*يوسف أبولوز
الكتابة عن رواية «العطر – قصة قاتل» للكاتب الألماني «باتريك زوسكند» تأخذنا إلى الحنين للمجمع الثقافي في أبوظبي مبنى، وأشخاصاً، وكتاباً، وفنانين، وإداريين، فقد كان مركز إشعاع ثقافي استقطب مئات الكتاب والفنانين من الإمارات وخارج الإمارات، سواء بأنشطته الثقافية الدورية النوعية، أو الضيوف العرب والأجانب إلى جانب النشاط التشكيلي، وغيره من أنشطة.
«رواية العطر» نقلها إلى العربية نبيل الحفار، وصدرت بعد ذلك عن (دار المدى) كما صدرت عن (دار الجمل)، وكتب عن الرواية «امبرتو إيكو» الروائي الإيطالي في كتابه الاستثنائي «لا نهائية القوائم» متكئاً على ما يمكن تسميته (لا نهائية الرائحة)، أما من جهة نظر أخرى، فقد تكون (القوائم الحقيقية) هي قوارير العطر التي تملأ الرواية.
«رواية العطر» تحولت إلى فيلم سينمائي تم إنتاجه في العام 2006 من إخراج «توم تايكور»، ولكن الفيلم لم يكن بمستوى الحضور الدرامي العنيف الذي انطوت عليه الرواية ما يعني أن النص السردي لا يطابق في الكثير من الأحيان المعالجة السينمائية إذا تحول هذا النص إلى فيلم.
قبل الذهاب إلى الرواية أو بعض تفاصيلها (المرعبة)، نضيء قليلاً على «زوسكند» المولود في العام 1949، وتفيد سيرته أنه ينحدر من أسرة لها صلة بالكتابة والصحافة، وجاء في الموسوعة الحرة «كان يفضل العزلة والاختباء من أضواء الشهرة، وكان يرفض قبول الجوائز الأدبية التي تمنح له مثل جائزة (توكان)، وفي ليلة العرض الأول لفيلم (العطر) لم يحضر العرض..».
من أعمال زوسكند (عازف الكونترباس)، (ثلاث قصص)، (عن الحب والموت)، و(الحمامة) ورواية (الحمامة) هي أقرب إلى كونها قصة قصيرة طويلة من كونها رواية، ولكنها تحمل كل شروط درامية وتوتر الأعمال السردية المبنية على شخصيات شبه عصابية أو خائفة، وهذه بالضبط طبيعة «جوناثان» الشخصية المركزية الوحيدة في الرواية، وهو حارس بنك، تنقلب كل حياته رأساً على عقب إلى درجة شعوره المرير بالدمار وكل ذلك جراء رؤيته حمامة ذات يوم وجدها أمام باب شقته فيما هو يهم بالذهاب إلى العمل.
يبدو أن «زوسكند» يميل إلى مثل هذه الشخصيات (المتوترة)، (الغرائبية) أو (العصابية) أو قل إنها شخصيات (مريضة)، وإن لم تكن كذلك، فإن حظها أن تتكون كبناء بشري في ظروف معقدة.
في رواية (العطر).. يولد الطفل (غرونوي) تحت عربة بيع أسماك ومنذ البداية لم تكن لهذا الطفل أية إشارة تدل على أن له رائحة، ومن هذه النقطة بالذات يتحول إلى كائن غير طبيعي، لعله يريد الانتقام لكونه آدمياً ليس له رائحة، فيقرر أن يصنع نوعاً من العطر يستخلصه من أجساد ضحاياه.
القوة المرعبة في شخصية «غرونوي» أنه يشم الروائح (هو الذي بلا رائحة) عن مسافات طويلة، وتجذبه الرائحة، ويستطيع عبر أنفه أو عبر شم الرائحة أن يحدد بالضبط المكان أو الجسد الذي تنبعث منه رائحة الفتاة. هكذا كان يتعقب ويلاحق ضحاياه، ثم يقتلهن ويلف أجسادهن بمواد صنعها حيث إنه يعرف صناعة العطر، ولكنه، في النهاية يصنع عطره الخاص.. العطر ذو الرائحة الأسطورية، أو الرائحة التي ينتقم بها، وتنتقم منه.
كتب الكثير عن الرواية في المحيط العربي بعد نقلها إلى العربية، وهي رواية ألمانية صدرت في أوائل ثمانينات القرن الماضي.
يختلط الواقعي بالخيالي أو الفانتازي في الرواية، فالمكان الذي ولد فيه «غرونوي» متشبع بالروائح الكريهة، وهو يفلت من الموت بأعجوبة وقت ولادته إذ كانت أمه تقتل أطفالها فور ولادتهم في سوق السمك أو تحت عربة السمك، وإلى هنا يمكنك أن تضع يدك على البعد الواقعي في الرواية، ولكن البعد الخيالي يكمن في عملية صنع العطر ذاتها من أجساد الفتيات، كما يكمن الخيال أيضاً في تلك القدرة الخارقة على الشم.
الرواية تقرأ بمستوى اجتماعي، وربما يقرأها البعض بمستوى (فانتازي) لكن الحقيقة أن الواقع في هذا الكتاب (المرعب) أكثر من الخيال.
الكتاب: (العطر – قصة قاتل) – رواية.
الناشر: المجمع الثقافي في أبوظبي (1998).
المؤلف: باتريك زوسكند.
المترجم: د. نبيل الحفار.
___
*الخليج