
خاص ( ثقافات )
عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر صدر مؤخرا كتاب (خاصرة الصورة، سؤال الأصالة في الفن العربي المعاصر) للباحث والفنان العراقي صدام الجميلي، وبتقديم الدكتور فيصل دراج. ويقع الكتاب في 152 صفحة من القطع المتوسط. متضمنا مجموعة من صور الأعمال الفنية.
تقع أهمية الكتاب في عدة جوانب أهمها تناوله لقضية شائكة ومهمة في الفن التشكيلي العربي،ومفهوم الصورة،وهي قضية الأصالة التي لم يتطرق إليها كتاب متخصص يدرس إشكاليات تلك القضية ويحلل ملابساتها،فضلا عن شح البحوث النظرية في الفن البصري عموما والتشكيل خصوصا، وهو ما يجعل الكتاب سبقا مهما لإثراء المكتبة العربية والدراسات البصرية بشكل عام.كما تأتي الدراسة على مقارنات مهمة في الفن العربي مع الفنون العالمية للامم الأخرى،وقضية التحريم وتاريخ الصورة في الثقافة العربية ، وقراءة الفن العربي المعاصر وفق نماذج علمية ،عبر قراءة الفن العالمي ومقارباته اليوم لمفهوم الأصالة،فضلا عن فكرة التأسيس في الفن العربي ومحاولات الاشتقاق المزمنة التي طالت الفن منذ مؤسسية وصولا إلى تلاميذهم،ثم يقرأ الباحث إشكاليات النقد وتراخيه امام هذه القضية وقضايا أخرى تخص الصورة،فضلا عن تشخيصه تلك الإشكاليات التي أسسها النقد دون قصد، وتأتي مقدمة الناقد فيصل دراج لتحديد أهمية تلك الدراسة ،إذ يقول (يستعيد هذا الكتاب موضوع الفن العربي ، منفتحاعلى جملة من الأسئلة ، تتضمن معنى الفن وكونيته ، والشروط الاجتماعية المتعلقة به ، وذلك النظر الاستشراقي الذي أدمن على تقديم إجابات جاهزة ، رأت في المنظر الإسلامي نفي الجميع الممارسات الحرة ، ومنها الممارسة الفنية ،….
عالج الكتاب الذي لايخفي طموحه،معنى الفن، والرسم منه خاصة، قائلا بفكرتين جوهريتين :الفن حرية، يصادر ولايمكن إعتقاله،فهو ضرورة روحية ، تواجه القائم بما يمكن أن يكون، والفن الذي هو شكل خاص من ((اللعب)) قديم وبالغ القدم،منذ أن رسم الإنسان على جدران الكهوف.
بيد أن ما يجعل الفن ظاهرة إجتماعية، له مؤسساته وأعرافه، مرتبط بالعلاقات الاجتماعية،التي تؤمن له شروطه الضرورية أو تمنعها عنه، بدءا بحرية الأنا المفردة التي تبدع ولا تحاكي ، وصولا الى جمهور يعرف الفن ويعترف به ، ويتمتع بثقافة لا ترى الفن ((إضافة هجينة)) إلى المجتمع ، ذلك أن التعامل مع الأعمال الفنية يقتفي تربية فنية ، لها مراجعها الواسعة في المناهج المدرسية ، والمتاحف وفي تكريم المتخيل الطليق .) فيما يشير الباحث في مقدمته ، ( تتصدى هذه الدراسة لقضية جوهرية في الفن العربي، غالبا ما يتم تداولها من دون أن تمنح جدية كافية للغوص في تفاصيلها ، بالقدر الذي ينسجم مع أهميتها وحساسيتها الكبيرة التي مثلت عبر الزمن التباسا ، وسؤالا كبيريْنِ في الثقافة التشكيلية العربية . إذ يتجاوز الكثير من دارسي الفن العربي قضية الأصالة ، كأن يتم تناسيها أو يتم التطرق إليها باستحياء ما أن تبرز برأسها ، فلا تكف تلك القضية عن البروز في كل بحث ودراسة تشكيلية ، متناً أو هامشا ، فتُلمح الدراسات بتصورات معينة لا تكفي لتوصيف أو تحليل هذه القضية المحورية المهمة، ما أتاح الفرصة للكثير من الآراء الفردية والارتجالية في توصيف الأصالة في الفن العربي بشكل عرضي ، إذ مارس الكثير من الباحثين إجحافا بحق هذا النشاط عبر تهم أو تبريرات وإسقاطات، أو تهويمات لا نجد لها أي تفسيرات واضحة، أو أدلة دقيقة ، أو ملاعبات لغوية تعيد بلورة الكلام بلا جدوى، كما أن دفاعات بعضها لم تضع أدلتها الكافية أيضا ما أنهك الفن التشكيلي وجعله يلتفت كثيرا للوصايا والتبريرات والتوضيحات التي لم تكن من وظيفة الفن التشكيلي نفسه، بل شكلت شوكة في قدم الفن العربي تلح عليه ألماً كلما ضغط النقد على جانب من جوانب هذه القضية الحيوية. والمسعى هنا هو محاولة الامساك بواحدة من أهم اشكاليات الثقافة البصرية العربية، وهي اشكالية نقدية أكثر من كونها إشكالية بصرية، ما زالت تمثل محور الإشكالية التشكيلية العربية، فلم يتطرق أي باحث لمفهوم الأصالة في الفن العربي بالشكل الذي نتطرق له هنا، إذ تجاوز الكثير من الباحثين تلك المهمة في دراسة الفن العربي، ولم يتطرق أحد منهم إلى هذا المفهوم محاولا الحفر فيه وبحث تلك المسألة، إذ بدت قضية الأصالة وكأنها من البديهيات (سلبا وإيجابا).
يقع الكتاب في 19 مبحثا ، ترتبط في مجملها في مسار بحثى موحد وبعناوين وطريقة سردية قادرة على تقريب الدراسات للقارئ عبر توفير قدر كاف من المتعة والمعلومة عبر طريقة خاصة مشوقة.