*نداء يونس
خاص ( ثقافات )
تعمل وسائل الإعلام في فلسطين بشكل رئيسي على تغطية الخبر الثقافي غالبا، ولا تقدم معالجة أكثر تخصصية للمواد الثقافية والإبداعية، وتغيب الترجمة بالكامل للمواد الأدبية والأخبار المتعلقة في الإعلام الفلسطيني والمؤسسة الرسمية ليبقى حضور الأدب الفلسطيني المترجم والعالمي في واقعنا الفلسطيني باهتا ويقتصر على محاولات فردية، كما أن واقع الترجمة الثقافية ما زال مرهونا إلى الخلط بين الديني والإبداعي وسطوة الإعلان والتمويل وسوء تقدير الإبداع وهيمنة الشخصي ومبدأ الربح” على الثقافة.
إن للعلاقة بين الترجمة كفعل إبداعي وإنساني والإعلام كفعل فكري وثقافي، مدلولاتها الحضارية القابلة للتعميم والانتشار، لما ينتج عنها من تثاقف طويل الأمد عبر التفاعل في إطار واسع من الثقافات وتمثلاتها الشعوبية والقومية والفكرية والدينية والإنسانية، وعلى صعيد الأفراد والجماعات.
فالترجمة “ليست مجرد نقل نص من لغة أولى إلى لغة ثانية بل هي نقل حضاري من حضارة أولى إلى حضارة ثانية…..” ، وبالتالي فهي بالتالي “نقل للحضارة والفكر” ويعرف الدكتور الألماني هارتموت فِندريش (72 عاماً) والمتخصص في نقل الأدب العربي إلى الالمانية، المترجم على انه ” القارب الذي يحمل النص من ضفة إلى أخرى”، فـ”كل لغة تنتمي إلى ثقافة معينة”
وظائفية الترجمة الأدبية في الفعل الثقافي ودورالإعلام
تعتبر هذه العلاقة من نمط العلاقات الوطيدة التي تحمل في طياتها أوجه تأثر وتأثير كبيرين كل بالاخر، الترجمة بالإعلام والإعلام بالترجمة. حيث كان لنشاط الترجمة في فلسطين أكبر الأثر في إحياء الحياة الفكرية في فلسطين ومنها الصحافة
إن المقام لا يتسع هنا لعرض تأثير الترجمة على الشعر والنثر وإحياء اللغة العربية، إلا أنه يمكن تلخيص هذه الجدلية بأسئلة أربعة تتعلق بتأثير الثقافة كما يطرحه الباحث سالم العيس على إلغاء السطحية والاضطراب والتمويه والحشو والثقافة التخديرية والاستهلاكية: ما هي الفعاليات التي تؤدي إلى نشر الشعور بضرورة تكوين الذات إلى درجة تسمح بهضم التقنيات والعلوم الوافدة إلينا من حولنا، وما هو العمل لخلق إنسان حر ومبدع، وهل نحن بحاجة إلى توطيد وترسيخ الأمن الثقافي وأن يوجه بإرادة واعدة من قبل السلطة المختصة ، وما هي الطريقة التي تمكن من التغلب علي الصعوبات التي تواجه خطة توسيع دائرة الترجمة خدمة لنشر الثقافة الجماهيرية مما يتوجب من الفعاليات التقنية والعلمية المفيدة والمطلوبة في حينها.
هنا، ربما يستحسن أن أقول من البداية بأنني لن أركز على انواع الترجمة الأخرى ولا على الجوانب النظرية بل على الحالة الإعلامية الحالية في فلسطين والتي أعتقد بأنها ذات شأن إذا ما تعلق الأمر برسم السياسيات وعملية المأسسة.
تاريخ الترجمة الأدبية والمحمولات الإعلامية للأدب المترجم في فلسطين
تتسم حركة الترجمة في الوطن العربي بالضعف، مقارنة بمثيلاتها في دول العالم، إن كل 300 ألف عربي يقرؤون كتابا واحدا. الحصيلة الكلية لما ترجم إلى العربية منذ عصر المأمون إلى العصر الحالي 10000 كتاب ويساوي ما تترجمه إسبانيا في سنة واحدة .
إن استعراض تاريخ الترجمة في فلسطين ومحمولاتها الإعلامية يكتسب أهمية كبيرة، لا من ناحية تأريخية لمساهمة الفلسطينيين في حركة الترجمة، والتي نجد عرضا عنها في الموسوعة الفلسطينية منذ عام 1860 وحتى النصف الثاني من القرن العشرين (النكبة). ودورها في فتح نافذة على آداب الدول الاخرى ومنجزاتها الفكرية والحضارية، ما أسهم في حراك ثقافي اسس لخلق ارضيات للثقافة والإبداع الفلسطيني والعربي على مدى قرون طويلة وساهم في تطويع مفردات الحداثة الأدبية والعلمية، ونقل ثقافة العالم إلينا بل وأيضا في إبراز حجم النكبة الثقافية التي تعرضت لها فلسطين التي شهدت “حصاراً ثقافياً مُبكِّراً على الفلسطينيين، حيث كانت الكتب العربية شبه ممنوعة في الداخل المحتل، بينما اختفت المكتبات العامة على قلّتها في المناطق المحتلة عام 1967، وشهدت تلك الفترة تزايد اعتداءات إسرائيل على الجامعات الفلسطينية ومنع إقامة المؤتمرات والندوات بحجة منع التجمعات وفيها مجتمعة خطة ممنهجة لمحاربة الفكر الثقافي وإنتاجه ومنتجيه” ما أدى إلى طمس الحركة الثقافية الكبيرة التي ظهرت فيها “مع أوائل القرن الماضي وحتى إبان النكبة بقليل، فقد كانت مطابع القدس تطبع عشرات الكتب سنوياً، غير أن هذه الكتب فُقِدَتْ جميعاً بعد النكبة واختفت آثارها من المكتبات، بعد سيطرة دولة الاحتلال عليها” .
وإذ تورد الموسوعة الفلسطينية طيفا واسعا من المترجمين مثل عادل زعيتر و يوسف دباس وسليم قبعين وأنطوان بلان ونجاتي صدقي وكلثوم عودة وهشام الدجاني وقسطنطين زريق وكامل العسلي ومحمد عزة دروزة، فإن عرض وتوثيق المحمولات الإعلامية التي ساهمت في نشر الأدب المترجم وفك الاشتباك بين الشخصي والمؤسسي في عمليتي الترجمة والنشر يبقى فعلا ملحقا وغير ممأسس وفضفاض، فحين تتم الاشارة إلى مترجم مثل خليل بيدس في الموسوعة الفلسطينية، يتم ذكر مجلته ألنفائس والتي ساهمت في إثراء حقل الترجمة. وتفتقر المكتبة الفلسطينية إلى مرجع جامع للأشكال الإعلامية التي ساهمت بحضور الأدب المترجم بقوة في المشهد الثقافي الفلسطيني، او بترجمة الأدب الفلسطيني إلى العالم، كما تفتقر إلى دراسات متخصصة حول دور المحمولات الإعلامية المنتشرة حاليا في فلسطين في نشر المواد المترجمة ودور دَوْر النشر، ففي كل عام، نشعر بالبون الشاسع التي تفصل “حركة الترجمة العربية عن العالم كل عام بمجرد صدور قائمة الكتب الأفضل عن صحيفة نيويورك تايمز” .
الثورة التكنولوجية بين الغياب القسري للترجمة والحضور الوافر لوسائل الإعلام
لم تستفد فلسطين كثيرا من ثورة الفضائيات والانترنت في تعزيز مشروع التواصل الثقافي التبادلي بينها وبين الأمم الأخرى رغم وجود (4) صحف يومية (76) إذاعة وتلفزيون (16) محطة تلفزيون و(60) إذاعة منها (12) في قطاع غزة ووجود (2) إذاعة أجنبية ناطقة بالعربية، ونحو “150” محطة فضائية عربية وأجنبية، منها (35) فضائية وتلفزيون عربي و(21) انباء الكترونية ، ما عدا عشرات وسائل الإعلام غير المرخصة والفضاءات الإلكترونية الحرة. كما أدى غياب فضائية فلسطينية ناطقة بالانجليزية وغياب الترجمة ساهم في جعل الخطاب السياسي والثقافي والحضاري ذاتيا.
تعمل وسائل الإعلام في فلسطين بشكل رئيسي على تغطية الخبر فقط ولا تقدم معالجة أكثر تخصصية للمواد الثقافية والإبداعية، وتغيب الترجمة بالكامل للمواد الأدبية والأخبار المتعلقة بها سواء في الإعلام الرسمي أو الخاص، والتقليدي او الإلكتروني، ليبقى حضور الأدب الفلسطيني المترجم والعالمي في واقعنا الفلسطيني باهتا، ويقتصر على محاولات فردية، فيما تشهد المؤسسة الرسمية غيابا قسريا للترجمة لإيصال الأدب الفلسطيني المترجم عبر مواقعها الالكترونية و/أو إصداراتها التخصصية، ويبقى لمعرض فلسطين الدولي السنوي للكتاب وبعض دور النشر ومراكز بيع الكتب المحلية دور يكاد يكون وحيدا في هذا الشأن في الوقت الذي اختفى فيه دور الإرساليات الدينية في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين إلى فلسطين في تعزيز حركة الترجمة من الآداب الأخرى بل وإحداث حراك ثقافي ولغوي كبير.
الإعلام الفلسطيني والترجمة الأدبية
إن فك التشابك بين دور الإعلام كرافعة للأدب والأدب المترجم شائك جدا وإشكالي بالمطلق. فمن الذي يتحمل عبء النقص الفاضح في البرامج الإعلامية والصفحات الثقافية والزوايا المتخصصة بالأدب المترجم في فلسطين.
إن هذا السؤال يمثل قمة الجليد، القمة التي تشكل جانب الصورة الأوضح والخارجي، أما تلك المكنونات والمكونات الداخلية التي تساهم معا في تشكيل الأرضية الثقافية، فإنها تحتاج إلى تحليل أكثر عمقا حول ما قبل النص المنجز إبداعيا أم مترجما وما بعده،حيث أن “المشكلة ذات جذور متعددة ولا تعود إلى طرف دون سواه، لأن ترجمة الأدب العربي كله إلى اللغات الأخرى ما زال عملا فرديا وجهدا شخصيا مبنيا على علاقات خاصة أو وقائع تحصل بالصدفة” وبالتالي، تتناول هذه الورقة البحث من زاويتين: اشتباكات ما قبل النص، وما بعده.
اشتباكات ما قبل النص
كانت جدلية الشكل والمضمون وكيفية نقل المحمول الأدبي المتعلق بها والأدوات اللغوية والثقافية والفكرية التي يحتاجها المترجم، وليس اللغة، محط بحث ودراسة وجدل كبير بين الباحثين وأصحاب الاختصاص حيث ترى سيلفيا غاميرو بيريز: « أن النصوص المتخصصة تتميز أساسا باستعمال ما يسمى لغات التخصص، وتحدد خمسة مستويات من المهارات يجب أن يتمكن منها المترجم المحترف، وهي: معلومات حول المجال الموضوعاتي، وامتلاك المصطلحات الخاصة والقدرة على الاستنتاج المنطقي، والتعرف على أنواع النص و أجناسه و القدرة على الاكتساب» . اذ ان “كل لغة تنتمي إلى ثقافة معينة ……. كما تتميز كل لغة بتراكيب وقواعد خاصة بها، ومع عدم وجود مقاييس واضحة لنقل التراكيب، تبقى هناك اشكاليات في الترجمة”
إن البحث في “مرحلة ما قبل النص” يتعلق بشكل رئيس بضرورة دراسة موقع فلسطين في الحراك الخاص بإشكاليات الترجمة الأدبية ومدى مساهمتها في هذا النقاش وفي الوصول إلى الحلول الحضارية لفعل تغيبنا عنه بشكل ملحوظ، حيث ان “القارئ الاجنبي المعني بالثقافة العربية يجهل مستويات تركيب المشهد الإبداعي العربي” ، كما لا يزال القارئ العربي مرهونا إلى خلط الديني بالأدبي، وهيمنة السياسي، وطغيان الإعلان والتمويل وسوء تقدير الابداع، وهيمنة الشخصي ومبدأ الربح” على الثقافة .
يبدو أن هناك نقاطا أساسية ينبغي التذكير بها لرسم ملامح الإطار الذي من خلاله يمكن فهم ما يجري في الطريق إلى صناعة النص الأدبي المترجم، ومساعدتنا في الاجابة على هذا السؤال. فخلاف الحوار العام والغير متخصص في الترجمة الأدبية على وجه الخصوص، والذي تحاول جامعة النجاح الوطنية القاء الضوء عليه من خلال مؤتمراتها السنوية حول الترجمة، ومؤتمرات مجلس البحث العلمي ومجمع اللغة العربية الفلسطيني في غزة، ومؤتمر واحد عقد في جامعة بيرزيت، إلا أننا نلاحظ ما يلي:
– غياب إرادة سياسية تجعل (الترجمة) من الأولويات في الحركة الأدبية
– غياب رؤية إستراتيجية فلسطينية للنهوض بصناعتي النشر والترجمة وعلى وجه الخصوص في مجال الترجمة الأدبية
– نقص المترجمين بصفة عامة، والمختصين في الترجمة الأدبية على وجه الخصوص، حيث يمكننا تشخيص المشكلة بــ:
• الغياب قسري والشامل لوجود دورات تدريبه في مجال الترجمة الأدبية بإشراف رسمي او خاص
• عدم فتح الافق للتخصص المدفوع الاجر وعدم العمل بنظام الابتعاث للتخصص، في ظل غياب الدراسة الشاملة لحاجة الوطن من التخصصات.
• عدم وجود سياسة لاستقطاب وتأهيل والتعاقد مع خريجي الدول الاجنبية للمساهمة الجادة في النهضة بواقع الترجمة الأدبية في فلسطين.
• غياب منح الابداع للمترجمين وعدم توفير فرص عمل في هذا التخصص وغياب سقوف مناسبة لأجور المترجمين او حتى جوائز لأفضل اعمال ادبية مترجمة إلى العربية ومنها
– ضعف الرغبة لدى دور النشر بتبني نشر الاعمال المترجمة وتعلق ذلك بالإمكانيات المالية
– غياب وجود دراسات متخصصة لجهود أعلام فلسطين في الترجمة، وأثرهم في الحياة الثقافية، والتي قدمت موسوعة فلسطين لها بشكل مبدئي يؤسس لعمل اكثر إبداعا، وعدم وجود نية معلنة حتى الان لإصدار معجم مترجمي فلسطين بشكل ورقي او الكتروني
– غياب تعريف واضح وجرئ لمسألة التطبيع الثقافي، ما جعل هناك غيابا لسياسة واضحة تجاه ترجمة الكتب الأدبية الإسرائيلية اما مباشرة او عبر وسيط من العبرية واليها. وان لم تتأت هذه الأهمية من مساهمتها في فهم عقلية الاخر، والبنى الفكرية التي يقوم عليها المجتمع الاسرائيلي الذي يتعرض لخطاب قادته الاحادي المنغلق العنصري، والذي بدوره يطبعه بسمات الجيتو الفكري المغلق- فعلى الاقل لأنه حان وقت الضحية لتترجم روايتها، وخلق خطاب مواز، في مواجهة هذا الخطاب العنصري الرامي إلى الغاء الاخر ونفيه وقتله، سيما ونحن ندرك علاقة الأدب الاسرائيلي بالاحتلال، وتكامليته مع البروباجاندا الإعلامية والسياسية، ومساهمته فرض الامر السياسي الواقع وترجمته العملية للمشروع الفكري الصهيوني ودعايته، من خلال اغراق الاخر للفضاء الأدبي بروايات مثل في بيت أبي ليغئال ألون.
– عدم إنشاء مراكز للتعريب والترجمة في الجامعات الفلسطينية ووزارة التربية والتعليم ووزارة الثقافة، وبالتالي عدم التمكن من الربط والتنسيق مع مجامع اللغة العربية ومكاتب تنسيق التعريب في الوطن العربي والتأسيس لحل اشكالية المصطلحات، ليس في الترجمة وحدها، وانما في اشكاليات ترجمة المصطلح السياسي واستخداماته الإعلامية وتأثيراته على صورة الصراع، ومساهمته -ان لم يتم ضبطه- في تفتيت وتشويه الحضور الثقافي على مستوى الرمز والقضية.
– سيطرة الرأي الواحد على السياسة (مثل التفكير الديني الذي الغى في مرحلة سابقة في تاريخنا ترجمة الفلسفة، رغم أهميتها والخلط بين الديني والإبداعي ما ادى إلى تأثر ترجمة النص الأدبي بالمنظور “الديني”، حيث يتحايل مترجمون على النص المترجم لاحتوائه على نصوص جنسية او عقائدية مخالفة، ما ادى إلى خلق نصوص مترجمة خائنة مثل قيام الطبعة الامريكية لكتاب سيمون دو بوفوار ” بحذف ما يعادل 15% من حجم الكتاب الأصلى باللغة الفرنسية ، وقيام محمد عنانى بحذف “كثير من الفقرات التى رأى فيها إساءة للنبى محمد فى الكوميديا الإلهية لـ”دانتى أليجيرى”، هذا الحذف جاء أيضا فى ترجمات حسن عثمان فى خمسينيات القرن الماضي” ، ما أدى إلى انتاج نصوص تشبهنا، الامر الذي، وبعيدا عن المحاكمة الاخلاقية لفعل التحايل والحذف، يؤدي إلى انتفاء الهدف من الترجمة، وهو التعرض المباشر لثقافات وآداب الدول الأخرى، والتأسيس لاتخاذ موقف فكري بناء على ما يقرأ وليس على نظام الفتاوى.
– سيطرة السياسة على الثقافة، وما يتبعه من تقزيم او اعلاء لنصوص دون غيرها، مسألة اللاسامية نموذجا عالميا، والاختلاف بين الأدب الفلسطيني قبل اوسلو وبعده نهجا ومضمونا، محليا.
– غياب تدريس علم الدلالات في كليات التخصص لدراسة اللغات الاجنبية ومعاهد الترجمة وكليات الصحافة والإعلام والعلوم الاخرى في فلسطين.
– اتكاء اغلب الفعل المترجم في الأدب على الجهد الفردي وغياب المظلة المؤسساتية.
اشتباكات ما بعد النص:
رغم تلك المعيقات، ظهرت إلى العلن عدد من الاعمال المترجمة من العربية وإليها وكان لدور النشر العربية والأجنبية الدور الاكبر في نشر تلك الأعمال إلا انه من الواضح ان الإعلام الفلسطيني اكتفى على احسن تقدير بخطاب الذات والدفع بالمنتج الأدبي إلى الاغراق بمحليته، ولم يتغير الامر كثيرا منذ آخر دراسة اجريت حول هذا الموضوع ، لا سيما في إلى تماهي المؤسسات مع حالة المركزية للقرار الفلسطيني في رام الله، وغياب السياسات.
*المؤسسات الإعلامية ودورها
• المرئي والمسموع والبرامج الثقافية
لم تقم أي من البرامج الثقافية الجادة المرئية والمسموعة باستضافة مترجمين، قلة منها، مثل برنامج روائع مع وفاء يوسف على اذاعة الشمس في الداخل المحتل، قدمت نقاشا جادا لاعمال ادبية مترجمة، إلا ان غيابا عاما تجاوز الأدب المترجم والمترجمين استضافة وحضورا ومناقشة لترجماتهم، ولم تساهم في فتح نوافذ للفلسطينيين على الاخرين ومنهم.
• المجلات الثقافية
انتشرت في فلسطين مجموعة كبيرة من المجلات الأدبية التي ساهمت في نشر الأدب الفلسطيني والأدب العربي على ارض فلسطين، إلا ان اغلب هذه المجلات ارتبط بالعمل السياسي والنضالي الفلسطيني والعمل الثوري، وينبغي التوجه إلى دراسات اكثر عمقا لتأثيراتها على المشهد الثقافي سيما وان اغلبها حرص على وجود محرر ثقافي وعلى نشر صفحات غنية بالأدب والمنتوج الأدبي لكتاب وشعراء فلسطينيين وعرب، وفي اطار عنوان الورقة، نجد ان هذه المجلات خلت تقريبا من نشر ترجمات لأية اعمال ادبية .
• الصفحات الثقافية في الصحافة المحلية
فيما تغيب الصحافة الأدبية المتخصصة عن الساحة الفلسطينية، ويغيب وجود تخصص او دورات تدريبية تؤهل الإعلاميين ليكونوا قادرين على النقد والذهاب ابعد من تغطية الخبر، وفيما تعمل بعض الصفحات الثقافية في الإعلام المكتوب وحتى الالكتروني على اكتاف عدد من الصحفيين لا يتجاوزون الاربعة على اقصى تقدير، تنتشر الملاحق في الصحف اليومية الثلاثة بشكل متفاوت الديمومة والمضمون، ولم تظهر فيها زاوية واحدة للأدب المترجم، او لمترجمين، الأمر الذي يطرح سؤالا ليس جديدا، حول مدى اعتبار المترجم فاعلا ابداعيا في العملية الأدبية وتجلياتها الإبداعية. وبالتالي، فإننا نلاحظ غيابا قسريا للترجمة عن هذه الصفحات.
• المراكز والملاحق الثقافية
يبدو عمل المراكز الثقافية الغربية في فلسطين استمرارا لجهد الارساليات في نشر ثقافة الدول التي ترسلها، اذا سعت بعض المراكز لتمويل إصدار بعض الملاحق غير منتظمة الصدور، ولكن دورها ارتهن إلى التمويل أولا وإلى غياب السياسة الثقافية تجاه تعزيز التواصل الثقافي من خلال التركيز على نشر الاداب المترجمة.
• الإعلام الإلكتروني
تتميز المواقع الالكترونية الإعلامية الفلسطينية الرسمية بوجود صفحة ثقافية فيها، تساهم في نشر وتعزيز الثقافة الفلسطينية وان ظهر غياب السياسات التحريرية والديمومة عن اغلبها، ويبدو امر النشر فيها مرتبطا بالتغطية الاخبارية غالبا للأحداث، والمعرفة الشخصية- بتفاوت النسبة- إلا انه لا ينشر فيها أدب لأدباء وشعراء عرب إلا ضمن أخبار تتعلق بزياراتهم إلى فلسطين، كما ان صفحاتها الصادرة باللغات الاخرى (الانجليزية والفرنسية والعبرية غالبا) لا تحتفي بترجمة النصوص الأدبية، وبالتالي لا يخرج الخطاب الثقافي من هذه المواقع، كأغلب الخطاب الفلسطيني، عن مخاطبة الذات، ولا يرتقي إلى العالمية، ويضمر كثيرا لصالح هيمنة الخبر العاجل والسياسي على المشهد.
• دور النشر
تعاني دور النشر الفلسطينية، و/أو الموجودة على ارض فلسطين من صعوبات مالية غالبا، وغياب سياسات واضحة للنشر. ففي الوقت الذي تسعى بعضها إلى نشر الاعمال المقدمة ايا كان مستواها لغرض الربح، فانه لا يوجد جهد و/أو سياسة معلنة لدى اغلبها حول ترجمة الانتاج الأدبي الفلسطيني إلى لغات اخرى او حتى ترجمة الأدب العالمي إلى العربية، فيما تبقى فوضى النشر حاضرة بقوة بسبب عدم تطبيق قانون ملكية فلسطيني للمواد الأدبية، وانتشار مطابع السوق السوداء في اماكن خارج سيطرة السلطة الفلسطينية عليها وفقا لاتفاق اوسلو، ومشكله إغراق السوق بنسخ مقلدة.
*المؤسسات الثقافية ودورها
o وزارة الثقافة
تخلو الهيكلية المعتمدة لوزارة الثقافة، والموجودة على موقعها الالكتروني، من اي مسمى تخصصي يتعامل مع الترجمة ومخرجاتها كآلية وفعل اساسي في عملية الابداع، وترد كلمة ترجمة في الخطة الاستراتيجية للوزارة (2011-2013) في موضع واحد فقط يتعلق بـ ” ترجمة قيم الثقافة الديمقراطية إلى توجهات وبرامج”، فيما تلتفت الخطة الاستراتيجية لقطاع الثقافة والتراث (2014-2016)، إلى موضوع الترجمة في خطة العمل في بند تفعيل وتوقيع اتفاقيات ثقافية وتبادل ثقافي مع مؤسسات ودول أخرى فيما تغيب منح دراسة الترجمة عن البند الثالث المتعلق ببرنامج منح الدراسات الثقافية، وتغيب الترجمة بالكامل عن كافة انشطة وخطط عمل الخطة، والتي اتمنى ان تكون جزاءا من الخطة القادمة للأعوام 2017-2019، وجزءا من هيكلية الوزارة.
o الاتحاد العام للأدباء والكتاب الفلسطينين
لم يكن هناك مثيل وطني فلسطيني لمجلة اللوتس الصادرة عن اتحاد كتاب وأدباء آسيا، مثلا، لكن كان هناك اهتمام جزئي ومتقطع بالترجمة والمترجمين، ورغم انها المؤسسة الثقافية الأكثر اهتماما بالإعمال المترجمة والمترجمين مقارنة بالمؤسسات السابق ذكرها، إلا ان سياسة معلنة تجاه تبني نشر اعمال مترجمة او تكريم المترجمين بشكل غير موسمي، تبقى غائبة عن الاتحاد وخطة عمله، وربما تكون الاتفاقيات الثقافية لتنشيط قضايا الترجمة المتبادلة، خطوة جيدة وعملية للنهوض بهذا القطاع الاكثر تكاملا مع الهدف الرئيس من الأدب وكتابته، وهو احداث تثاقف على المستوى البعيد المدى، وعلى مستوى الأفراد والجماعات، إلا ان صفحة باللغة الانجليزية او اية لغات اخرى تغيب عن الموقع الالكتروني له.
وبهذا،ننتقل إلى عناصر مهمة في تكوين صورة العمل المترجم ما بعد النص، تساعدنا في صياغة مجموعة من الملاحظات على تشخيص الحالة بدقة أكبر. حيث يتميز المشهد في مرحلة ما بعد النص بما يلي:
• غلبة مبدأ الربح على وجود سياسة جادة تجاه الترجمة الأدبية و/أو دور الاعمال المترجمة لدي دور النشر في فلسطين
• غياب البرامج الثقافية المتخصصة المترجمة والتي تعمد إلى تقديم ومناقشة الاعمال المترجمة واستضافة وتبني المترجمين
• غياب القرار بخصوص ايجاد زوايا متخصصة لنشر ادب مترجم او قراءات نقدية في الأدب العالمي او ترجمة لقراءات تخصصية في اعمال عالمية منشورة.
• عدم وجود وفرة في المواد الأدبية المترجمة نتيجة ضعف السياسات بهذا الاتجاه ونقص المترجمين المتخصصين
• ارتباط الترجمة الأدبية بالتمويل والموسمية وبالجهد الفردي لا المؤسساتي وباللحظة او القرارات الانية لا بالسياسات المعلنة
• غلبة العلاقات الشخصية ومركزية القرارات في الشأن الأدبي.
