*محمد زكريا توفيق
دامت الحرب بين أهل طروادة والإغريق مدة عشر سنوات. فشل الإغريق في أول الأمر في أخذ المدينة. بعد أن علموا بأن أخيل هو الذي سيحقق لهم النصر، حسب نبوءة أحد الكهنة، قاموا بالبحث عنه حتى وجدوه.
استطاع أوديسيوس أن يعثر على أخيل وعرض عليه أسلحة وخيولا فتحركت نفس أخيل لها، وانضم إلى جيش الإغريق.
استطاع أخيل أن يحقق انتصارات باهرة لجيش أجاممنون طوال مدة الحرب الضروس. بعد إحدى المعارك، وجد جنود أخيل بنت ملك طرواده برسيس فأعطوها إلى أخيل. أحبها أخيل وبادلته هي الحب.
لكن أجاممنون أخذها لنفسه، ورفض إعادتها إلى أبيها. لذلك، احتدم الخلاف بين أخيل وأجاممنون. فقام أخيل باعتزال الحرب وتوقف عن القتال. ثم بدأت الهزائم تتوالى على جيش الإغريق.
بينما كان القتال العنيف يدور بين الإغريق والطرواديين، كان البطل أخيل يراقب من بعيد. كان يصغي إلى صخب المعركة، وينظر بعينين فاحصتين إلى رجال الإغريق وهم يتساقطون قتلى، كأوراق الخريف على الأرض، التي غطت بالأشلاء وصبغت بالدماء .
جاء باتروكلوس باكيا إلى أخيل، فبادره بالسؤال: “لماذا تبكي يا باتروكلوس إنك تشبه، طفلة تجري إلى أمها، تلتصق بها وتمسك بردائها، وتتبعها أينما تسير. تنظر إلى أمها بعينيها المرغرغتين بالدموع، ولا تكف عن البكاء إلى أن تحملها الأم بين ذراعيها. هذا هو حالك يا باتروكلوس.”
لكن باتروكلوس ظل يبكي وينتحب وهو يجيب بصوت متهدج: “هنا يسقط أشجع شجعان الإغريق بين قتيل وجريح. ألا تأخذك بهم شفقة يا أخيل؟ ألا يزعجك أننا على وشك الهزيمة؟”.
إذا ظللت واقفا هكذا، متخاذلا ومترددا، بعيدا عن حومة الوغى ولهيب المعركة، أرجوك وأتوسل إليك، أن تعطيني سلاحك، وترسلني للقتال نيابة عنك. لعل الطرواديين يحسبونني أنا أنت، فيصابون بالرعب ويتم لنا النصر.”
أجابه أخيل، وقلبه يعتصر حزنا عليه: “لقد سلبني الإغريق جائزة النصر، يا باتروكلوس. حرموني من حبيبتي برسيس. لكن دع الماضي وشأنه. فما قد مضى قد فات. ولا يستطيع أحد أن يظل غاضبا أبد الدهر. ما لم يقم الطرواديون بحرق سفني، سأظل متجنبا القتال، وواقفا على الحياد.
لكن، خذ، يا باتروكلوس، سلاحي. وقم بقيادة جنودي لحماية سفني من الطرواديين. واترك مطاردتهم على الأرض، لجنود الإغريق الآخرين.”
بينما كان أخيل يلقي بنصائحه لباتروكلوس ويسلمه سلاحه، كان الطرواديون يندفعون غاضبين، يتسلقون سفن الإغريق وهم يحملون شعلات اللهب لحرقها. حينئذ، صرخ أخيل بأعلا صوته: “أسرع يا باتروكلوس. إنهم يحرقون السفن. احمل عتادك، وسأقوم أنا بأمر جنودي بمواصلة القتال.”
ارتدى باتروكلوس واقي الصدر ولبس خوذته وحمل درعه وسيفه، وأمسك رمحين طويلين بيديه. ثم ركب عربة أخيل الحربية، مع قائدها، أوتوميدون، أمهر وأشجع سائقي العربات الحربية. بسرعة الرياح الغربية، انطلق حصانا أخيل يجران العربة نحو المعركة.
لبى جنود أخيل نداء الحرب بسرور بالغ. فهم جنود بواسل يقاتلون مثل الذئاب الجائعة. صرخ فيهم أخيل قائلا: “تلومونني كثيرا بسبب حجبكم عن القتال. هذه هي فرصتكم للعودة للحرب التي تعشقونها”.
ذهب جنود أخيل إلى المعركة يقودهم باتروكلوس، وذهب أخيل إلى خيمته ليقدم القرابين إلى كبير الآلهة زيوس. بينما نشط الإغريق وأخذوا يغادرون سفنهم ويذهبون في كل اتجاه، مثل ذنابير غاضبة، خرجت لكي تهاجم الصبية التي ترمي عشها بالأحجار.
قبل أن يستعمل باتروكلوس سيفه، وبعد أن شاهد رجال طروادة أسلحة أخيل تبرق في وهج الشمس، أصابهم الرعب وتملكهم الخوف ولاذوا بالفرار.
تم طرد الجنود الطرواديين من سفن الإغريق، وأخمدت النيران التي أشعلوها بالمراكب، وعادوا إلى خنادقهم لمواصلة القتال والدفاع عن مدينتهم. في كل مكان، تجد أحصنة تتلوى من الألم ورجال تعاني سكرات الموت. جنود أخيل بقيادة باتروكلوس، كانوا يعبرون بعرباتهم الحربية فوق الأشلاء، وهم يقتربون من أسوار طروادة لمطاردة هيكتور أمامهم.
كان قادة الطرواديين يسقطون الواحد بعد الآخر أمام باتروكلوس المدجج بأسلحة أخيل والمدعم بجنوده. قائد واحد طروادي فقط، هو الذي وقف في مواجهة باتروكلوس، هو ساربيدون.
وقف ساربيدون بثبات يصرخ في جنوده قائلا: “إلى أين تفرون أيها الجبناء؟ ياله من عار! سأقوم أنا بنفسي بقتال هذا الرجل الذي دمر عتادنا وقتل رجالنا وجعلهم يتساقطون كالذباب.”
من عربته، قفز كلا من ساربيون وباتروكلوس. رمى باتروكلوس أولا رمحه صوب ساربيون. أخطأه ولكن الرمح قتل قائد عربته. حينئذ، رمى ساربيدون رمحه فأخطأ باتروكلوس ليقتل فرس أخيل بيداسوس. صرخ بيداسوس صرخة عظيمة وسقط على الأرض وهو يركل بأرجله حتى لفظ أنفاسه الأخيرة.
رمى ساربيدون الرمح مرة أخرى، فمر من فوق كتف باتروكلوس اليسرى ولم يصبه. لكن باتروكلوس لم يخطئ هذه المرة. رمى رمحه ليخترق قلب ساربيدون. فسقط جثة هامده كأنه جذع شجرة أسقطها الحطاب ببلطته. لفظ أنفاسه الأخيرة وهو يقبض بيديه على التراب المضرج بدماء القتلى.
مقاتل بعد مقاتل كانوا يسقطون أمام باتروكلوس. تسع رجال من أفضل المحاربين الطرواد، تم قتلهم بواسطة باتروكلوس. بعد ذلك، حاول باتروكلوس تسلق أسوار طروادة.
ثلاث مرات حاول باتروكلوس تسلق الأسوار، وفي كل مرة كان الإله أبوللو يدفعه للخلف. في المرة الرابعة، صرخ فيه أبوللو بغضب، وحذره من المحاولة. في هذه اللحظة، اندفع هيكتور صوب باتروكلوس بعربته الحربية.
قفز باتروكلوس من عربته واتجه صوب عربة هيكتور، وأخذ يقذفها بالحجارة. أصابت إحداها عين سائق عربة هيكتور فأردته قتيلا. قفز هيكتور هو أيضا من عربته لكي يواجه باتروكلوس راجلا. أسرع باتروكلوس وصعد إلى عربة هيكتور لكي ينزع أسلحة السائق القتيل. لكن هيكتور أمسك برأس القتيل وجذبه بعيدا عن باتروكلوس.
حدث هذا بينما كانت السماء تمطر بالحراب والرماح. لقد ثار غبار المعركة وعلا صوت صليل السيوف وارتفعت الضوضاء كأنها آتية من أشجار تسقطها العاصفة في الغابة. عندما مالت الشمس نحو المغيب، كان النصر قد تحقق للإغريق.
ثلاث هجمات قام بها باتروكلوس نحو تجمعات الطرواديين. في كل هجمة، كان يقتل تسعة مقاتلين. في الهجمة الرابعة، واجه الإله أبوللو بنفسه. لم يكن باتروكلوس يعرف أنه يواجه أبولو في المعركة.
من الخلف، جاءته ضرب مميته أصابت كتفيه، أسقطت خوذة أخيل من على رأسه. وقعت على الأرض وتدحرجت تحت حوافر الخيل. من الأمام، جاءه رمح هيكتور، يخترق صدره لكي يسقط صريعا في حومة الوغى.
هنا صرخ هيكتور بنشوة النصر قائلا: “أنت الذي تفتخر وتقول بأنك ستقوم بتدمير مدينتي، هنا تموت وستنهش النسور جثتك”.
مع أنفاسه الأخيرة، جاءت نبوءة باتروكلوس إلى هيكتور:
“لست أنت الذي تسبب في موتي يا هيكتور. إنني استطيع التغلب على عشرين مثلك. لكن الآلهة هي التي قتلتني. ومع هذا، فأنا أخبرك بأنك لن تعش طويلا. الموت قريب منك يا هيكتور. ستذوقه على يد أخيل”.
لقد قتل باتروكلوس بينما الأخبار المحزنة تصل على جناح السرعة إلى أخيل، لكي تخبره بأن أعز أصدقائه قد قتل في الحرب.
__________
*ميدل إيست أونلاين