فضيحة الاحتفاء المصري بالأدب الصيني


*صبحي موسى


يبدو أن عام الثقافة المصرية – الصينية تم اختزاله في أعمال عميد الأدب الصيني لو شون، أو بالأحرى في قصته الأولى «يوميات مجنون»، التي نشرتها الهيئة المصرية العامة للكتاب في «سلسلة الجوائز»، تحت هذا العنوان، إضافة إلى 17 قصة أخرى، فضلاً عن مقدمة لأحمد السعيد التي أكد فيها أنه ليس مترجم هذه المختارات لكنه عمل فقط على جمعها ومراجعتها، ومقدمة أخرى لعضو الجمعية الدولية لدراسات لو شون، حسانين فهمي حسين. في حين صدرت المختارات نفسها، في الوقت عينه تقريباً، بعنوان «مذكرات مجنون» عن سلسلة «آفاق عالمية» في الهيئة العامة لقصور الثقافة بترجمة ميرا أحمد، وتقديم محسن فرجاني الذي وضع مقدمة بلغت 58 صفحة من أصل الكتاب البالغ 270 صفحة.
كأنّ القارئ يشهد حالياً احتفاء جديداً بمختارات قديمة أصدرتها الصين في ستينات القرن العشرين في إطار التعريف بآدابها وفنونها، بحيث قال أحمد السعيد أنه أثناء زيارته عام 2015 الى دار نشر اللغات الأجنبية الصينية في بكين تحدّث مع رئيس الدار عن الترجمات الصينية إلى اللغة العربية، والذي عرض عليه مجموعة من الأعمال التي قام الصينيون بترجمتها إلى العربية، ومن بينها كتاب حمل اسم لو شون. فتصفح الكتاب الذي تهرأت أوراقه واتخذت اللون الأصفر، وفق وصف السعيد، سائلاً: «هل يمكن أن تهديني هذا الكتاب؟»، فردّ رئيس الدار بكل أسى أنه ليس لديه سوى هذه النسخة، لكن يمكنه أن يصورها له.
اللافت أن حسنين فهمي حسين، ذكر في مقدمته التي تلت مقدمة السعيد، أن دار اللغات الأجنبية في بكين أصدرت هذه الترجمة في العام 1964 بعنوان «مختارات من القصص القصيرة لـ لوشون، وصدرت الطبعة الثانية عام 1974، والثالثة عام 1984، واشتملت على ثمانية عشر قصة هي (يوميات مجنون، الحنين للماضي، الدواء، قصة آ كيو الحقيقية، كونغ إي جي، حادثة بسيطة، مسقط الرأس، التهاني بالعام الجديد، العائلة السعيدة، الطلاق، الصابونة، مسرحية اجتماعية، السيف، العاصفة، في الحانة، رحلة إلى القمر، الوحيد) وأن هذه المختارات لاقت صدى واسعاً في العالم العربي، وأن الكثيرين أبدوا إعجابهم بأسلوب لو شون وعالمه من خلالها. ووفق حسين، فقد أكد عبد الغفار مكاوي، الذي ترجم عن الألمانية مختارات من إنتاج لو شون في سلسلة «الألف كتاب» القاهرية، أنه تأثر بقصصه «يوميات مجنون، الدواء، قصة آ كيو» وغيرها. ووفق حسين أيضاً، أرسلت عميدة القصة السورية أُلفَت الأدلبي رسالة إلى دار النشر للغات الأجنبية في بكين في السبعينات قالت فيها إن مختارات لو شون تركت لديها انطباعاً جيداً لمهارة الكاتب ونجاحه في تصوير جوانب مختلفة في حياة الشعب الصيني. ونُشرت هذه الرسالة في مجلة «دراسات لو شون الشهرية» في آذار (مارس) عام 2008، وهي واحدة من أهم وأشهر المجلات الأدبية التي تصدر في الصين.
وفي سياق آخر، حملت نسخة قصور الثقافة عنوان «مذكرات مجنون»، بدلاً من «يوميات مجنون»، علماً أنّ ثمة تغييرات كثيرة على هذا النحو في كثير من العناوين، مثلما نقع أحياناً على تغييرٍ في الصياغات. فتبدو مترجمة نسخة قصور الثقافة كأنها تحاول التأكيد أنها لم ترَ الترجمة القديمة ولم تُصادفها يوماً. فقصة «مذكرات مجنون»؛ تبدأ لديها بـ «شقيقان، آثرت أن احتفظ باسميهما سراً، كانت قد جمعتني بهما صداقة قوية منذ التحاقي بالمدرسة الثانوية، ثم انقطعت أخبارهما عني، بعد أن فعلت بنا السنوات فعلتها وفرَّقتنا». في حين كانت الصياغة في نسخة هيئة الكتاب، وهي النسخة التي صدرت في ستينات القرن الماضي؛ «كان لي صديقان مقربان في المدرسة الثانوية، ولسنا في حاجة إلى تسميتهما هنا، ولكن الصلة بيننا انقطعت بالتدريج بعد فراق دام أعواماً كثيرة». المدهش أكثر؛ هو الاختلاف في بنية النص نفسه، فالجزء الأول من القصة حمل في نسخة هيئة الكتاب عنوان «عن هذه اليوميات»، وانتهى بوضع تاريخ (2 نيسان – أبريل)، في حين جاء في نسخة قصور الثقافة بلا عنوان، وانتهى بجملة (دُونَّت المذكرات في 2/4/1918). وانتهى الجزء الأخير من القصة في نسخة هيئة الكتاب بوضع تاريخ (نيسان 1918) بينما لم تحمل نهاية القصة أي تاريخ في ترجمة ميرا أحمد، إذ اكتفت بنقلها التاريخ من نهاية القصة إلى جزئها الأول.
استهلكت التغييرات الواضحة في الصياغة وبعض معالم القصص، جهداً واضحاً من ميرا أحمد التي اكتفت في مختاراتها بتسع قصص هي «مذكرات مجنون، الدواء، أوبرا الريف، كونغ إيي جي، الغد، البيت القديم، القصة الحقيقية لـ آ كيو، رجل لا يشبه أحداً» (في نسخة هيئة الكتاب جاء العنوان «كاره البشر»)، حادث صغير (حملت نسخة هيئة الكتاب عنوان حادثة). وفي الوقت الذي كتب اسم المؤلف «لوشون» من دون فصل بين مقطعيه، فقد حملت نسخة قصور الثقافة فصلاً واضحاً بينهما. وذكر محسن فرجاني أنهما مقطعان متناقضان، الأول يدل على الهدوء والثاني يدل على القلق، وأنه على النقيض من كل مجايليه الشبان الذين اختاروا لأنفسهم ألقاباً ذكورية مستعارة اختار لنفسه لقباً نسائياً.
يعد لو شون (1886 – 1936) عميد الأدب الصيني، ومؤسس نهضته الحديثة، وترك العديد من الآثار الأدبية المهمة التي جعلته في مصاف رواد الأدب في النصف الأول من القرن العشرين، يحظى باهتمام خاص في الصين. وقد قيل إنه رفض أن ترشح أعماله إلى جائزة نوبل، وهناك دورية شهرية متخصصة لنشر الدراسات الأدبية الخاصة بأعماله، وهو ما يجعله اسماً يستحق أن تنقل كل آثاره إلى اللغة العربية، بخاصة أننا في عام الثقافة الصينية، لكن أن نجد أنفسنا أمام ادعاءات غير مفهومة، بداية من فكرة «الجمع والمراجعة» في نسخة هيئة الكتاب، وصولاً إلى فكرة الترجمة الضعيفة، إن لم تكن الإفساد الواضح للترجمة الأصلية، كما جاء في نسخة قصور الثقافة. لنجد أن عام الثقافة المصري الصيني هو عام النصب على القارئ، وأن مؤسساتنا لا تفعل سوى إعادة إنتاج ما تمَّ إنتاجه، وأن هذا المنتج لا دخل لنا به، لأن الصين نفسها هي التي قامت به في إطار الترويج لأدبها، فهل عجزت وزارة الثقافة المصرية عن وضع خطة للترجمة بين مصر والصين، وتركت الأمر لجهود فردية مشكوك في مشروعيتها، أم أنهم أدمنوا إطلاق بالونات ملونة في الهواء، كلما استدعى الأمر خداع المثقف بالحديث عن زواج زائف بين الثقافة المصرية وغيرها من الثقافات.
________
*الحياة

شاهد أيضاً

أبورياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع لإنارة الطريق

الأديب موسى أبو رياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *