قناة السويس.. بين الماضي والمستقبل


*آمال الديب


خاص ( ثقافات )
عبر قرون بعيدة من الزمان كانت فكرة إنشاء قناة تصل بين البحرين الأحمر والمتوسط فكرة ملحَّة على أغلب من حكموا مصر، منذ عهد الفراعنة، وبدأت بقناة سيزوستريس التي أنشأها سنوسرت الثالث عام 1850 ق.م، وهي أول قناة مائية تربط ما بين البحر الأحمر والبحر المتوسط عن طريق النيل سميت هذه القناة قناة سيزوستريس (التسمية الإغريقية لسنوسرت) وأنشأ امتدادها وأسماها قناة (كبريت)، وأدى ذلك إلى ازدياد حركة التجارة مع مصر وبلاد بونت وبين مصر وجزر البحر المتوسط (كريت وقبرص).
وأعيد التفكير في حفرها بعد مئات السنين حين جاء “سيتْي الأول” ملكا على مصر خلفاً لأبيه “رمسيس الأول” مؤسس الأسرة التاسعة عشر، وقد اختلف المؤرخون في دوره في حفر القناة، ولكن الأرجح أنه أعاد حفر القناة في عهده من عام 1319 ـ 1300 ق.م.
الملك “نخاو” هو أحد ملوك الأسرة السادسة والعشرين، فكر في حفر قناة تصل بين النيل والبحر الأحمر وحول هذا الموضوع يقول “هيرودوت” (القرن الخامس ق.م): “أنجب أبسماتيك نبكوس (نخاو) الذي حكم مصر وهو أول من شرع في حفر القناة التي تؤدي إلى بحر أروتوري (البحر الأحمر).
عندما فتح المسلمون مصر في عهد الخليفة “عمر بن الخطاب” على يد الوالي “عمرو بن العاص” عام 640 م أراد توطيد المواصلات مع شبه الجزيرة العربية، فأعاد حفر القناة من الفسطاط إلى القلزم (السويس).. وأطلق عليها قناة أمير المؤمنين.. وكان المشروع في واقع الأمر ترميماً وإصلاحاً للقناة القديمة.. كان ذلك في عام 642 م واستمرت هذه القناة تؤدي رسالتها ما بين 100 إلى 150 عاماً.. إلى أن أمر الخليفة “أبو جعفر المنصور” بردم القناة تماماً، وسدها من ناحية السويس، منعاً لأي إمدادات من مصر إلى أهالي مكة والمدينة الثائرين ضد الحكم العباسي.
فرديناند دليسبس 
في العصر الحديث كانت هناك مشروعات أو أفكار لحفر القناة، وأهمها هي فكرة الحملة الفرنسية على مصر سنة 1798، ولكن الحملة نفسها لم يكتب لها الاستمرار في مصر سوى ثلاث سنوات، مما جعل المشروع في طي النسيان، حتى جاء فرديناند دليسبس المهندس الفرنسي الذي درس مشروع توصيل البحر الأحمر بالبحر المتوسط لفترة طويلة وحاول إقناع عباس باشا به فرفض وحاول بعد ذلك مع سعيد باشا فنجح في إقناعه واستطاع تنفيذ المشروع.
ولم تكن الفكرة وليدة اللحظة، بل ظل المهندسون الفرنسيون يخططون لها أكثر من 12 عاماً، في عام 1840 وضع المهندس الفرنسي لينان دي بلفون بك مشروعاً لشق قناة مستقيمة تصل بين البحرين الأحمر والأبيض وأزال التخوف السائد من علو منسوب مياه البحر الأحمر على البحر المتوسط وأكد أن ذلك لا ضرر منه. تلك الفكرة التي توصلت إليها الحملة الفرنسية، وكانت وراء استبعاد التفكير في المشروع، ثم في 15 أبريل 1846 أنشأ السان سيمونيون بباريس جمعية لدراسات قناة السويس وأصدر المهندس الفرنسي بولان تالابو تقريراً في أواخر عام 1847 مبنياً على تقرير لينان دي بلفون أكد فيه إمكانية حفر قناة تصل بين البحرين دون حدوث أي طغيان بحري.
وحين تولى حكم مصر سعيد باشا استطاع المهندس ديليسيبس إقناعه بالفكرة وتمرير المشروع والحصول على فرمان عقد امتياز قناة السويس في نوفمبر 1854 الأول وكان مكونا من 12 بنداً أهمها حفر قناة تصل بين البحرين ومدة الامتياز 99 عاما من تاريخ فتح القناة.

شروط حفر قناة السويس
تمنح الحكومة المصرية الشركة الحق في :
– إنشاء قناة السويس.
– إنشاء ترعة الصالحة للملاحة النيلية (ترعة الإسماعيلية فيما بعد )التي تستمد مياهها من النيل وتصب في القناة المالحة.
– إنشاء فرعين للري و الشرب يستمد مياهها من ترعة الإسماعيلية.
– تحصيل أجر ممن ينتفع بمياه ترعة الإسماعيلية.
– فرض ما تشاء من رسوم علي السفن التي تمر بالقناة المالحة أو الترعة العذبة.
– تتنازل الحكومة المصرية للشركة مجانا عن جميع الأراضي المطلوبة لإنشاء القناة المالحة أو الترعة العذبة.
– مدة الامتياز 99 عاما تبدأ من افتتاح القناة وتصبح بعدها ملكا للحكومة المصرية.
– يكون 80% من العمال مصريين.
– تحصل مصر علي 15% من صافي الأرباح.
– يصدق السلطان العثماني علي امتياز حبر القناة شرطاً بصحته.
تأميم قناة السويس
قام الرئيس عبد الناصر بتأميم قناة السويس، مما تسبَّب لاحقاً في إعلان بريطانيا وفرنسا الحرب على مصر ضمن العدوان الثلاثي والذي انتهى بانسحابهم.
تسببت حرب 1967 في إغلاق قناة السويس لأكثر من 8 سنوات، حتى قام الرئيس السادات بإعادة افتتاحها في يونيو 1975، ثم شهدت القناة بعد ذلك محاولات لتوسيعها بدأت عام 1980 وكذلك فكرة تحويلها إلى منطقة خدمات لوجستية. 
قناة السويس الجديدة
في 5 أغسطس 2014 تم تدشين مشروع حفر قناة موازية للمر الملاحي الحالي بطول 72 كم، لتمكين السفن والناقلات من عبور القناة في كلا الاتجاهين في ذات الوقت. وتلافي المشكلات الحالية من توقف قافلة الشمال لمدة تزيد عن 11 ساعة في منطقة البحيرات المرة، وتقليل زمن رحلة عبور القناة بشكل عام، مما يسهم في زيادة الإيرادات الحالية للقناة، على أن ينتهي المشروع خلال عام واحد في 6 أغسطس 2015.
واليوم تحتفل مصر حكومةً وشعباً ومحبين بافتتاح القناة الجديدة.
معلومات أساسية عن مشروع قناة السويس الجديدة
– يبلغ طول قناة السويس الأصلية 190 كيلومترا، فيما يبلغ طول القناة الجديدة المزمع إنشاؤها 72 كيلومترا.
– يهدف المشروع إلى حفر 35 كيلومتراً منهم “حفر جاف”، في حين يتم حفر الـ37 الآخرين بآلية الحفر والتعميق.
– المدة الزمنية لتنفيذ المشروع 36 شهراً، طالب الرئيس السيسي باختصارها لمدة عام واحد فقط.
– تتولى الإدارة الهندسية بالقوات المسلحة تنفيذ المشروع بالتعاون مع 17 شركة أخرى يمكن أن تزيد إلى 25 شركة.
– يوفر المشروع الجديد مليون فرصة عمل.
– يحول المشروع الجديد منطقة قناة السويس إلى مركز للاقتصاد العالمي والدعم اللوجيستي.
– تقلل قناة السويس الجديدة زمن انتظار السفن من 11 ساعة إلى 3 ساعات.
– تكاليف حفر القناة الجديدة 29 مليار جنيه، ويوفر المشروع تنمية لمناطق الإسماعيلية بمساحة 66 ألف فدان.
– تبلغ قيمة كل سهم 10 جنيهات للطلاب و100 جنيه للمواطنين و100 دولار للمصريين في الخارج.
تمويل المشروع يقتصر على المصريين فقط من خلال الاكتتاب.
– إجراء الدراسات وتنفيذ المشروع اعتمد على المصريين فقط بالتعاون مع القوات المسلحة في دارسة الحفر للقناة.
– المشروع يهدف إلى إقامة مشروعات عملاقة، منها إنشاء محطة خدمات للسفن ومصنع للحاويات بمنطقة القناة.
– 44 تحالفا تقدم لتنفيذ المشروع تم تصفيتها إلى 14 تحالفا.. ومكتب استشاري عالمي يختار التحالف الفائز.
– سيؤمّن المشروع توظيف مليون شاب مصري والقضاء على البطالة في فترة زمنية قصيرة، كما سيعتبر قاطرة مهمة للتنمية في المرحلة المقبلة، ويحول مصر إلى مركز عالمي اقتصادياً ولوجيستياً.
هل يكون الاحتفال بافتتاح القناة الجديدة موازياً لذلك الافتتاح الباهر الذي تم في عصر الخديوي إسماعيل؟!
هذا ما سيتبين في غضون ساعات.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *