*كمال الرياحي
مثّل فن الكاريكاتير عبر تاريخه العربي فنا مريبا عملت جل الأنظمة على تهميشه لخطورته وتحرشه الدائم بالسياسة ولقدرته الكبيرة على إيصال الفكرة وزراعة الوعي في الجماهير بالإيماءة السريعة والمباغتة.
وهذا ما جعل رسامي الكاريكاتير في الوطن العربي يعيشون أوضاعا مهنية غير مستقرة، فلا هم رسامون ولا هم صحفيون، وكأن المؤسسة تصر على بقائهم في وضع الهشاشة خوفا من أن يحولهم الاستقرار الاقتصادي إلى وحوش أكثر شراسة.
وتظل المؤسسة السياسية تراقب الكاريكاتيري ولا تتردد في إطلاق الرصاص على رأسه متى اقتضت الحاجة وأفلت من رقباتها كما هي الحال مع اغتيال ناجي علي.
هذا ما فعله نظام الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي طيلة حكمه، وفعله من قبله الحبيب بورقيبة بالكاريكاتيريين، فإما التدجين ولعب دور الشرطي على المعارضة وإما الاقصاء والتجويع.
غير أن هذا الأمر تغيّر مع الربيع العربي والثورة التونسية، فعادت الأقلام التي حجبت لتوقع من جديد رسومها في المنابر الإعلامية الرقمية والورقية والمرئية، ومن ضمن هؤلاء الرسام توفيق عمران الكاريكاتيري اللاذع.
صدر لعمران مؤخرا كتاب مشترك بينه وبين الصحفية إيناس الوسلاتي بعنوان “15/15 تونس في رسوم” قاربا فيه بالكلمة والرسم واقع التحولات التونسية والانتقال الديمقراطي من كل جوانبه بما في ذلك الوضع الثقافي.
يمتد الكتاب على مئة صفحة من القطع المتوسط ويتشكل من 75 رسما كاريكاتيريا وعدد من النصوص تجاوزت 15 نصا مضيئا.
هذا التجاور بين النص المعلن عن الخبر أو الظاهرة والفكرة والرسم الساخر، نقل يوميات التونسيين في كل جوانبها، وتحدث عن انزلاقات وإخفاقات قد تكون لها تداعيات على مستقبل الشخصية التونسية والشعب التونسي.
الكتاب احتفى بطريقة ساخرة بالمنجزات والانتصارات وأبرزها كمفارقة إبداعية في قلب تراكم الإخفاق والانتكاسات.
في موضوع الجوائز الأدبية، يذهب نص إيناس الوسلاتي إلى تناول خبر فوز الروائي التونسي شكري المبخوت بالجائزة العالمية للرواية العربية “البوكر” وتسليط الضوء على قيمة الرواية باعتبارها شهادة فنية على عصرها.
أما توفيق عمران فكان مشحونا بواقع جهل المشهد التونسي بالجائزة وبما يحدث في عالم الأدب بصفة عامة، حتى إن أغلب الصحفيين كانوا يخطؤون في نطق اسم الجائزة وينطقون “Poker” بدل”Booker” ثم ينقل هذا الخطأ الشائع إلى حقل آخر سياسي إذ تتحول اللعبة السياسية إلى لعبة رهان لا غير، وبذلك يعكس عمران هشاشة الوضع السياسي بتونس وتخبطه في منطقي الحظ والصدفة.
يخصص عمران عددا من الرسوم لموضوع القراءة في ظل ما يعانيه المشهد التونسي والعربي من أزمة تعمقت أكثر مع ظاهرة الإرهاب التي ضربت الشرق والغرب.
يقدم عمران رسوما تعلي من شأن الكتاب باعتباره السلاح الأول لمقاومة الإرهاب، وهو بذلك يوسع من مفهوم الكتاب باعتباره رمزا للثقافة برمتها فيظهر الكتاب يمد يده الرقيقة كما يبدو ليوقف الإرهابي القادم المدجج بالأسلحة.
كما خصص الفنان صورة لتمثال يقرأ كتابا وأرفقها بشابين يفسر أحدهما للآخر الحائر “هذا تمثال القارئ يقول إن أجدادنا كانوا يقرؤون كتبا ورقية”.
اختزل هذا الرسم الرؤية المستقبلية للكتاب الورقي في العالم باعتباره مهددا من الكتاب الرقمي، وهي فكرة خلافية بين النقاد والباحثين والخبراء. وعبر هذا الرسم يفتح عمران الجدل من جديد في مشهد تونسي يعاني من أزمة قراءة في الورقي متذرعا بتوفر الكتب رقميا أو مقرصنة فلا يقرأ لا هذا ولا ذاك.
يتناول الكتاب عددا من المواضيع الأخرى مثل حرية التعبير والصراع السياسي الذي يخفي صراعا ثقافيا بين المستعربين والمستغربين، ومواضيع أخرى كفوز تونس بجائزة نوبل للسلام ومسألة الاقتصاد الهش والسياحة والصراع السياسي داخل الأحزاب الحاكمة وقضايا التوريث وأزمة المعارضة المزمنة ليكون الكاريكاتير شاهدا على العصر.
___
*الجزيرة.نت