الرواية والشعر


* أمير تاج السر

هناك سؤال مهم كثيرا ما يطرح في حوارات المهتمين بالشأن الكتابي، وهو الفرق بين لغة الرواية ولغة الشعر، وهل يمكن للرواية أن تنجح حقيقة، وتصل إلى قارئها من دون مشكلة، إذا ما استعارت الشعر في الكتابة؟

هناك عدد من الكتاب، منهم بهاء طاهر الذي حصل على جائزة بوكر العربية في دورتها الأولى، يرى أن الشعر شعر، والرواية رواية، ولا يمكن لأي منهما أن يكتب بلغة الآخر، بينما يرى آخرون، أن الأمر ممكن ما دام الاثنان ينتميان إلى قبيلة الإبداع، ومن ثم يمكننا العثور في المكتبة العربية على عدد من الروايات بنت حكيها على لغة الشعر من دون إخلال بقواعد الكتابة الروائية، وأيضا تلك التجارب الشعرية العظيمة التي تحررت من ثياب الشعر الضيقة وأخذت الكثير من لغة النثر.
الرأيان محل تقدير بلا شك، والرأيان يصفان طريقتين مختلفتين لكتابة الفن وتذوقه لدى عدد من الكتاب الآخرين، الذين قد يحملون نفس الأفكار وقد يناقضونها، ومنذ عرفنا كيف نكتب الرواية، وعشرات الروايات تكتب كل يوم وبطرق مختلفة.
أنا أميل إلى مسألة تداخل الأجناس الإبداعية أثناء الكتابة، أميل إلى كتابة رواية لا ترتدي الثوب التقليدي الذي ولدت به، وتناقلتها الأجيال الكتابية به، ولكن رواية تسعى إلى متذوق الحكي وتقتنصه، إلى متذوق الشعر وتقتنصه، وحتى إلى متذوق الرسم والتشكيل لتعبر إليه، ولا أعتقد أبدا أن ثمة خللا ما يحدث، لأن العمل الإبداعي في النهاية هو عمل نخبوي لا يطارد متذوقيه حتى بيوتهم، ويغرقهم فيه، بل يكتب ويطرح نفسه في مواقع معينة، ليبحث عنه من أراد، ولا أعتقد أبدا أن الرواية عجزت عن الاستمرارية بلونها القديم عند بعض الكتاب، فسعت إلى سرقة الشعر لتباهي به، وبغموضه، كما يروج البعض، ولكن الأمر مشروع ما دام النص الروائي لا يتعدى ذلك الحد الفاصل بين كونه نصا روائيا أو قصيدة شعرية.
سؤال آخر يطرح عادة، عن مغزى انتشار بعض الأعمال الروائية، مقارنة بعدم انتشار بعضها، والقارئ العربي، أو القارئ النخبوي يفترض أن يكون واحدا.
هنا نستطيع أن نقول إن انتشار بعض النصوص وإعادة طباعتها عدة مرات لا يعنيان جودتها على حساب أخرى لم تنفد طبعاتها الأولى منذ سنوات.. هنا يوجد الترويج المبرر وغير المبرر، العلاقات التي لدى أحدهم وليست لدى آخر، والشيء الهام جدا، هو مسألة السينما التي تختار نصا لا لتنتجه في تلك الشاشة الساحرة فقط، ولكن لتلفت إليه أنظار القراءة، وبالتالي تساهم في نشره.
الإبداع بلا شك مسألة شائكة جدا، مسألة ممتلئة بالشقاء، والوعورة، والإحباطات، لكل كاتب قلم يشقى، ولكل قارئ تذوق يختار ويترك.
_____________
* روائي وأديب سوداني (الشرق) .

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *