*إيمان الخطاف
كثير من القصائد تحوّلت إلى أعمال غنائية خلدتها، وأسهمت في انتشارها، لكن هل الأمر ذاته ينطبق على الأعمال الروائية التي تحوّلت إلى دراما تلفزيونية؟
والشاهد هذا العام هو تصوير رواية «ساق البامبو» لسعود السنعوسي، بالنظر لكونها فازت بالجائزة العالمية للرواية العربية «بوكر» في دورتها السادسة لعام 2013، مما أعطى المسلسل التلفزيوني زخما كبيرا، عكس فضول قراء الرواية برؤية العمل على الشاشة الصغيرة، وهو ما أفرز اختلافا في الآراء ما بين مؤيد لهذه الخطوة وآخر ممتعض من اختيارها.
وإذا ما علمنا أن قليلا من الروايات حقق النجاح ورقيا وتلفزيونيا فهل الجمع بين النجاحين أمر صعب؟ تعلق على ذلك رحاب أبو زيد، كاتبة وروائية سعودية، بالقول: «كي أجيبك عن السؤال لا بد أن أبدأ من الاعتراف بأن المسألة تعتمد على من جاء أولا، للأسبقية عند المتلقي عامل مؤثر في الميل إلى طريقته المفضلة في الولوج إلى عالم الرواية».
وتطرح أبو زيد نماذج تعزز كلامها قائلة: «يدعي البعض أن مسلسل (ذاكرة الجسد) مثلا لم يلق نجاحا جماهيريا، على النقيض من النجاح الساحق للرواية وما تلاها من أجزاء، وأذكر في المقابل مسلسل (رأفت الهجان) لم يضاهه في المرتبة التي وصل إليها مسلسل آخر عن الجاسوسية حتى الآن، وحينذاك كان القليل منا فقط سمع بصالح مرسي كاتب العمل».
وتتابع أبو زيد حديثها قائلة: «كذلك (شقة الحرية) لغازي القصيبي تفاوتت المتعة بين قوتها بوصفها عملا فنيا مشاهدا، وآخر إبداعي مقروء.. جميع هذه الأمثلة قد تشير إلى أن الكفتين متساويتان في احتمال النجاح والفشل للمسلسل المتحول عن رواية، وهذا في رأيي مؤشر خطر، ويجب أن يحاط بكثير من الحذر، لأن الروائي ليس بحاجة إلى تدمير البناء الفني لعمله بعدما أعلن نجاحه بوصفه رواية احتلت منصات القراءة الأمامية. فلسفة القراءة من أجل القراءة في ذاتها والمتعة فيها والتحليق بعوالمها أصبحت فلسفة غائبة، وهي في داخلها فعل مبهج خلاق ملهم، وفي حال تحويله إلى عمل مرئي فهذا انتقال بالعمل إلى مستوى آخر من اللغة والأدوات والمؤثرات وبالتالي مستوى آخر من المتعة.. لا أدين ولا أنتقد الأعمال التلفزيونية المستوحاة من أعمال روائية، لكنني فقط أتجنبها وأتعامل معها بحذر، خصوصا إذا كانت قراءة الرواية قد سبقت عندي مشاهدة العمل».
أما الروائية السعودية سارة العليوي، التي حوّلت إحدى رواياتها إلى مسلسل خليجي، فترى أن تجسيد الروايات في أعمال تلفزيونية من شأنه الحد من مساحة الحرية في النص المكتوب، قائلة: «الكاتب لو تجاوز كافة الحدود الرقابية في عمله الروائي، فليست هناك أي مشكلة، لكن الأمر يتحوّل إلى طامة كبرى حين تحويل هذا النص إلى مشهد مصوّر، تتدخل الرقابة فيه وتختلط رؤية المنتج والمخرج والممثلين أنفسهم».
وترى سارة العليوي أن «تحويل الروايات الأدبية إلى أعمال تلفزيونية ليس محفزا على الإطلاق لقراءة الرواية، فغالبا من يشاهد المسلسلات لا يقرأ، ومن يقرأ لا يشاهد المسلسلات.. معادلة صعبة.. المشكلة الحقيقية عندما يتم تسويق روايات ضعيفة وتصويرها في أعمال درامية، فكثيرا ما نرى روايات هشة قد خلدها العمل التلفزيوني».
وعلى الرغم من كون كثير من منتجي الأعمال الدرامية يحاولون الاتكاء على نجاح العمل الروائي، وانتقاء بعض الروايات التي حصدت نسب قراءة عالية، فإن ذلك لا يعني في كثير من الأحيان ملاءمة النص الروائي لأجواء التلفزيون، وهذه إشكالية أخرى تدفع للسؤال: لماذا يتم اختيار رواية دون أخرى؟ وهل هناك رواية تصلح للتمثيل التلفزيوني وثانية لا تصلح؟
والإشكالية الأكبر عندما يكون الروائي نفسه غير راضٍ عن الصورة التي ظهر عليها عمله بعد أن أصبح منتجا مصوّرا، فسارة العليوي مثلا تؤكد ندمها وعدم رضاها عن تجربتها في هذا السياق، وكثير من الروائيين يشاركونها الانطباع ذاته، فلا القراء تقبلوا الأمر ولا الروائي نفسه، مما يجعل الفائدة تصب في صالح الربح التجاري في معظم الأحيان، وهو ما قد يصيب العمل الروائي في مقتل.
إلا أن ذلك لا يعني إغفال الروايات العربية التي حققت نجاحا باهرا حين تحولت إلى أعمال تلفزيونية، مما أضاف إلى نجاح الرواية ذاتها، مثل ثلاثية نجيب محفوظ: «بين القصرين، وقصر الشوق، والسكرية»، و«رد قلبي» ليوسف السباعي، و«عمارة يعقوبيان» لعلاء الأسواني، و«نهاية رجل شجاع» لحنا مينه.. بينما الروايات الخليجية ما زالت تحاول طرق أبواب النجاح التلفزيوني.
_____
*الشرق الأوسط