مؤتمر الشعر المصري الأول


محمود القرني *
 اختتم مؤتمر الشعر المصري الأول فعالياته مساء الثلاثاء بعد انجازه جدولا حاشدا من الندوات والأمسيات الشعرية والمشاركات الغنائية والموسيقية التي توزعت بين قاعات المجلس الأعلى للثقافة ومركز كرمة ابن هانئ الثقافي.
وكان المؤتمر قد انعقد تحت عنوان واسع وفضفاض هو ‘تحولات الشعر المصري الراهن’.
وأطلق اسم شاعر العامية الراحل فؤاد حداد على دورته الأولى تكريما لإنجازه النوعي والكمي في حقل نادر بامتياز.
في الوقت نفسه ترأس المؤتمر الناقد الكبير عبد المنعم تليمة، أما لجنته الإدارية فتشكلت من كل من الشعراء والنقاد: عبد العزيز موافي، أحمد طه، وشريف رزق.
وكانت لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة، في تكوينها الجديد، قد بدأت الإعداد لهذا المؤتمر قبل حوالى ثلاثة أشهر في محاولة لبث روح جديدة في الشعر المصري بعد زمن طويل سيطرت فيه لجنة الشعر برئاسة الشاعر احمد عبد المعطي حجازي على مقاليد الأمور بدرجة أقصت أجيالا عديدة وتيارات طليعية من المشهد الشعري في مصر.
تضمن المؤتمر عددا وفيرا من الأوراق البحثية والموائد المستديرة التي غطت العديد من الإشكاليات النقدية حول شعرنا الراهن، فقد تم تكريس جلسة لأبعاد التحديث في شعر التفعيلة تحدث فيها النقاد حسين حمودة، حافظ المغربي، حميدة عبدالله وهيثم الحاج علي، وجلسة أخرى تم تكريسها للقراءات التطبيقية في شعر الحداثة تحدث فيها الدكتور يوسف نوفل، عبد الناصر حسن، عايدي جمعة، أما الجلسة الثالثة فتم تكريسها للكشف عن سمات ومظاهر الحداثة المصرية وأدارها الدكتور محمد فتوح أحمد، وتحدث فيها كل من منيرة مصباح، محمد سيد اسماعيل، واحمد طه، كذلك كرس المؤتمر جلسة بحثية موسعة لشعر العامية المصرية، وأخرى للمأثور الشعبي وشعرية الأطراف، كذلك قدم المؤتمر محورا حول الحداثة وما بعدها وكذلك تجليات الخطاب الكلاسيكي، تحدث فيها كل من الدكتور أيمن تعيلب، عماد غزالي، ومصطفى بيومي.
كما خصص المؤتمر مائدة مستديرة حول واقع الإبداع الشعري والتيارات المتشددة، وأخرى عن الجماعات الشعرية منذ السبعينيات وأخيرا دور المجلات غير الرسمية في حركة الشعر المصري مثل مجلات : مصرية، إضاءة 77، الأربعائيون، الكتابة الأخرى، النديم، ومجلة الرافعي.
أما قصيدة النثر فكرس المؤتمر لها جلستين الأولى تحت عنوان ‘ قصيدة النثر في المشهد المصري’ تحدث فيها الناقد محمود الضبع، عبد المقصود عبد الكريم وشريف رزق. أما الجلسة الثانية فجاءت تحت عنوان ‘ قصيدة النثر وما بعد الحداثة’ وتحدث فيها الشاعر والناقد العراقي خضير ميري حول الطارئ والمتحول في الشعر المصري الجديد، والدكتور عماد حسيب حول قصيدة النثر بين القراء ة المحصورة والنص المفتوح، أما الدكتور يسري عبدالله فقدم دراسة تعد واحدة من أهم دراسات المؤتمر تحت عنوان ‘بنية المعرفة لدى جيل الثمانينيات في قصيدة النثر المصرية’ قدم لها بمهاد نظري ثم قدم قراءة تطبيقية في سياق دراسته لثلاثة من شعراء الجيل هم شريف رزق ومحمد السيد اسماعيل وكاتب هذه السطور.
في مهاده النظري يقول الناقد يسري عبدالله: ‘ربما بدت الممارسة النقدية لقصيدة النثر متخذة طابعا منفصلا عن تشكلات النصوص الشعرية وآلياتها، فبدت متكئة على روح جوفاء لا تلمس العصب العاري للنص الشعري، وتحيل الخطاب النقدي إلى متون جامدة لا تستوعب نزق الإبداع وتمايزاته، ومن ثم لا تتنكر هذه الدراسة لطبيعتها الإجرائية ولا تغفل أفقها النظري في النفاذ إلى آليات الخطاب الشعري وطرائقه، وصولا إلى الوقوف على ‘رؤية العالم’ الكامنة خلف النصوص الشعرية، خاصة وأن قصيدة النثر لم تزل بحاجة إلى مداخل نقدية جديدة، تكشف وبجلاء- عن ذلك الجوهر الثري داخلها، ولذا تسعى هذه الدراسة إلى محاولة رصد التجليات الإبداعية لما أسميه ‘بنية المعرفة’ لدى جيل الثمانينيات في قصيدة النثر المصرية’.
وبعد أن يكشف عبدالله عن إشكاليات الموقف النقدي وتخلفه عن هذا النص يتناول مفهوم الجيل وتعريفاته الخاطئة التي روج لها البعض لأسباب سياسية أو لأهداف تعمد الى إقصاء أسماء بعينها أو لقصور في الرؤية وهنا يقول: ‘ربما ينطوي الفهم لمصطلح (الجيل) على قدر من ‘الآلية’، حيث يتعاطى مع فكرة (الجيل) باعتبارها مفهوماً كمياً، وهذا أمر غير منهجي على اعتبار أن الجيل مفهوم كيفي، يعني به مجموعة من المبدعين الذين يجسدون القيم الفكرية والجمالية لمرحلة معينة، لها خصائصها المحددة، والممثلة في كتاباتهم، ‘إنه تجربة ورؤيا’ . و(البنية) التي تبحث الدراسة عنها ليست هي (البنية المجردة)، بل هي البنية المتجلية في قصيدة النثر عند جيل الثمانينيات، هذه البنية التي تتحدد وفق رؤية للعالم تتخذ من (المعرفة) محوراً لها، ومن ثم فإن (بنية المعرفة) تتحدد في هذه الدراسة بأنها البنية الإبداعية المتولدة عن سياق (سياسي/ثقافي) معقد، والتي ترتكز على فكرة النزوع الأبستمولوجي في رؤية العالم’
ثم يتحدث الدكتور يسري عبدالله عن ما يسميه ‘حيوية الاختلاف’، باعتباره واحدا من الأسباب التي أمدت الشعر العربي بروح جديدة ومتجددة ويعلل ذلك بأن هذه القصيدة تسعي دائما لـ ‘خلخلة للبنى القارة في الثقافة العربية، ونقضا للسائد والمألوف، وأسئلة متجددة لراهن متحول، ومتعثر في آن، ولم تكن يوما أجوبة جاهزة، أو تسليما ساذجا، أو ضربا في يقين زائف؛ ولذا تمثل قصيدة النثر تياراً تجريبياً يحوي مواضعاته الفكرية والجمالية المائزة، والتي تعد علامة على منحى شعري لا يعرف الاستسلام للجاهز والموروث والقبلي، حيث ثمة مغامرة جمالية وموضوعاتية حاضرة في المتن الرؤيوي والتقني المتكئة عليه هذه ‘القصيدة’، من ثم أضحت تياراً تجريبياً فاعلاً في المشهد الشعري الراهن، لا عبر ألق الحضور (الخادع) ولكن من خلال التجارب الشعرية بالغة الخصوصية’.
وقد توقف الناقد يسري عبدالله أستاذ مساعد النقد الحديث بجامعة حلوان امام أسماء تدلل على مهاده النظري بينها: محمد صالح، وإبراهيم داود، وفتحي عبدالله، وعلي منصور، وغادة نبيل، وعزمي عبدالوهاب، وكريم عبدالسلام، ومحمد متولي، وعماد أبوصالح، وعلي عطا، والبهاء حسين، ومحمد أبوزيد’، وغيرهم. غير أن الجانب التطبيقي اقتصر على ثلاثة دواوين هي: (حيوات مفقودة) للشاعر شريف رزق، و(تدريبات يومية) للشاعر محمد السيد إسماعيل،، كنماذج تطبيقية لدراسته، وصولا إلى تجليات ‘بنية المعرفة’، وتمايزاتها داخل هذه الدواوين.
وكان المؤتمر قد أطلق فعالياته بالمجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة صباح الأحد الماضي مستمرا على مدار ثلاثة أيام بدراستين عن اثنين من رموز التطوير في قصيدة التفعيلة هما المصري أمل دنقل والفلسطيني محمود درويش.
وقال الباحث المصري حسين حمودة إن درويش (1941-2008) منذ الستينيات يصل شعره بساحة الوقائع التي كان يستكشف تغيراتها ويتأملها ويسائلها شعرا إلى أن قاده سؤال الشعر ‘إلى أن يكون واحدا من المبدعين القلائل في تاريخ الأدب الإنساني كله الذين امتلكوا قدرة استثنائية على مجاوزة وتخطي ما أبدعوه’ نظرا لامتلاكه القدرة الدائمة على التجدد.
وأضاف في ورقة عنوانها (أطوار الفراشة) بالجلسة الأولى للمؤتمر أن رحلة درويش الإبداعية تنهض على ‘نقلات واضحة’ تلاحق بالشعر عالما لا يتوقف عن التحول. وقال الشاعر ماجد يوسف مقرر لجنة الشعر التي تنظم المؤتمر في الافتتاح إن المؤتمر يعنى ‘بالنص الجيد’ إذ يفسح ساحته لتجليات الشعر المصري من القصيدة العمودية إلى تنويعات قصيدة العامية المصرية، مشددا على أنه لا توجد للشعر وصفة مقررة.
وأضاف أن المؤتمر يهدى إلى حداد نظرا لأنه ‘صاحب النقلة الكبرى التي أنجزها شعر العامية المصرية الحديث… جرب في أشكال أخرى ساعدته فيها ثقافته الواسعة العربية والفرنسية وعلاقته الوطيدة بالتراث الشعري العربي والنثري أيضا… (حداد) أرض لم تكتشف بعد’ حيث كتب الأغاني والفوازير والقصيدة الفصحى والحكايات الشعبية وترجم من الإبداع الفرنسي أعمالا لأندريه مالرو ولويس أراغون وغيرهما.
وقد شارك أكثر من أربعين شاعرا مصريا في الأمسيات التي كرسها المؤتمر بينهم ‘محمد الشهاوي، عزة حسين، فتحي عبد الله، فتحي عبد السميع، محمد حسني ن مؤمن سمير، يسري حسان، صلاح اللقاني، محمد سليمان، زين العابدين فؤاد، مدحت منير، رجب الصاوي، بالإضافة الى مشاركة الفنانين عهدي شاكر وأحمد اسماعيل بالعديد من ألحانهما.
ولا شك أن الخلاص من لجنة القرن الرابع الهجري التي كانت تدير شأن الشعر المصري بقيادة الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي تعد واحدة من الأصداء الطيبة والشاحبة لثورتنا المغدورة. من هنا قبل الواقع الشعري، بالتشكيل الجديد للجنة الشعر برئاسة الشاعر ماجد يوسف ، رغم أن المحتوى العام لعضوية اللجنة يفتقر الى الكثير من التجانس، حيث تم التعامل معها باعتبارها سلة لفاكهة مهجنة لابد أن ترضي كافة الأذواق، والنتيجة المحتمة كما نراها في المؤتمر الماثل أمام عيوننا أن تعززت داخل اللجنة فكرة انعدام التجانس هذه، حيث تذهب انحيازات الأعضاء الى محاصصات أقرب الى منطق توزيع الغنائم، سواء كانت تلك المحاصصات تقوم على أسس جغرافية مناطقية، جيلية، شكلانية، أو عقائدية. في المقابل وبطبيعة الحال تم إسقاط المعيار الحقيقي للتمثيل وهو التجويد، ما أنتج في نهاية الأمر الكثير من التفاصيل المشوهة داخل أضابير المؤتمر بداية من انعدام الدعاية وسوء التنظيم وليس انتهاء بالدراسات النقدية وتوجهاتها أو بالنسبة لاختيارات الشعراء الممثلين للمشهد الشعري المصري. من هنا أتمنى أن تعيد لجنة الشعر النظر فيما فعلت بحسبانها لجنة تضم، في معظمها، نخبة من الأسماء ذات الإسهام الواضح في الشعرية المصرية، فمن غير الجائز أن تتوزع خارطة الشعراء بنفس المنطق الذي تتوزع به كوبونات الغاز والسولار، فالعلم والإبداع حقلان نوعيان مستبدان وإخضاعهما لمنطق المحاصصة الوطنية ذات البعد السياسي سيكون دائما ضد طبيعتيهما، وسينتج هذا المسخ الذي يفتقر الى المعنى والدلالة. وفي كل الاحوال لا بد للجنة من أن تنتبه الى أن الجزء الأعظم من أزمتها يتعلق بالدسائس والقنابل الموقوتة التي خلفتها طبيعة تشكيلها، ما يعني أن السلطة تراهن على فشل اللجنة بسبب تناقضاتها المنتظرة.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *