*د.علي بن تميم
في تغريدة كان معظم الأحرار ينتظرونها، يقارن فيها الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير خارجية دولة الإمارات بل يقارع بها، رأس الحية، ومصدر الشر ووقود الكراهية، مقارنة بين خطابين: خطاب يسعى إلى ردم الفوضى على رؤوس دعاة الموت، أولئك الذين يفخخون عقولهم، بعد أن استنزفوا تفخيخ أجسادهم، أولئك الذين يبدعون في التقتيل والتدمير، فيهلكون أنفسهم ويقتلون معهم جمعا غفيرا من الأبرياء. وثمة خطاب آخر، يستذكره اليوم وزير خارجية دولة الإمارات، في هذه اللحظة الصعبة من تاريخ المسلمين، خطاب يستند إلى الحكمة، والنظرة الثاقبة التي ترى بأن الدفاع عن الوطن، سرعان ما يتخذ ذريعة لتمرير أبشع صور الحقد وسموم الكراهية، إذ تنقلب على جماعتها ذات الأفق المتشدد، فتعمل معولها، في قتل الأنفس البريئة وهدم الأوطان وتحطيم العمران بحجج واهية مخاتلة، تتذرع مرة بالجهاد ومرة أخرى بالحرب المقدسة.
يستذكر وزير خارجية دولة الإمارات في تغريدته في أول أيام عيد الفطر المبارك، ليعلق بها على عمليات انتحارية ثلاث، استهدفت أمن السعودية، وآخرها، محاولة انتحارية بشعة ومتوحشة وقعت في المدينة المنورة، بجانب قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، إن مثل هذه العمليات لا تعكس إلا تكدس الشر في نفوس المتعطشين إلى سفك الدماء وإزهاق أرواح الأبرياء. ويقول الشيخ عبد الله بن زايد مستذكرا ومتسائلا في تغريدته: “هل تذكرون تحريم الشيخ الجليل ابن باز رحمه الله للعمليات الانتحارية… هل تذكرون مفتي الاخوان القرضاوي عندما حرض عليها!”.
لم تكن تغريدة وزير خارجية الإمارات إلا استذكارا وتساؤلا مشروعا، ينأى بنفسه عن الأحكام المطلقة والعبارات القطعية والخطابة اليقينية، بل أراد أن يذكر قراءه ومتابعيه، من ذوي العقول المستنيرة، كارهي التشدد والتطرف، محبي الحياة والتسامح والانفتاح، بقيمة التذكر وعظمته وجلاله التي أكدها القرآن الكريم مرارا وتكرارا وقال تعالى: “وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين”.
وبدل أن يسارع دعاة الإفك وفقهاء الجحيم، إلى تلبية الدعوة المفتوحة للتذكر والمقارنة بين الأحوال وما آلت إليه المصائر من جراء الخطابات التي تحث على الموت العشوائي والتفجير الاعتباطي، سنت حرابها المسمومة لا لتتذكر وترفض وتتبرأ من خيباتها وما وصلت إليه، بل وقعت في ردود قاصرة، تشبه تماما أحكامها القطعية التي انبنت عليها الجماعات الإرهابية ومنها الإخوان المسلمون والسلفيات الخربة المخربة، التي تقوم على احتكار الصواب والرأي الواحد وترفض حتى مبدأ التذكر والذكرى، لأنها تدرك بأن التأمل والتفكر أساسان يتناقضان تناقضا كليا مع قيمها المتشددة التي لا تعترف بالعقل والتفكير الحر وإنما جل ما يُهمها، إسقاط الأحكام بذرائع إلهية وأحكام إسلاموية أبعد ما تكون عن قيم الدين الحنيف، ومثل ذلك ما جاء في رد شيخ الفتنة يوسف القرضاوي الذي لطالما دافع عن العمليات الانتحارية التي لولاها لما قامت قائمة للجماعات الإرهابية هذه، والتي تصدر عن الطاعة العمياء لأرباب الجماعات المتشددة.
ولعلنا نقرأ بشكل جلي، في عبارات شيخ الفتنة القرضاوي في رده على تغريدة وزير خارجية الإمارات المتسائلة والمستذكرة، التمسح بالعبارات الدينية والكلمات القرآنية والأحكام الإلهية، التي تشيطن كل من يختلف معها ويبين ضلالها وأوهامها وأساطيرها.
تأتي تغريدة الشيخ عبد الله بن زايد متناغمة مع خطاب دولة الإمارات ومؤسساتها، ذلك الذي يستند على إبراز قيم التسامح في الدين الحنيف بعد أن حاول فقهاء الجحيم ونشطاء الظلام أن يدفنوها، ليقدموا بدلا منها “إسلاما” يتنافى مع ما شهده التاريخ الإسلامي من قبول الآخر واحترام التعددية والفكر المستنير، كما تجلي هذه التغريدة موضوعا مهما لطالما أدرنا له ظهورنا، أقصد “العمليات الانتحارية” التي تحتاج منا وقفة صارمة لتحليلها وتوضيح زيفها وأسسها الأيدولوجية الواهنة التي ترفع شعارات غيبية مرة وشعارات جهادية مرة أخرى، لكنها في حالاتها كافة تربي الكراهية وتستنزف كل بارقة أمل في نفوس المكتئبين الضعفاء الذين يوغلون في الدم.
________
*موقع 24