَقطت علَى الأَرض دون أَنْ تُّحدث أي ضَرر على الإطلاق ، فَكرت أنَّ المَّسافة بيني وبين الطَّائر الخَّبيث كَانت أَبعد ، تحركت وأنَا مُّمدد علَى بطني كي أقلص من المَّسافة ، ومن إن بدأت باقي الحَمامات الآحرى تَخرج في إثر العنبر الذكر ، حتَّى بدأت أنَا الآخر أطلق الرَّصَاص بكثافة ، لكن نَفس مَا وقع معَ طَائر العنبر كان يقع ما باقي الطيور الآخرى .
كدت أُّجن ، فَالرصَّاص الكَّثير شكَّل كَومة واضحة ، وليس هُناك أي طَائر جَريح جنبها ، وحبيبتي سَتظل دَائمَا تَتَباهي أمَامي مزهوة بأنَّ عَدد طيور قلبها ازدَادت ، حَيثُ كَانت تُّسمي بَيت عائلتهَا بقلبهَا .
حينَ عُّدت إلى البيت حزينَا وكَئيبا وَجدت رسَالة من أحد حفدة بعلزبوب :
يَا سيدي
يَبدو أنَّك إنسَان قَديم
لاَ تَعيشُ في هَذا العَصر
ففي عَصرنَا
لمْ يَعد هُنَاك سلاَح يصلح لقتل جَميع الحَيوانات
كُّل الأسلحة صَارت لهَا وظيفة قتل حيوان وَاحد وهو الإنسان
لقد ضَيعت عَلينا قِطع السِّلاَح تلك ، فَقد أعطينَاه لَك لاعتقَادنَا أنَّك ستقتل جَارَك ،أو أحد الأَشخاص الذين يُخَالفونَك الرَّأي…
نَنصحك باستعمَال المُّقلَاع لقتَل حَمام قلب حبيبتك .

شاهد أيضاً

يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت

(ثقافات) يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت حسن حصاري منْ يمُدُّ لي صوْتا غيرَ صوْتي الغائِب؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *