*أحمد الشيخاوي
خاص ( ثقافات )
يجوز القول إن المقاربة هذه المرة تختلف كليا نظرا لكونها تضع المتلقي إزاء قامة وازنة جدّا وتحت صدمة صوت أكثر انفتاحا على الطوارئ وأعمق إصغاء لنبض الحياة في مدها وجزرها وتجدّدها و تماهيها مع شتى عناصر الدهشة و المفارقات والمفاجآت.
ذات تتشرب الطقوس الموحية بنفاذ الرؤى إلى عوالم لا مرئية وتدمن التجديف في مستويات اللامعقول بغرض التّنصل من املاءات وشروط الواقع المكلفة والمسمّمة للجبلّة و للصميم الإنساني في أدنى تجلياته.
من ثمّ تبنيّ الفعل الإبداعي المترع بآليات أنسنة الحرف وسائر المكونات الأخرى خلال عملية بوح ضمني عميق مكسّر لطوباوية اللفظ، ومصطبغ بإيقاعات تجاوز نصوص الذاكرة وعدم استنساخها حتى في حالات الانبعاث من رماد الماضوية السحيقة والغابرة.
تلكم شعرية تبوأ مراتب الما بين،وكأن تفريغ المعاناة يحصل استنادا إلى جملة مواقف فاضحة ومعريّة تتناسل تبعا لفلسفة معينة ودوامة أسئلة وجودية واستنطاقات ليست تتأتى بسوى تملّي العالم عبر قلب مفتوح.
” الكلمة الأولى ، مصابةٌ باضطراب عقليّ ،
لذلك ، أحتاج للسير على قارعة الجنون لدخول النصّ بكامل طقوسه :
الفراغ .
أمسكُ الكوسى باليد اليسرى ، لتستقرَّ فُتحَةُ الكتابة قُبالةَ سبابتي لاستقامةِ خطّي الرقعيّ ،
وأحشو .
كلُّ التضادات
كلُّ ما يصلح للتأويل
كلُّ ما يُثيرُ
وما يُضحكُ
وما يُبكي ،
هذا خداعٌ أنيقٌ لإخراج قبلةٍ حارّة من الثلاجة ،
هذه هي الحلقةُ الأولى من مسلسل تافه”
وإذن … المرجعية على الدوام جغرافية عطشى لكتابة محايدة تستكنه الغيب،وتنرسم مغامرة وسندبادية بين الفاعل والمفعول به. منذ العتبة يهيمن الاضطراب والجنون الرمزي الوقف على أقنعة خطابية ذات طابع خاص ونكهة مدغدغة لجوارح التلقّي ومحيلة على زئبقية المعنى وتشظّ مقصود واعتماد ممنهج للومضة في محاولات لاهثة لإضاءة ما وراء ألوان خارطة الحكي.
“الحبرُ يَغلي على نارٍ هادئة لزُرْقَةٍ أكثر .
لكثافةٍ مسموحٍ بها ورقياً ، لمائة سنةٍ مُضادةٍ للعثاث ،
لاحتكاك العينِ بإصبعِ الدلالات ،
قدْ أقتطعُ شيئاً لتفريق علاماتِ الإعراب ،
لأنّ الكتابةَ تظاهرةٌ مرخّصة ٌ، منظّمةٌ . تنادي . تهتفُ .
تستردُّ أنفاسها ضمن الإيقاع ، فيما يقفزُ الكاتبُ بين الفاعل والمفعول به كمهرجٍ بأنفٍ كبير يتقلّدُ شاعراً في الحلقة الثانيةِ من مسلسلٍ رديء .”
ما الخواء هاهنا مبهرجا بعبثية الحياة ، إلاّ محفزا وباعثا على نبذ انشطارنا أنصافا في سباق محموم مع أكذوبة لا تدور في عدا أفلاك كتابة ترقى إلى حجم النضال الحقيقي والتمرد الذي قد يثمر بدائل يتوجّب تفعيلها وتخصيبها وتسهيل تفشّيها ضمن آفاق تتيح ما هو أفضل للإنسانية وأسمى وأشهى وآمنُ لمستقبلها.
“هذه حمّالةُ صدرٍ ، كي لا يتهدَّلَ نهدٌ في الطريق إلى السماء .
وهذا سروالٌ داخليٌّ أحمرُ الخيط لامرأة ممتلئة ،
لأنَّ الجنسَ مكوّنٌ أساسيّ في الصفوف الثانويّة ،
كاستراحة الساعة العاشرة
كالقتال في الحرب العالمية العاشرة
كالوصايا العشرِ على أصابع اليدين ، فلا تقطعْ إصبعا في الحشْوِ ،
حافظ على سكينك بعيداً عن جسدِك ، أَغرزْه في أجسادهم ، هم الأعداء ،
أنت صديقهم فقط ، لديهم قطنٌ وشاشٌ كثيرٌ لإيقاف النزيف ،
للتوقّف فجأة عن الهراء ، للتوقّف عن متابعة الحلقة الثالثة من مسلسلٍ رديء .”
إقحام اللازمة الدالة على الفجوة بين الذات ومحيطها أو الفراغ الناجم عن انفصام رمزي عن منظومة تعاليم مكرسة لاستعباد آلي أوتوماتيكي وروتيني يخترق إنسانيتنا و يلغي الوظائف الحيوية للروح ويفضي إلى سراديب تقديس الجسدنة كصيغة تستغرق شحنة الجلد الذاتي الذي يعارضه انتشار السياق العام للنص في علانية تحدّيه لتيارات النقيض بالتّمام للمعاني الشّبحية الموازية للعتبة / نثر خالص.
“الحلقة الرابعة
للراشدين فقط ……. محذوف بأمر الرقيب …… محذوف بأمر الرقيب …..
محذوف بإذنه تعالى …
كيف تتّسعُ مخيلتي لامرأة بهذا الرّخام ؟
الحلقة الأخيرة
امتلأت حبَّةُ الكوسى .
أسقطها في الحبر المغلي ،
كما أُسقطُ جنيناً تكوَّر من غير رجل دينٍ لم يصلِّ ولم يُسلِّمْ ، ولم يُصلِّبْ ولم يُبارك ،
(هذا حشوٌ لتوازن طائفي كيلا أفقدَ الاتزان على الفرس الأشهب ، وأُنْسَبَ إلى ربٍّ غير محايد ) .
مدَّةُ الطّهي : خمس حلقات من مسلسل رديء وتافه .
صحتين”
أنامل تستقطبها مسافات المحو ونظير ما يورّط الذات ببرزخية معجونة الأنفاس بهذيان ناريّ يرقى بالقصيدة حدّ جعلها معادلا للمكنون .
هكذا وبكل تلقائية يطالعنا شاعرنا المتمرّس بما يأسر أحاسيسنا ويشدنا إلى قطوف مخيلة الاتساع والتجاوز وإتيان معاني الحياة الكامنة في عوالم اللامعقول على نحو يمنح للروح سلطتها.
______
*كاتب مغربي
*كاتب مغربي