مارغريت آتوود تفوز بجائزة ‘هارولد بنتر’




*تحسين الخطيب


ليست الشاعرة والروائية الكنديّة مارغريت آتوود مجرّد شاعرة وروائيّة ذائعة الصيت، تكتب ضمن طائفة واسعة من الأنواع الأدبية فحسب، بل هي أيضًا ناقدة وناشطة سياسية ومدافعة عنيدة عن حقوق الإنسان، خاصة حقوق المرأة في عالم تسوده الذكورة.

وهذه الخصائص بالذّات هي التي دفعت لجنة تحكيم الجائزة إلى وصفها “بالمثقفة العمومية المثاليّة”. فيما قالت مورين فريلي، رئيسة رابطة القلم البريطانية “إنّ آتوود استثناء ساطع في صنعة الكتابة التي يسيطر عليها محترفون ينزعون إلى الاعتناء بحدائقهم الخاصة. فهي لا تدافع عن مبادئها فحسب، بل تضعها أيضًا على المحكّ، في رواية بعد أخرى.. إنها ملهمة بالنسبة إلينا جميعًا”.
وتعقيبًا منها على الفوز، قالت آتوود “إنني في غاية التواضع. لقد عرفت هارولد بنتر وعملت معه -لقد كتب السيناريو للنسخة التلفزيونية من رواية حكاية الخادمة، في العام 1989-وكان إحساسه المتوقّد بالجور المتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان واضطهاد الفنانين مثيرًا للمشاعر حتى في ذلك الوقت. إنّ أيّ فائز بمثل هذه الجائزة هو بديل للآلاف من البشر حول العالم ممن يتكلمون ضد هذه الانتهاكات ويعملون على مكافحتها”.
ستستلم آتوود الجائزة في الحفل الذي سوف يقام بالمكتبة البريطانية في الثالث عشر من شهر أكتوبر القادم، حيث سوف تقوم أيضًا باختيار كاتب عالميّ يتصف بالشجاعة الأدبية والنقدية، يقاسمها الجائزة، وذلك من قائمة قصيرة أعدتها رابطة القلم البريطانية. وكان الشاعر البريطاني جيمس فينتون قد اختار الكاتب السعودي رائف بدوي، مؤسس موقع “الليبراليون السعوديّون” -والذي حكم عليه بالسجن عشر سنين، والجلد ألف جلدة، في العام 2014، بتهمة الإساءة للدين الإسلامي- ليقاسمه الجائزة في العام 2015.
كالدهر تأتي عليّ (قصائد مختارة للشاعرة)
■ يد
يستلقي جسدك على الأرض، معك أو بدونك. عيناك مغمضتان. ولا جدوى من قول إنّك جسدك -مع أن ذلك صحيح أيضًا- لأنك لست في اللحظة أنت؛ لست سوى قبضة تشتد في مكان على قفا عنقك. إنها هذي القبضة التي تصدّك مضمومةً وتدفعك إلى الأمام بلكمات ألم قصيرة، إنها هذي القبضة التي تقودك عبر الزمن، على طول تلك الممرات التي لا نوافذ فيها، الممرات التي نعرفها جيدًا، حيث الضوء الأبيض المصفرّ يرشف الدم من ظاهر وجهك وقدماك في نعليهما الضيّقين تخبطان الإسمنت، خبطة ثم أخرى، بدقة متناغمة. لا بُدّ أن أفتح هذه القبضة: أن أجعلك تدخل.
أبدأ بقفا العنق، خفيفةً، شاعرة كأن عقدة العضل المتورطة، في قبضتها الخاصة، أحجية. بداية خاطئة، فالضغط هنا في غاية الشدّة سوف يكدمك. أمضي إلى القدمين وأبدأ ثانية.
لا بُدّ أن تتعلّم القدمان الرؤيةَ في العتمة، لأنّ العتمة حيث تمشيان. بهدوء تتعلّم القدمان؛ إنهما أكثر حكمة من العينين، ومن الصعب خداعهما، ثقيلتان كالحجارة وفادحتان، لا يشتهيان شيئًا لنفسيهما، فآنَ تنظران تتذكّران. أحرّك إبهاميّ بين الأوتار، ضاغطة على الأخمصين الأبيضين الأخرسين للقدمين الحبيستين.
هذا جسدك أرفعه بين يديّ كلتيهما، عيناه مغمضتان. صار جسدك الآن يدًا تنفتح، جسدك يد رجل أعمى يلتمس طريقه في عتمة قد تكون ضياءً في الواقع؛ بصرف النظر عمّا تعرف أنت. وخلف عينيك المغمضتين فتائل شجرة تنحلّ، وتأخذ شكلها، حمراء وقرمزية، زرقاء، ووهجًا بطيء. هذا ليس سيناريو عاشقين. إنّها رحلة الجسد، خطاه المتردّدة آنَ يعود أدراجه إلى لحمه. أغلق عينيّ حتى أستطيع أن أرى أفضل حيث نمضي. تتحرك يداي أمامًا بالمعرفة والحدس؛ تدفعك يداي إلى الأمام. عيناك مغمضتان ولكنّ العين الثالثة، عين الجسد، تنفتح. إنها تعوم أمام ناظريك كطوق من نار زرقاء. وإنّك لترى الآن فيها ومن خلالها.
■ في الشوارع، يا حبيبي
الحُبّ
في الشوارع
في هذه الأيام
مسألة مهمة
للزبّالين
(الذين يجعلون الموت حياة) أو
للمفترسين
(الذين يجعلون الحياة موتًا)
سيّدة لوحة الإعلان
بأسنانها المطلية بمينا بيضاء
ومخالبها
المطلية بمينا حمراء، تطارد
الرجال حين يمرون بها
ولا يعنّ على بالها بأنهم الذين نفخوا فيها
الحياة، أو بأنّ جسدها مصنوع من الكرتون، أو بأنّ
في عروقها يسري دم
شهوتهم الناشف.
أُنظر، الرجل الأشيب
صاحب الخطوات الناعمة
كقطن الملابس الداخلية،
ينساب من مُلصقه
والنساء الضاريات-حين يرونه
في غاية الأناقة،
الأطراف واضحة كورق مقصوص
والعينان صافيتان
وثاقبتان
كنقشين بارزين-
يرغبنَ في امتلاكه
… هل أنت ميّت؟ هل أنت ميّت؟
يقلن، آملات…
ماذا نفعل في الشوارع،
يا حبيبي، في هذه الأيام
أنّى لي
أن أعرف بأنّكَ
وأنّى لكَ
أن تعرف بأنّي، بأنّنا
لسنا بعضًا من أولئك
الناس، مزقًا مُلصقة ببعضها
تنتظر الفرصة
كي تخرج إلى الحياة.
ذات يوم
سوف ألمس لحم
جيدكَ الحامي، وأسمع
طقطقة أوراق خافتة
أو أنّكَ -من يفكر
في أنّكَ تستطيع أن تقرأ عقلي
بالمقلوب- سوف تذوق
الحبر الأسود للساني، وتجد
الختم الناعم مسطورًا
تحت جلدي تمامًا.
■ ارتباكات خارج الباب
ماذا تريد منّي
أنت يا من تسير نحوي على الأرض الطويلة
ذراعاك ممدودتان، وقلبك
ساطع بين أضلاعك
حول رأسك تاج
من دم يلمع
هذه قلعتك، وهذا بابك المعدنيّ،
وهذه سلالمك،
وعظامك، ها أنت تفتل كلّ الأبعاد
الممكنة لتصير بعدك.
***
مستلقية هنا، كل شيء في داخلي
يتقصّف ويدفعك بعيدًا
ليس هذا شيئًا
أشتهيه، أقول لكَ
صامتة، منكرةً
حقيقة أين أنا،
عاليًا أبعد،
السماء مدهشة
وكحليّة، كل نفَس
هبة في الهواء المنحدر
يا للقسوة حتى جلاميد الصخر
تعرف قساوة أن نكبر هنا
ولا أعرف كيف أقبل
حريّتك، لا أعرف
ماذا أفعل بهذا
الهاوية، هذا الفرح
ماذا ترى، أسأل/صوتي
مصّه الحجر والفضاء
الخارجيّ/أنت نائم، وترى
ما هناك. قربك
أنحني وأفوت.
***
أنظر، ها أنت تقف
في الطرف الآخر من النافذة
الآن يلمع
جسدك في الغرفة
المعتمة/تنهض فوقي
ناعمًا، باردًا، وأبيض
كالحجر/لك رائحة الأنفاق
ولك رائحة الوقت الكثير
كان ينبغي عليَّ أن أستخدم أوراق الأشجار
والفضة كي أصدّك
ولكنّني تجمّعت
لستَ عصفورًا فأنت لا تطير
ولستَ حيوانًا فأنت لا تعدو
ولستَ رجلًا
فمك عدم
حيث يلمسني أتبدّد
مثل الدّهر عليَّ تهبط
كالأرض تهوي عليّ.
■ هو آخر من شوهد
تمشي نحوي
حاملًا موتًا جديدًا
الموتَ الذي هو لي وليس لأحد غيري.
وجهكَ فضّة
منبسط ومقشور مثل سمكة
الموت الذي تحضره إليّ
أحدب، له شكل
مقابض أبواب، وأقمار
وثقّالات أوراق زجاجيّة
في داخله، ثلج وندف
ماحقة من ذهب
تسقط إلى الأبد
فوق منظر مزخرف،
رجل وامرأة يشبكان يديهما ويركضان.
***
لا أستطيع أن أفعل شيئًا يجعلك
تتمهّل، لا شيء سوف يجعلك تصل أبكر
أنت جادّ، وحامل هدايا،
تضع قدمًا
أمام أخرى
طيلة الأسابيع والأشهر، عبر
الصخور، وخارج الحفر وليالي
البحر العميقة التي بلا نجوم
صوب أرض صلبة وآمنة.
____
*العرب

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *