*سعيد خطيبي
على عكس نجوم السّينما وسوبر ستار الموسيقى الذين يحبذون غالباً الظّهور في صور وبورتريهات تشعّ بهجة واحتفالاً بالحياة، يفضل الكتّاب والأدباء صوراً ينال فيها العبوس مكانة أوسع من الابتسام.
يقول دو سانت إيكزوبيري: «الابتسامة ضرورة. أفضل جزاء نناله من الآخر هو الابتسامة». فمتى يعيد الكتّاب صياغة علاقتهم بصورهم ويجعلون منها لحظة انشراح وابتهاج؟
من خلال البورتريه، وتقاسيم الوجه لحظة الإمساك بالصّورة، يعكس الكاتب علاقته بالرّاهن وقراءته للذّات وللآخر.
بورتريه الكاتب هو قراءة في جملة من الأحاسيس الآنية، ونظرة من الدّاخل عن أيديولوجيا وتوجّهات صاحبها الفكرية، قد يحمل البورتريه عفوية لحظة تصويره ولكنه يبقى، مع مرور الوقت، ضحية تأويلات وقراءات متعدّدة من نقّاد وأناس عاديين، رغبة منهم في تحديد بعض خصائص وميزات شخصية الكاتب.
فمثلما يتّصل اسم الكاتب بنصّ يرسخ حضوره يرتبط اسمه بصورة شاهدة على جزء من حياته.
فيكتور هيغو مثلاً، يرتبط اسمه في ذهنية القارئ العادي بصورة يظهر فيها بلحية بيضاء كثّة، وسترة سوداء، بملامح حائرة، يضع مرفقه الأيمن على كتاب ضخم ويسند رأسه على راحة يده اليمنى.
هذه هي الصّورة الأشهر لصاحب «البؤساء». كما أن صوراً أخرى للكاتب نفسه معروضة في بيته بباريس ليست تختلف عن الأولى، الغالب عليها العبوس والتّيه في نظرات هيغو. الحال نفسه نجده عند ويليام شكسبير الذي يظهر أيضاً في بورتريه بعينين براقتين وبشفتين صامتتين كما لو أنه يستشعر ضيقاً وعدم ثقة من فكرة رسم وجهه.
صحيح أن الكاتب يجد فسحة للبوح والكتابة والمكاشفة لحظة الاكتئاب وانسداد الأفق أكثر مما يجدها لحظة الابتهاج. مع ذلك، فهو يدرك لحظة أخذ الصّورة أنه يقف في مواجهة القارئ، في مواجهة الجمهور الذي ينظر إليه وينتظر منه حافزاً للتّطلع وللتّشبث بما تبقى من طموح ومن هامش أمل.
تعوّدنا على مطالعة ألبومات صور ممثلين سينمائيين وأخرى لمغنين وموسيقيين، معروفين وغير معروفين أحياناً، لكن لم نتعوّد على تصفّح ألبومات صور كتّاب ومثقفين.
ربما الكاتب يعنيه فقط مخاطبة عقل القارئ وليس بصره. تعنيه لحظة الاحتراق في الكتابة وليس الاحتراق لإغواء وجذب انتباه عين القارئ. سيغموند فرويد – على سبيل المثال – والذي يقول: «الصّور ذكريات. تُنسى أحياناً ولكنها لا تضيع» لسنا نجد له صوراً كثيرة. أشهرها صورة له بالأسود والأبيض، بلحية يكسوها البياض، ينظر فيها مباشرة لآلة التّصوير، حاملاً بين السّبابة والإصبع الأكبر سيجارة، متكئاً على جدار، مرتدياً بدلة سوداء وقميصاً أبيض.
«الوجه مرآة الذّات» كما أخبرنا فلوبير، ولكن الكتّاب، قديماً وحديثاً، لا يبدو عليهم اهتمام كبير بالانطباعات التي قد ترد عن بورتريهاتهم، والظّاهر أن غالبية الكتّاب، عرباً وغربيين، يفضّلون صوراً مستمدّة أحياناً من نصوصهم ومن حياة شخصياتهم حيث تطغى الدراما على الكوميديا.
________
*نفحة