فيلم «فاطمة» للفرنسي فليب فوكون: حيوات المهمشين


*عبدالله الساورة


على العادة نفسها، سينما التهميش والاندماج يقدم لنا المخرج الفرنسي/المغربي فليب فوكون (من مواليد وجدة في المغرب 1958) طبقا سينمائيا متنوعا في فيلمه الجديد «فاطمة» على منوال أفلامه السابقة نفسه، التي تحمل أسماء أبطالها: «سابين» (1992)، «المهاجرون» (1997)، «سامية « (2000)، «فاطمة» ( 2015)، وأفلام تدخل في موضوع التهميش والمهاجرين والاندماج.
يدخل فيلم «فاطمة» بطولة ثورية زروال، زيتا هانروت، مهدي السنوسي، فرنك أندرو، يولاند مبيلي، نوع درما، المدة 79 دقيقة. في باب السينما الأوروبية الاجتماعية التي ترغب في تكثيف الدراما.
تعيش فاطمة وحيدة مع ابنتيها: سعاد مراهقة متمردة ذات 15 ربيعا، ونسرين في الـ18 من العمر، تخوض تجربة دراسة الطب. 
تعيش فاطمة، التي لا تعرف التكلم أو الكتابة بالفرنسية، حالة إحباط شديدة مع ابنتيها في شبه علاقة يومية وانفصال عن الزوج، تمثلان بالنسبة لها فخرا ودينامية وقلقا مستمرا. وتسعى جاهدة من أجل توفير مستقبل أفضل لهما، وفق إمكانياتها المتاحة. تشتغل الأم في تنظيف البيوت بنوبات غير اعتيادية، ذات يوم تسقط من أحد الأدراج وطيلة فترة غيابها عن العمل تبدأ في الكتابة باللغة الفرنسية والإجابة عن أسئلة ظلت تقلقها.
يقدم المخرج فليب فوكون فيلما عن فاطمة المسلمة والمتحجبة في بلد علماني، وتحاول التوفيق بين رؤيتها لعملية التدين والوسط الذي تحاول الاندماج فيه.
الفيلم تجربة مختصرة عن فاطمة اليعقوبي وتجربتها الشخصية ومحاولة اندماجها كذات في وسط لا تتقن فيه اللغة كمعبر للاندماج الجزئي. ينبني الفيلم على قصة واقعية يحاول التطرق من خلالها للحوارات والمواضيع المهمة، التي تظهر في هذه الكتب. شارك الفيلم في مهرجان كان السينمائي 2015 ولكن نجاحه الكبير هو حصوله على ثلاث جوائز في النسخة الأخيرة من جوائز السيزار الفرنسية 2016 بما فيها جائزة أحسن فيلم.
يعيد المخرج بتجربته الطويلة في الدراما الاجتماعية إبداع قصة امرأة مهاجرة ترغب في التغلب على واقعها الصعب، من دون مساعدة زوجها والدفع بابنتيها إلى مستقبل أفضل.
لا يتوفر الفيلم على ميزانية كبيرة ولكنه بسيط وصادق في مرماه، من خلال قصة وممثلاث يحضرن بقوة في هذا الفيلم، من دون الحاجة إلى رتوش ومؤثرات بصرية أو ديكورات ضخمة أو ممثلين بشهرة عالمية. فقط أقل من 80 دقيقة كانت كافية ليتابع المشاهد بطلة الفيلم صحبة مجموعة من النساء المبتدئات ومن دون خبرة كبيرة ولكنهن استطعن النفاذ إلى عوالم الشخصيات الممنوحة لهن في سيناريو الفيلم.
نقطة انطلاق الفيلم تذكر بسينما المخرج الإيراني فرهادي، بحوارات طويلة ومكثفة وبعمق كبير، لكن في هذه الحالة القصة ليست معقدة مع بعض الحبكات الجانبية الأخرى وتركز على علاقة الأم وأوضاعها مع ابنتيها.
يطرح الفيلم العديد من القضايا، التي تتعلق بمشكل الاندماج وصعوبات التواصل والحواجز التي تفرضها اللغة، حينما يتعلق الأمر بعدم اتقانها والكفاح من أجل مستقبل أفضل. ثم هوية الأشخاص في مجتمع يتسم بالعلمانية وبالحرية والانقسام.
يتعرف المشاهد/ المتلقي على فاطمة (الممثلة ثريا زروال)، أم مسلمة، شجاعة تريد تحسين وضعيتها وترغب في الأفضل لعائلتها وتقضي المزيد من الساعات في عملها من أجل ابنتها الكبرى نسرين (جسدت دورها زيتا هانروت التي حصلت على جائزة أحسن ممثلة لجوائز السيزار الفرنسية) تسعى لإكمال دراستها في مجال الطب أمام المستحقات المالية المتراكمة التي ينبغي دفعها.
شكل حضور الأم في الفيلم رفقة ابنتيها نوعا من التناغم الطبيعي، من دون الحاجة إلى المبالغة في الحوارات. باقي شخصيات الفيلم أدت أدوارا أقل، على الرغم من بعض الحوارات المهمة مع ابنتها الصغرى سيفرين (أدت دورها الممثلة إديت سولنيي) المراهقة التي تتجابه مع والدتها وتعرفها على الواقع المر الذي يحيط بها. حقيقة هذه الشخصية محورية في الفيلم ولكنها تحتاج إلى شيء من أجل تطويرها ووضعها في السياق الفيلمي وفهمها معمقا لبعض حركاتها وردود أفعالها، خصوصا في الجزء الأخير من الفيلم.
ليس هناك تطور معقد للشخصيات، إذ يقدم المخرج معلومات كافية عن ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم، وفق أجندة وطنية ودولية في ظل زيادة جرعات الإسلاموفوبيا والتطرف الديني والتعصب، وظهور ما سمي بخلافة «الدواعش». تلك الحوارات والمحادثات الطويلة تكشف عن نواياهم ورؤيتهم للمجتمع الذي يعيشون فيه، لكن السمة الأبرز في الفيلم هي الأغاني التي تشكل الموسيقى التصويرية وتنقل الكثير من الصور عن تهميش المهاجرين وصعوبات الاندماح.
بطلة الفيلم/الأم تصل لحدود الغضب الأكبر من العمل لساعات طويلة في التنظيف واستغلالها في العقود المبرمة معها، وكذلك معاملتها معاملة سيئة. ففاطمة لها مشكل كبير في التواصل لأنها لا تتكلم اللغة الفرنسية بطلاقة، وانطلاقا من هذا المشهد المفتاح في الفيلم وسقوطها على الأدراج وكسر ذراعها يقع تحول في الفيلم.
فانطلاقا من هذه اللحظة لم تعد قادرة على إعالة أسرتها وتناضل باستماتة من أجل حقوقها حتى لا تظل مستغلة من طرف العائلات الغنية. دعمها الكبير في هذه الرحلة هو ابنتها الكبرى التي تتفهم أوضاعها وأوجاعها، بينما الابنة الصغرى وبأنانيتها المفرطة وعدم فهمها لضرورات الحياة تصرخ في وجه والدتها أنها مستعدة للعمل لساعات طويلة من دون احتجاج. انطلاقا من هذه اللحظة تتخذ الأم قرارها بتعلم اللغة الفرنسية لتكتب هذه الرسائل المهداة إلى كل فاطمة تعيش ظروفها وإلى جميع النساء اللواتي يشبهن حالتها ويعشن صعوبات التأقلم والاندماج والتهميش في قطاع النظافة ولدى الأسر الغنية والبورجوازية في المنازل والفيلات الفاخرة.
في الفيلم هناك تباين واضح لمواجهة الأوضاع والمستقبل انطلاقا من منظوره الخاص والصعوبات الكبيرة لكل واحدة في تحقيق ذاتها بالنسبة لكلا الابنتين، الكبرى التي تسعى جاهدة وتكرس جهدها لتحقيق حلمها في عالم الطب، والصغرى الأكثر تطلبا للقضايا الاجتماعية والأم في رسائلها، إنها أم شجاعة ومسلمة متسامحة تستطيع التأقلم والاندماج تكتب رسائلها في تحد مع الذات والآخر.
__
*القدس العربي

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *