الكلمات وأسرارها المثيرة!


*رشيد فيلالي


تعتبر الكلمات لباسا للمعاني ورغم أن هذا اللباس قد يظلّ كما هو أحيانا من غير تغيير، إلا أن المعنى قد يتبدل ويصبح له بعد آخر مثير ومتناقض وحتى مربك جدًا.
ومن هنا قد يتعجّب المرء حين يعلم أن الكلمات التي يتم تداولها اليوم مرّت على الكثير منها تغييرات وتقلّبات حوّلتها من معنى إلى معنى آخر، بعيد عنه كل البعد، ويبدو في أحايين كثيرة متنافرًا وغريبا وحتى طريفا جدًا.
والأمثلة كثيرة على ذلك، ولا بأس أن نسرد بعضها ضمن هذه الوقفة للتّدليل على فحوى ما نريد قوله، مثلاً كلمة «السُّفرة» التي تعني الآن مائدة الطعام، كانت تعني في الأصل الطعام الذي يتناوله المسافر أثناء سفره، قبل أن تتطوّر دلاليا وتطلق على الخوان أو المائدة، وكلمة «المناخ» بضم الميم (وفتحها أيضا) كانت تعني المكان الذي تبرك أو تُنيخ فيه الإبل وقد تطوّرت الكلمة لتعني في الوقت الراهن علم الظواهر الجوية!
وقد نعجب بأن كلمة «نجمة» بتاء التأنيث لا وجود لها بهذا الاستعمال في القواميس العربية القديمة، التي تستعمل كلمة النّجم فقط، وهي على هذا الأساس تعتبر كلمة محدثة، وتم إقرارها من طرف المجامع اللغوية العربية، والكلمة بعد تأنيثها أخذت مسارًا أكد حضورها في الاستعمال اليومي ورسخها بقوة.
وهناك أيضا كلمة «كافر»، التي كانت قبل الإسلام تطلق على الفلاح والمزارع، وتعني الذي يستر البذور داخل الأرض، قبل أن تتغير دلالتها لتعني العاصي لله أو الناكر لوجوده.
وهناك كلمات أخرى كثيرة انفتحت مجازيا على دلالات لا تخطر على بال من يجهلها، مثلا كلمة «استضاف» على وزن استفعل، هي في الأصل تعني طلب الضيافة، غير أن الاستعمال ونفوذه الطاغي حولها إلى النقيض من ذلك، فصارت تعني استقبال الضيف والاحتفاء به، وكلمة «نير» بكسر النون، هذه الكلمة في العادة نستعملها مقرونة بكلمة الاستعمار، فنقول تحت نير الاستعمار، أي تحت سيطرته وسطوته وطغيانه، هي في الأصل تعني الخشبة التي توضع فوق رقبة الثور المستخدم في حرث الأرض، وهي صورة بلاغية معبّرة فعلا.
ثمة أيضا كلمات تتضمن أكثر من دلالة واحدة، ولنأخذ مثلا كلمة «نجوى»، فهي لدى الشّعراء لها معنى البوح بأسرار الحبّ ولواعج الفؤاد الولهان، لكن الكلمة نفسها تعني ما يشبه «صكوك الغفران» لدى الفاطميين، ولنتصوّر أنه في العصر الفاطمي بمصر كان الخليفة يفرض على الرعية منح 3 دراهم للخزينة بقصد نيل رقعة قماش مذيلة بإمضاء الخليفة مكتوب عليها «بارك الله فيك وفي مالك وولدك ودينك»، فيأخذ المانح للدنانير ذلك ويفخر به أمام بقية الرعية على أساس أنه مؤمن قانت ومطبق لتعاليم الدين وأنه موعود بالجنة والغفران على ما قدّمه من عطاء لبيت المال.. فتأمل.
_______
*نفحة

شاهد أيضاً

جاسم خلف إلياس: التّـنظير الذي يَخلو من التّطبيق ناقصٌ، ولا يُمثل الكلية النّقدية

(ثقافات) جاسم خلف إلياس:  التّـنظير الذي يَخلو من التّطبيق ناقصٌ، ولا يُمثل الكلية النّقدية حاوره: …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *