مو يان: تأثرت بماركيز لكن تأثري بالأدب الصيني الكلاسيكي كان أقوى


*محمد الحمامصي


“الصبي سارق الفجل” هي أول رواية قصيرة تصدر لأديب نوبل 2012 الصيني مو يان، والتي ترجمها د. حسانين فهمي حسين، وقدم لها د. محسن فرجاني، وصدرت عن سلسلة الجوائز عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وهي الرواية التي دفعت بصاحب “الذرة الرفيعة الحمراء” إلى الساحة الأدبية الصينية عام 1985، وذلك وفقا للمؤلف الذي قال في حواره مع المترجم إن الرواية تشير إلى بعض الجوانب في حياتي الشخصية “حيث كنت عملت في طفولتي عاملا أجيرا في مسقط رأسي بريف شاندونغ، وحدث معي الكثير من الأحداث التي سجلتها القصة حول البطل، وهكذا فقد أشارت القصة إلى الحلم الذي حلمه البطل، ويعتقد الكثير من النقاد والقراء أن هذه القصة هي أفضل أعمالي على الإطلاق حيث كنت قد كتبتها آنذاك قبل الإلمام بالنظريات الأدبية والكثير مما يتعلق بأساليب الإبداع الأدبي، فهي تتمتع ببراءة الطفولة والصدق في تصوير العالم المحيط بالكاتب”.
أما شهادة الكاتب الصيني شيشاو صديق مويان عن فكرة كتابة هذه الرواية، فجاء فيها “لم تبدأ فكرة الكتابة من قضية بل من انطباع، فقد خرج إلى المطعم ذات صباح وهو يفكر في كتابتها وسمعته يقول لي: “أريد أن أكتب رواية عن الفجل، فسألته: أي فجل؟ أجابني قائلا: الفجل الذهبي، ثم حكى لي ما رآه في نومه بخصوص هذه الرواية، ومنذ تلك الساعة بدأت خطة الكتابة لديه تتضح معالمها. لم تكن طريقته في كتابتها تجري على النمط المعتاد في استلهام فكرة الكتابة، فقد لاحظت أن انطباعا ما تولد في ذهنه فلمس منه بداية خيط وجس في خاطره شيء ما، فاختمرت الفكرة تبعا لطريقته في تلقي الأحاسيس، ولو سألتني إلام ترمز هذه الرواية لقلت لك إن مويان نفسه لن يمكنه أن يفسر لك رموزها الغامضة”.
هذه الرواية وفقا للدكتور محسن فرجاني في تقدمته لها تتجلى فيها التراكيب الفنية التي امتثلت كثيرا لخصائص الصورة الفنية في التراث الروائي الصيني القديم، بالطريقة التي تميزت بها كتابات مويان في فترة ما من حياته، حيث راح يدمج في نصوصه صور شخصيات لا تمت إلى كتابة الواقع بصلة، فها هي ذي الشخصية الرئيسية في الرواية ذلك الولد الأسمر ابن العاشرة الذي يبدو وكأنه صورة منقولة من قصص رسوم الأطفال، يتطلع إلى الشمس فيجد أشعتها قد تلونت بالزرقة، وينصت ملء أذنيه فيسمع صوت ارتطام شعرة سقطت من رأسه على الأرض، ويمسك بيده الحديد وهو ملتهب وينظر في الظلمة الحالكة فيتجلى لعينيه منظر الفجل الشفاف، حتى تخاله عفريتا من الجن، ومع ذلك فالفتى ضحية ظروف معقدة أورثته إحباطا وشقاء وعسرا، لا مزيد عليه، إذ فقد أمه وهو غض الإهاب، فيتخلى عنه أبوه ويتخذ لنفسه زوجة أخرى فيعاني القهر على يد امرأة الأب، ويلوذ بالوحدة منذ فجر صباه، ويعيش حياة يكتنفها الغموض فهو يتحمل آلاما لا يطيقها إنسان ومع ذلك لا يتكلم مطلقا ويبقى صامتا طوال الوقت، ثم إنه يظل عاري الجسد وقت البرد، وإذ يلف الصقيع كل شيء ويتدثر الحداد بالأردية الثقيلة نجد الصبي يتعامل مع الدنيا من حوله بلا مبالاة في شيء من التمرد السلبي، فيمسك الحديد وهو ملتهب ويندهش لفعلته الحداد نفسه، ونشعر أن الولد يستمد من أفعاله تلك شعورا بالانتصار والرضا، لكنه يشعر في قرارة نفسه بالنقص، إلا أن هذا الشعور ينقلب إلى فخر وزهو بلا حدود.
يجعل ذلك من الفتى قادرا على مواجهة السخرية بكل برود واستخفاف، ويمنحه الإباء في وجه محاولات التعاطف معه، حتى في وجه فتاته التي تتخذ منه هذا الموقف، فحبه وكراهيته كلاهما متطرفان من أثر شراسته الدفينة، ويظل متجولا طوال الوقت في الطرقات وهو حافي القدمين لا يستره بنطال بخطوط خضراء، وعندما يقبض على مطارق الحديد وهي محماة تتوهج باللهب، يمد قبضته فيمسك بها حتى يئز جلده وتنطبع آثار الحريق في يده دون أن يرتاع أو يشكو ألما بل يملؤه شعور خفي بالبهجة لما أصاب يده من احتراق، ويخرج في الليل فيتراءى له الفجل شفافا كالبللور وتظهر ذؤاباته كأنها ذيول ذهبية اللون، فيهيم على وجهه حتى يدخل حقل الفجل من الغيط ويقطف منه حزمة وراء أخرى ويرفعها جميعا أمام عينيه متطلعا إليها تحت نور الشمس ويظل هكذا حتى يقتطع الفجل من الغيط كله.
أرفق المترجم د. حسانين فهمي حواره مع المؤلف مويان مع مقدمة الترجمة، وفي الحوار يؤكد مويان على أن “الأدب الصيني الحديث والمعاصر يتميز بمحافظته على التواصل بين الأجيال المتلاحقة حيث لإبداعات الكتاب الصينيين الممثلين للأدب الصيني الحديث ـ قيبل تأسيس جمهورية الصين الشعبية وعلى رأسهم لوشيون ـ تأثير واضح على إبداعات عدد من الكتاب المعاصرين الذين أنتمي إليهم، فقد استطاع لوشيون أن يفتح الطريق أمامنا للكتابة في مجال الواقعية النقدية ووضع أمامنا عددا من الموضوعات الأدبية المهمة التي استطعنا أن نكتب فيها. وخاصة فيما يتعلق بالإنسان البسط ومشكلاته الحياتية، إلا أنني أعتقد أننا لم نبذل الجهد المناسب في هذا المجال، وقد استطعنا في الوقت ذاته أن نحقق نجاحا كبيرا في جوانب أخرى، وهذا ليس من باب الغرور، وإنما تعبير عن التطور الذي شهدته الصين والإبداع الصيني”.
ويلفت مويان في حواره مع د. حسانين إلى أن أعماله تتميز بالمزج بين الواقعي والخيالي والغوص في عالم الأحلام وليس العالم السحري بالمعنى الدقيق للكلمة. ويعترف بأن تيار الواقعية السحرية ورائده جابرييل جارثيا ماركيز كان له تأثير واضح على إبداعاته القصصية في فترة الثمانينيات، وأن أسلوب ماركيز كان له تأثير كبير على أسلوبي في تلك الفترة حيث كنت أسير على خطى الواقعية التقليدية الصينية.
ويضيف “أما عن المزج بين ما هو واقعي وخيالي أو أسطوري في أعمالي فيجب أن نشير في ذلك إلى نشأتي في هذه المنطقة من الصين، هذه المنطقة الغنية بالتراث الشعبي والأساطير الثرية، وتأثيري بأعمال كتاب صينيين ينتمون إلى هذه المنطقة مثل الكاتب الصيني بوسونغ لينغ الذي عاش غرب هذه المدينة قبل حوالي مائتي عام مضت، هذا بالإضافة إلى تأثري بأمهات الأدب الصيني الكلاسيكي، مثل “حلم المقصورة الحمراء” للكاتب تساو شويه تشين وغيرها من الأعمال الكلاسيكية، وفي هذا الصدد أفضل أن يذكر أن تأثري بالكاتب الصيني بوسونغ لينغ ابن شاندونغ ـ بالمزج بين الواقعي والأسطوري ـ يفوق تأثيري بجارثيا ماركيز”.
____
*ميدل إيست أونلاين

شاهد أيضاً

جاسم خلف إلياس: التّـنظير الذي يَخلو من التّطبيق ناقصٌ، ولا يُمثل الكلية النّقدية

(ثقافات) جاسم خلف إلياس:  التّـنظير الذي يَخلو من التّطبيق ناقصٌ، ولا يُمثل الكلية النّقدية حاوره: …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *