*نزار عثمان
لأن الفيلسوف الالماني مارتن هيدغر، قال في رسائله العام 1920 “سأواصل في ما أشعر أنه ضروري من دون أن أشغل بالي بمعرفة ما إذا كان سينجم عن ذلك ثقافة أم أني أستعجل الانهيار والدمار”، فإن الفنان السوري همام السيد يحمل معوله ويضرب في جسد اللوحة غير عابئ ما إذا كانت فلسفتها تنصب باتجاه النزعة الانسانية، التي تضع انسانه في مركز الكون عن قصد ووعي، او باتجاه تجاوز الذات والذاتية والتصورات المسبقة الميتافيزيقية.
وهنا يكمن السؤال… هل من قطيعة للفنان همام السيد بما يحمل من بذور قبلية، تقوض الذي عاشه، فناً وواقعا وحياة وموقفاً وتاريخاً، وتضع كل ذلك في خانة الماضي والسابق، باتجاه حفر كوة ضوء يتشكل من خلالها مركز جديد للفن عموماً، ولفنه على وجه الخصوص. ام ان معرضه المعنون بـ”عقيم” يشكل حلقة في سلسلة تنحو باتجاه التكامل الجوهري. في مسيرته الفنية، لتقع في صلب المعاش والراهن سياسيا واجتماعيا وايديولوجيا… وهنا تجدر الاشارة الى أن هذه السطور لا تسعى لتغليب اي الخيارين على الاخر بنوع من المفاضلة، ولا تسعى للمقارنة في مزايا كل من الجهتين بمستوى من التوسع. بل لعل المطلوب هو الانزلاق عميقاً في لوحة همام السيد كي نراها بشكل اوضح وأجلى في ضوء ما قد تكون عليه واقعا.
يعمد همام السيد أولاً الى التضخيم في جزء من الجسد الا وهو الرأس، وهذه التقنية ليست حكرا عليه فعدد من الفنانين الاجانب كفرناندو بوتيرو ومارغريتا سيكوروسكايا وغيرهما، فضلا عن فنانين عرب تعبيريين يعمدون الى التضخيم، طبعا من دون أن يؤثر ذلك على فرادة أسلوب السيد، او ان يوهم بالتناص او الاقتباس، فكل له رؤيته وأسلوبه الخاصين. كما ان كائناته تنحو صوب الركون والاستتار، حاملة في طياتها نزعة تشاؤمية عدمية، مع دهشة واضحة أشبه ما تكون باللحظات الاخيرة من الحياة، وهي في بنياتها المتهالكة السكونية الانطوائية غير المتوازنة مع حجم الرأس تنظر مباشرة في عين المتلقي كأنها تستنجد به من جحيم ما ورائي تعاني منه او قلق قد يصح ان نطلق عليه “وجودي”، تضفي عليها القبعة نوعا من النوستالجيا التي تذكر بالموضة التي سادت في السبعينات والثمانينات ولا تزال الى حد ما الى اليوم. نرى في احدى لوحات الفنان حركة ميزتها عن بقية اللوحات الاخرى الا وهي “براميل وقنابل” مع تعبيرية واضحة متفجعة وقلقة على المحيا، وحركات الوجه، واذ نكتشف ان الملقى من الاعلى هو ذات شخص همام السيد وليس البرميل او القنبلة، نشعر بعمق الاستعارة البليغة التي قد تمثل سقوط الطوطم.
هناك بين لوحات الفنان السيد ما أطلق عليها اسم “موسى”، وأخرى أطلق عليها اسم “نوح”، واضعا شرحا لونيا تقريبيا للشخصيتين يقربهما من الشخصيتين المعروفتين في ذاكرتنا، وهنا يجدر الوقوف سعيا لنحت إجابة عن التساؤل المطروح آنفا.
لعل الفنان اختار الاشارة الى عمق تجذر الفكر الديني في ذاكرتنا الاجتماعية، بغض النظر عن سلبية هذا التجذر او ايجابيته، فحال الفنان ليس بالضرورة اطلاق الاحكام وصياغتها بل ربما توصيف الحال. الامر الذي يظهر نوعا من التزام الفنان المسبق بمركزية الانسان، وخصوصيته التاريخية، بالرغم من النوازع والاحداث والقضايا والتواريخ التي تشغل باله، وتدفعه بعيدا عن الاستقرار، وايمان الفنان بالهالات المسبقة التي تحيط بالانسان. فانسان همام السيد يحفر عميقا في الوجود، وبالرغم مما يُشعر به من كونه لا حول له ولا قوة، الا ان هويته الميتافيزيقية تشده أكثر باتجاه النزعة الانسانية. بينما الوجهة الاخرى فتتمثل رأسا في الدعوة للتجاوز “الهيدغري” للميتافيزيقيا، وتفكيكها وتحطيمها، والذي يقطع علاقته باشكالية الذاتية والنزعة الانسانية، وبالتالي يفتتح نوعا جديدا من التأمل، وتتبلور عناصره الاساسية بـ”الانطولوجيا” ومسألة الوجود.
مهما يكون خيار الفنان، أكان النزعة الانسانية او موتها وموت الانسان في العصر الحديث والمعاصر، فإن همام السيد قد أثبت حضوره في الساحة العربية، وباتت بصمته وشخوصه المميزة ذات وقع في المحافل الفنية، ويأتي معرضه في صالة “أجيال” بعد عدة معارض بيروتية سابقة، حلقة وصل في مسيرة الفن السوري المغترب.
____
*المدن