*المصطفى رجوان
خاص ( ثقافات )
مؤخرا تم تصنيف فيينا النمساوية أفضل مدينة في العالم،بينما المدينة الأسوأ في العالم هي بغداد،وحسب الخبر “عاصمة الرشيد بغداد قد حافظت مجددا على المركز الأخير في العالم”.
وما زال الزمان يأتينا بكل عجيب.
شارع المتنبي الذي لا يكف عن النبض،الجاحظ يلفظ آخر أنفاسه مغطى بالكتب،أبو نواس يتغزل بالخمر،وأبو العتاهية يدخل عالم الزهد فجأة لأن زبيدةَ زوجةَ هارونَ الرَّشيدِ تريده أن يكف عن معاقرة الخمر واللهو مع الجواري،والبحتري يتغنى أمام بركته الحسناء،وأبو تمام يمدح المعتصم بعد انتصاره في معركة عمورية،والمتنبي الطفل الصغير في إحدى شوارع بغداد يريد أن يشتري بطيخة من البائع ويأبي لكنه يبيعها لرجل غني بأقل مما عرضه عليه أحمد بن الحسين لأنه يملك ألف دينار،وهارون الرشيد ملك الأرض دون منازع يصول ويجول في التاريخ.صور لا يمكن أن يزيلها أو يشوهها ألف تقرير أو ألف استطلاع.
أستمع الآن إلى المطرب العراقي كاظم الساهر وهو يغني بملء قلبه عن بغداد “كثر الحديث عن التي أهواها” وأردد معه “كثر الافتراء على التي أهواها”،أم علي أن أنسى وأستمع إلى أسمهان تغني “ليالي الأنس في فيينا”.
ثم أستاءل أفيينا فعلا أعظم من بغداد،ونهر الدانوب أهو أعظم من نهر دجلة،أم أن الزمان قد استدار وأدار لنا وجهه؟
دار السَّلام صارت مصنفة أسوأ مدينة للعيش،هل ستتبرأ ألف ليلة وليلة من مدينتها الأسطورية وتهاجر شخصياتُها إلى مدينة فيينا؟ ومن الذي أوصلها إلى هذا الحال غير التتار القدامى والتتار الجدد ؟ ومن الذي أوصلها إلى هذا الحال غير الشعوبيبن الأمريكان الذين لا يملكون من التاريخ والحضارة مثقال ذرة؟ ومن الذي أوصلها إلى هذا الحال غير الشعوبيين الفارسيين الجدد؟
وجاء في الخبر “وتتميز فيينا بالمقاهي الثقافية والمتاحف والمسارح ودور الأوبرا،وتعد تكاليف السكن والنقل العام رخيصة مقارنة مع عواصم أوروبية أخرى.”
كانت بغداد مركز الدنيا،وكانت أقوى عاصمة على وجه البسيطة علميا وأدبيا وحضاريا وعسكريا،لكن كان فعل ماض ناقص.
وتسوق زغريد هونكه المستشرقة الألمانية رواية مثيرة عن المستشفيات في بغداد،التي كانت”عاصمة الدنيا آنذاك ومضرب الأمثال في عصر هارون الرشيد.وكانت المستشفيات تتمتع بموقع تتوافر فيه كل شروط الصحة والجمال.وتزود بماء جار للحمامات مُدَّ لها من نهر دجلة.
يروى أنه عندما أراد السلطان عضد الدولة أن يبني مستشفى جديدا حديثا في بغداد أوكل إلى الطبيب الذائع الشهرة (الرازي) بالبحث عن أفضل مكان له.فكان أن أوصى الرازي خدمه بتعليق قطع كبيرة من اللحم من مختلف الأنواع في كل أطراف بغداد،ثم انتظر مدة أربع وعشرين ساعة وانتقى المكان الذي ظل فيه اللحم أحسن حالة أو قُل في أقلها سوءا.”
وكانت في بغداد أعظم مصانع الورق،وما كانت تنتجه بغداد من كتب سنويا آنذاك أكثر بكثير مما تطبعه نييوركُ اليومَ.(مارك غراهام) أما أعداد الكتب التي كانت في بغداد فكانت بالملايين.ولما سقطت بغداد في أيدي المغول الهمجيين،قاموا بإحراق ملايين الكتب الثمينة.و”ألقى التتار بمجهود القرون الماضية في نهر دجلة.. حتى تحول لون مياه نهر دجلة إلى اللون الأسود من أثر مداد الكتب.. وحتى قيل أن الفارس التتري كان يعبر فوق المجلدات الضخمة من الضفة إلى ضفة أخرى.” (منقول)
ما ذكرناه نقطة فقط من بحر،لأن محاسن بغداد في الحضارة والعلوم والثقافة وغيرها من المجالات لا تبلى.ونتساءل في النهاية لماذا أكبر إرهابي،أقصد أبا بكر البغدادي،ينسب إلى بغداد؟ الاسم فقط يحتاج إلى وقت غيرِ يسير للتفكير.
شاهد أيضاً
ليتني بعض ما يتمنى المدى
(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …