المخرج الأردني فادي حداد: السينما في مواجهة الرجعية والإرهاب


*حاوره: موسى برهومة


لا تنفصل السينما عند المخرج الأردني فادي حدّاد عن مواجهة التحديات الاجتماعية ومقاربتها، وهو يدعو إلى أن تنحاز السينما بشكل طبيعي إلى قيم الحق والخير والجمال والتقدم في مواجهة الرجعية والإرهاب.
ويعتقد المخرج السينمائي الأردني، الذي يدرّس في كلية محمد بن راشد للإعلام في الجامعة الأمريكية بدبي، أنّ المزيد من الثقافة السينمائية يعني بالضرورة مزيداً من الانفتاح الفكري، لأنّ جيلاً متذوقاً للسينما والفنون عموماً سيكون، بالتأكيد، خالياً من التطرف الفكري في رأسه، أو الأحزمة الناسفة حول خصره.
حاز حدّاد على الماجستير في الإخراج من معهد البحر الأحمر للعلوم السينمائية بمدينة العقبة الأردنية. درس الفنون البصرية والتصميم بالجامعة الأردنية في 2006، والتحق بورش تدريبية في صناعة الأفلام وكتابة السيناريو.
وقبل فيلمه السينمائي الطويل “لما ضحكت موناليزا” أخرج ثلاثة أفلام قصيرة هي “سوليتر”، “على سيرة البيانو”، و”كعب عالي”.
“ذوات” التقت السينمائي فادي حداد، وأجرت معه الحوار التالي:

• ألا تشعر بالمفارقة من أنك مخرج سينمائي أردني في بلد لا يصنع السينما، بل ربما لا يهتم بذلك، ولا يطمح إليه؟
برأيي الاهتمام والطموح موجودان عند السينمائيين الأردنيين الشباب بالتأكيد على أرض الواقع، فإن الطموح يكون للوصول إلى زخم إنتاجي أكبر يمكّن التجارب الفردية من أن تتطور إلى صناعة مجدية. كما أن المشتغل في السينما في مواجهة تحدٍّ مفاده أن السينما الأردنية، رغم جودة إنتاجاتها القليلة، إلا أنّ تاريخها قصير، وجاءت في وقت قد تكون السينما والفنون عموماً، بكل أسف، ليست في أعلى سلم الأولويات ، فضلاً عن أننأ في وسط تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية. وهذا على مستوى المؤسسات كما هو على المستوى الشعبي. هي مفارقة فعلاً، ولكن ربما أنني وغيري ممن قام بهذا الخيار من صناع الأفلام في الأردن وجدنا في هذه البيئة الخصبة بالصراعات قصصا كثيرة لم تروَ، وهذا ما استفزني شخصياً، وجعلني أتوجه إلى السينما.
أعتقد أنّ الأزمات هي المولّد الأهم للقصص ، والسينما هي مرآة التغيير والضوء المسلط على ما كل ما يؤرق المجتمع.
• السينما عادة مرتبطة بالثقافة، بمعنى التطوّر الحضاري والتمدّن. هل ترى أنّ الذهاب إلى السينما أصبح عادة لدى العائلة العربية، أم أنّ الأمر مقتصر على النخب والشباب؟
الذهاب إلى السينما ليس عادة اجتماعية واسعة النطاق في العالم العربي. قد يتراوح الأمر فتجد هناك بعض البلدان التي قد يكون التفاعل الثقافي فيها أكثر نشاطاً؛ كلبنان ومصر والمغرب مثلاً، فتجد أنّ هناك حضوراً أكثر كثافة في صالات العرض. لكن حتى في مصر وهي الصانع الأكبر للسينما العربية، فقد تراجع الحضور بشكل كبير جداً بعد أحداث ٢٠١١ وما تلاها.
ومن ناحية أخرى، فقد تكون أعداد جمهور السينما في بعض بلدان الخليج العربي كالإمارات مثلاً كبيرة بشكل ملحوظ، لكن الأمر شبه مقتصر على الأفلام التجارية الأمريكية والهندية .من ملاحظتي أن الفيلم العربي (ربما باستثناء المصري) جمهوره نخبوي حتى في بلد الإنتاج نفسه. ربما الأمر متعلق بالضائقة الاقتصادية أو التزمت الديني المتزايدين أو كليهما معاً.
• منذ زمن بعيد و نداءات هناك لإطلاق صناعة سينمائية في الأردن. أين العائق. هل ترى بأنّ صناعة السينما تحتاج إلى رعاية الدولة. أم أنّ بالإمكان أن يتم ذلك برعاية القطاع الخاص، أو بجهود مدنيّة؟
كما قلت سابقاً، ربما من سوء الحظ أنّ السينما الأردنية انطلقت في وقت تخبطت فيه الأولويات. العديد من صناديق دعم الأفلام في الأردن والعالم العربي توقفت أو تجمدت في السنوات الأخيرة. في الحقيقة أنّ الأمر يحتاج إلى تضافر جهود من كل النواحي. على الدولة أن تقدم الدعم المادي اللازم من خلال صناديق الإنتاج أو حتى تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار من خلال الاقتطاعات الضريبية وغيرها من الحلول.
كما يجب أن يرافق هذا الدعم استراتيجية شاملة تنشر الوعي الثقافي والفني والسينمائي على نطاق شعبوي، بداية من المناهج التعليمية الأساسية حتى يُخلق جيلٌ لديه ذائقة فنية عالية. هذا بالتأكيد سيزيد الإقبال على المشاهدة، مما سيزيد الفرص للاستثمار الخاص في هذا الحقل. النتيجة مربحة على كل الأصعدة. وكي أكون منصفاً، فبالتأكيد دورنا نحن العاملين في صناعة الأفلام أن نتعاون بشكل أكبر فيما بيننا، وأن نجد صيغاً جديدة للإنتاج غير الصيغ التقليدية، وأن نحاول أن نعبُر بالسينما من النخبوية إلى الدائرة الأوسع .
• هل الأردن مؤهل لصناعة السينما. هل لديه عناصر تمكّنه من وضع أرضية لانطلاقة سينمائية واثقة. هل يمتلك الكوادر والكتّاب والممثلين، أم أنّ الأمر ليس أكثر من حفنة أمنيات؟
بالتأكيد مؤهل والإثبات هو جودة التجارب التي تحققت، رغم الإمكانات المحدودة. بلا شك أن تذبذب الإنتاج عائد إلى التحديات التي ذكرتها سابقاً. واقعياً الكوادر الموجودة في الوقت الحالي مؤهلة، وربما كافية بالنسبة إلى حجم الإنتاج الحالي..أضف إلى ذلك أنّ انتعاش الإنتاج السينمائي سيؤدي بالضرورة إلى تأهيل أعداد أكبرمن الكوادر والكتّاب والممثلين بشكل عضوي ، فالعملية تبادلية.
• قبل فيلمك السينمائي الطويل “لما ضحكت موناليزا” كنتَ أخرجتَ أفلاماً قصيرة. هل كانت التجربة سهلة. ما العقبات التي واجهتك؟
كنتُ وغيري من صانعي الأفلام الأردنيين الشباب مجموعة من المتحمسين للسينما، وكنا نتعاون معاً، ونتبادل الخبرات في ما يتعلق بالكتابة والإنتاج وغيرهما. ومعظم الأفلام تحققت بميزانيات قليلة، وما توفر من الإمكانات، وهذا الأمر كان جانباً إيجابياً أتذكره عن تلك التجارب. لكن في الواقع ، فإن غياب أجيال سابقة من السينمائيين حرمنا من فرصة أن نتدرب على يد مخرجين مخضرمين نتعلم من تجاربهم، كما يحصل في الدول التي لديها صناعة سينمائية متقدمة. لم يكن لدي من خيار سوى أن أجرّب وأتعلم من أخطائي وتجارب زملائي.
• رغم أنّ فيلمك “لما ضحكت موناليزا” تم بحرفية جمالية عالية، إلا أنه لم يحقق الانتشار الذي يليق به. أين يكمن التقصير؟
شكراً لك. في الحقيقة لقد كانت النية من البداية أن يكون فيلم “لما ضحكت موناليزا” كوميديا رومانسية موجهة بشكل أساسي للجمهور الأردني الذي لم يعتد رؤية الأفلام الأردنية، أو حتى ليس لديه الثقة بالمنتج الفني الأردني. وأعتقد أن هذا الهدف تحقق بشكل جيد جداً، فلقد وصل الفيلم إلى مختلف الشرائح والمناطق من خلال العروض المتنقلة في المحافظات، بالإضافة إلى صالات السينما المتركزة في العاصمة وتفاعل الجمهور بشكل حماسي مع الفيلم.. حجم الجمهور الأردني ليس كبيراً، وهذه حقيقة، بالإضافة إلى أنّ عادة الذهاب إلى السينما ليست أمراً مألوفاً، كما لفتُ إلى ذلك من قبل. بيْد أنّ الفيلم كان خطوة مهمة في هذا الاتجاه، وأصبح كثيرون يعرفون أنّ هناك فيلماً أردنياً بالامكان مشاهدته مع العائلة والاستمتاع به، وهذا أمر سيساعد التجارب الأردنية اللاحقة. بالتأكيد كان من الممكن أن يكون توزيع الفيلم عربياً أكثر نجاحاً. ربما قلة الخبرة بالتوزيع السينمائي، وعدم وجود حالة سابقة يمكن دراستها فوّت بعض الفرص. وفي النهاية ، تم تعويض ذلك إلى حد ما من خلال عروض المهرجانات والتوزيع التلفزيوني. لنكن واقعيين، الفيلم هو التجربة الطويلة الأولى بالنسبة إلي، ولم أتوقع أن أصل إلى الثراء أو العالمية من خلالها.
• الفيلم يتحدث عن عمّان، ويحفر في عوالمها. هل تعتقد أنّ عمّان أعطيت حقها في التناول الإبداعي سواء في السينما أو التلفزيون؛ بمعنى كم عربياً يعرف عمّان وأسماء شوارعها؟
بالتأكيد لم تُعط حقها، وهذا عائد إلى قلة الإنتاج وحداثته، ولكن هذا يعني أيضاً أنها كمدينة ما زالت إطاراً يحتمل العديد من الحكايات. برأيي هي مدينة حديثة نسبياً ومتغيرة بشكل مستمر. أشعر أنها كمدينة ما زالت غير مرتاحة مع هُويتها، ربما أيضا لأن معظم سكانها يتمسكون بانتماءاتهم الأصلية باختلافها أكثر مما ينتمون لها كمدينة، رغم وجودهم فيها لأجيال. هذه الإشكالية هي ما جعلني أضع عمان كشخصية وجزء من العقدة في معظم أفلامي وليس كمجرد صورة خلفية. هذه الإشكالية تجعلني أرى أنّ عمان مختلفة عن دمشق وبيروت والقاهرة، وقصصها تعكس جانباً آخر من مشاكل المشرق العربي.
• هل لديك الآن أفكار لفيلم جديد. هل اتضحت ملامحه؟
نعم، أقوم الآن بكتابة الفيلم الطويل الثاني، وفي الوقت نفسه أسعى للحصول على منح للتطوير. معالمه واضحة بالنسبة إلي، لكن لا أستطيع أن أفصح كثيراً عن مضمونه قبل الوقت المناسب. بإمكاني القول إنّ قصته تروي رؤيا مستقبلية لمشرق ما بعد الحروب المدمّرة من خلال قصة صداقة غير مألوفة تتجاوز التعصب وسوء الفهم.
• ماذا يمكن للسينما أن تفعل لمجابهة الإرهاب والتزمّت الديني والتشدّد الاجتماعي. أم أنك ممن يؤمنون بأنّ على السينما أن تهتم بالقضايا الجمالية فقط؟
لدي اعتقاد شديد بأنّ السينما لا يمكن أن تكون منفصلة عن واقعها. وأننا في الزمان والمكان الذي نحن فيه ليس لدينا الترف في أن نصنع أفلاماً لا تتطرق لكل ما يدور في مجتمعاتنا من مشاكل تنتظر أن يُلقى عليها الضوء أحترم من يعتقد خلاف ذلك، لكنني شخصياً لا أستطيع أن أفكر بأية قصة لا تدور في فلك إشكاليات المنطقة العربية السياسية والاجتماعية. لست مع أن تصبح السينما منبراً أيديولوجياً، لكن دون شك أن تنحاز السينما بشكل طبيعي إلى قيم الحق والخير والجمال والتقدم في مواجهة الرجعية. كما أن المزيد من الثقافة السينمائية يعني بالضرورة مزيداً من الانفتاح الفكري. ولك أن تتخيل أنّ جيلاً متذوقاً للسينما والفنون عموماً سيكون، بالتأكيد، لا مكان للتطرف الفكري في رأسه، أو للأحزمة الناسفة حول خصره.
• تدرّس فنون السينما الآن في الجامعة. هل تعتقد أنّ هناك شغفاً لدى الطلبة بدراسة السينما، وأي سينما تلك التي تستهويهم؟
أعتقد أنّ اختيارهم أن يدرسوا هذا التخصص هو بحد ذاته ،إشارة إلى أنّ لديهم الاهتمام المبدأي. دوري في الجامعة هو أن أوجّه هذا الاهتمام، وأساعدهم على صقل الموهبة وتعزيزها بالثقافة السينمائية. في الجامعة الأمريكية في دبي الطلبة متنوعون، وخلفياتهم واهتماماتهم متنوعة. بعضهم يكون متابعاً للسينما العالمية القديمة والحديثة، وبعضهم الآخر تقتصر معرفته على الإنتاج الدرامي التلفزيوني، وهو ما نحاول أن نطوره إلى ثقافة سينمائية أكثر نضوجاً. التلفزيون ليس بالضرورة رديئاً، لكنه استهلاكي. أما السينما، فتقدم مخزوناً بصرياً، وقيمة ثقافية إنسانية تتجاوز الزمن.
____
*المصدر: ذوات

شاهد أيضاً

العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية

(ثقافات) “طربوش أبو عزمي العلي”:   العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية زياد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *