*ليث سعيد الرواجفة
خاص ( ثقافات )
ستصدر رواية بعنوان “أنثى افتراضية” بعد أيام قليلة عن دار فضاءات للنشر والتوزيع في الأردن، للروائي “فادي المواج الخضير”، وهي بواكير أعماله في هذا الحقل.
تعكس رواية (أنثى افتراضية) مرحلة مهمة من مراحل نضوج الكتابة السردية في الأردن؛ فمعظم المزالق الفنية سابقاً كانت تتمثل في عدم قدرة الراوي على التخلص النهائي من دوره مؤرخاً. ومن ثم اكتسبت الشخصيات، في عدد كبير من الروايات صدقاً تاريخياً على حساب الصدق الفني*.
في مدى رحب متعدد الدلالات، تظهر ازدواجية الشخصية الإنسانية وحالة الاغتراب والصراع الداخلي التي باتت تحتل مساحة شاسعة في الروح العربية هرباً من واقع مؤلم، بحثاً عن متنفس في عالم افتراضي بحساباته المتعددة، وأسمائه المستعارة، وعباراته المسروقة، واشاراته، ونكزاته، وإشعاراته، وتعليقاته -يهرب إلى الــ ( Facebook)، ليجد ضالته التي شغلته ، (لماذا لا يدركون أننا لو وجدنا ضالتنا في عالمنا الحقيقي ما كنا انضممنا إلى طوابير الانتظار في هذا العالم الافتراضي)2.
والرواية تمثل جزءاً من التحولات الكبرى التي عصفت بالكتابة الفنية نتيجة التطورات التكنولوجية وتحول العالم إلى قرية صغيرة في علاقاتنا الإنسانية، ولا يمكن أن تُصنف الرواية بأنها رقمية مثلما فعل (محمد سناجلة) في رواياته، فــ(أنثى افتراضية) منقسمة في أحداثه وشخوصها بين العالم الواقعي، وعالم افتراضي. أيضاً مكتوبة بتقنية روائية متعارف عليها (كتاباً ورقياً) ، وليست على برنامج (Adobe Flash Player)، فهي رقمية في عالمها الافتراضي فقط، وواقعية في باقي الأركان السردية.
تتمتع الرواية بشعرية اللغة، وعمق دلالاتها؛ فكل جملة تصلح أن تكون حكمة، أو رسالة قصيرة مكثفة.
تدور أحداث الرواية حول قصة شاب يدعى (ربيع) أنهى دراسته الجامعية، ولكن حاله حال العديد من الشباب العاطلين عن العمل، فلم يجد عملاً مجدياً، لا تبور تجارته إلا الموت؛ فعمل تاجراً للموت يبيع مستلزمات واكسسوارات الأموات، أحب فتاة تدعى (ميسون) كانت تعيش بالقرب منه في مدينة العقبة، ولكن الزمن فرقهما بعدما رحلا إلى مدينة عمان، وسرعان ما جمع حياتهما موت والدها، فتزوجا؛ (كيف لرجل يعيش على أنباء الموت أن يعيش اليوم مع نبض الحياة ؟!…… الرداءات هي الرداءات ذاتها التي كنت أبيعها لذوي الموتى من أجل موتاهم وقوت يومي. الأبيض سيكون سرّ فرحي، وهو الذي اختزن أسرار وجع ذوي موتاي …)
يملك ربيع حساباً على الفيس بوك يحمل اسم (زاهر)، وميسون أيضاً لديها حساب موسوم بــ(سناء)، تحدثا معاً دون أن يلتقيا ، فمحاولات زاهر -ربيع- باءت بالفشل. ولا يعلم أي منهما شيئاً عن الآخر، حتى بعد الزواج.
ميسون وربيع لم يرزقا بأطفال، وكان -زاهر قد أخبر سناء- أن صديقه يُعالج من العقم، فطلبت رؤيته برسالة إلى (زاهر) ولم تخبره بسبب الطلب، فتردد بقبول الدعوة، بعد ذلك اتخذ قرارَ رؤيتها لأنها ألمحت له حاجتها بمساعدة ضرورية، وحدثت الصاعقة، عندما التقيا (لم تتوقع أن تلتقي بزوجك لقاء عشاق وإن كانت النوايا ليست كذلك.
ومن شخوص الرواية المهمة (الدكتور مازن)، تعلّق بسيدة على الفيس بوك تدعى (أمل)، وهي متزوجة زواجاً تقليدياً، زوجها يروي ظمأ جسدها، ولا يروي ظمأ روحها (الزوجية يا ميسون ليست أكلاً وشرباً ونوماً، الأنثى تحتاج دفئاً روحياً) ، (زوجي يحتل جسدي، أما الدكتور فيحتل روحي، احتلها ومضى ثم ترك لي مهمة الإعمار…) .
وعندما أدرك مازن أن طريق رجل عازب نحو امرأة متزوجة طريق مسدودة قرر أن يبتعد عن حياتها…شعرت بذلك ، أنشأت حساباً جديداً يدعى (أسيرة البستان) وبدأت بمراسلة الدكتور مازن، فتعلق بــ(أسيرة البستان) وحاول الابتعاد عن (أمل) وهو لم يكن يعلم أنه (ربما كانت أمل قدره، يفر منها إليها، يهرب عنها فيها، يستبدلها بها، يهرب من وجهها – من أجلها- فيجدها -دون أن يدري- في وجهه كأنما تهرب معه إليه. )
خُتمت الرواية بمفارقة درامية، كان ضحيتها شخوص الرواية والرواية عصرية في أحداثها، وفريدة من نوعها، تحاكي الواقع والخيال، الصدق والكذب، الوفاء والخيانة، وكيفية وجوب استثمار وسائل التواصل الاجتماعي بطرق ايجابية، والابتعاد عن السلبيات مثل قصة (وحيد)- ما كان شأن وحيد وهذا الفكر المتطرف؟! تبا لهذا العالم الافتراضي الذي غزا أبناءنا –أمام أعيننا- فسرقهم منا، لم يكتف بسرقتهم هم، بل سرق فكرهم ولوّثه… ) ، كأن الروائي يضع بين أيدينا عبرة يجب علينا أن نستفيد منها في حياتنا اليومية.
من أجواء الرواية:
” ما أجمل ذكرياتنا الورقية ! رسائل حبنا وحروفنا فيها، كلماتنا وطيف حبيب نرسمه من وحي ذاكرةٍ كل ما تملكه هو أن تتخيل. اليوم، كل شيء يفقد قيمته، رسائلنا ما عاد لها ذلك البريق يوم كنا نحكم عليها بالإعدام خزناً في دفاتر مذكراتنا، أو التعذيب حرقاً بنار كلهيبنا ونحن نلقي عليها نظرة الوداع الأخيرة. نواريها، نداريها، نحاورها في لحظات خلوتنا بأنفسنا”.
“الموت ليس للموتى، الموت للباقين على رصيف الحياة؛ لا هم بقادرين على الالتحاق بموتاهم ولا هم بقادرين على مزاولة الحياة في غيابهم….”
” هي أقدارنا، تعصب على أعيننا فنمضي معها طائعين إلى حيث لا نعي سوى وقع خطانا؛ خطانا الشاهد الوحيد على أننا نمتثل لأوامر القدر قبل أن يترك الزمن آثاره على وجناتنا وجراحه في الوجدان.”
” الكتابة دليل قاطع على وجودي على قيد الحياة في مكان مخصص للموتى على قيدها. أن أكتب يعني أن أزاول الحياة؛ قلمي وأفكاري وحدها من تمنحني شهادة المزاولة. طه حسين كتب (الأيام) فطوته الأيام وظلّت أيامه، إبراهيم نصر الله كتب (السيرة الطائرة)، فدوى طوقان كتبت ( الرحلة الأصعب)، أنا قادر على أن أكتب، لكن فدوى كتبت ( أخي إبراهيم) فماذا أكتب أنا؟ أأكتــــــــب ( ابني وحيد) أم أكتب (زوجتي ميسون) أم أسحّ دموعي حروفاً على مناديل من ورق؟!…”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* انظر: د. نبيل حداد، الرواية والواقع الاجتماعي: دراسة في تجربة الرواية الأردنية، من كتاب الرواية في الأردن، تحرير د. شكري الماضي، هند أبو شعر ص35.