خاتمة
كتب محرر مجلة الآداب المرحوم عفيف سالم في استهلال العدد المزدوج من المجلة (الثاني والثالث كانون ثاني 1984) قائلاً :” أن القارئ الفلسطيني في هذه البلاد على استعداد ليتفاعل مع كل من يقدم له المادة الأدبية والثقافية الجادة بالقدر الذي تتجاوب فيه هذه المادة مع أفكاره وآماله وتطلعاته” .
ان البناء على هذا القول، وعلى التجربة الواسعة لمساهمات المترجمين الفلسطينيين في حقل الترجمة الأدبية والإدراك الواعي لأهمية الترجمة، ولضرورة وجود سياسات بهذا الخصوص لصنع فضاءلت تدعم المشروع الوطني والفكري الفلسطيني، سينعكس ايجابا على الاداء الإعلامي الذي بدوره، سيقدم صورة الفلسطيني ويدعم حضوره. كما ان الاشتباك بين الإعلام والثقافة والترجمة كبير جدا، ويتسم بالتكاملية، فعليها يرتكز حراك ثقافي واسع وشامل يخدم مشروعنا الوطني بشكل عام والمشروع الشخصي لكل عنصر من عناصر الثقافة ويخلق تثاقفاً على المدى الطويل يؤثر بالأفراد والجماعات فكرا وسلوكا ومنهجا ويعمم الفعل الحضاري الانساني. وهنا ينبغي العمل بشكل جاد لدعم الترجمة الأدبية وما يتعلق بها. ان احد اهم الادوات لفض هذه الجدلية يتعلق بتوفير المواد المترجمة، وعلى هذا الاساس توجد ضرورة حتمية لدعم الترجمة الأدبية ومكوناتها البشرية والسياساتية والمادية، وسيوفر بالتالي لدى وسائل الإعلام ودور النشر الارضية الحقيقة والمواد المترجمة التي ستساعدها في رسم سياساتها المتعلقة بالنشر والتوزيع.
أدرك أن الحديث يطول في هذا الباب، لو اتسع الباب للحديث حول تعريب الانترنت مثلا، أو دراسة أكثر قربا من الأدب المترجم قبل منذ اوسلو وبعده، وقانون الملكية الفكرية، وجاهزية فلسطين للاندماج في اقتصاد المعرفة وظواهر النمو المشوه لفعل أدبي وإعلامي ناقص، الخ، إلا أنني أترك المجال لحضرتكم لاغتنام فرصة انعقاد هذا المؤتمر لبحث هذه المسألة جديا والخروج بتوصيات من شأنها أن تخدم هذه القضية.
________
أحمد إبراهيم و آخرون، التأويل و الترجمة (مقاربات لآليات الفهم و التفسير) ، منشورات الاختلاف، الجزائر، ط1، 2009، ص27
مندي، جرمي. مدخل إلى دراسات الترجمة: نظريات وتطبيقات.ص18. ترجمة هشام علي جواد؛ مراجعة عدنان خالد عبد الله. أبوظبي: كلمة. 2009. ISBN 978-9948-01-534-5
“الترجمة عند العرب: تاريخها و مشاكلها وأنواعها”، جريدة السبيل، تموز 2011.
www.assabeel.netنسرين حسونة، الاعلام الفلسطيني (1876-1948)، دراسة، ابريل 2004، blog.amin.org/nisreenhassouna/2014/04/09/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A-1876-1948-%D9%85/
سالم العيس، الترجمة في خـدمـة الثقافـة الجماهيرية، دراســــــــــــة، من منشورات اتحاد الكتاب العرب، 1999
مراد علة، “جاهزية الدولة العربية للاندماج في اقتصاد المعرفة- دراسة تحليلية نظرية، دراسة، المؤتمر العالمي الثامن للاقتصاد والتمويل الاسلامي النمو المستدام والتنمية الاقتصادية الشاملة من المنظور الاسلامي، الدوحة، قطر،18 إﻟﻰ 20 دﻴﺴﻤﺒر 2011،/conference.qfis.edu.qa
عبد الله عمر، الحركة الثقافية في فلسطين .. من النكبة إلى الحصار، 2012 /aldohamagazine.com/article.aspx?n=1922CC5D-8DC2-4AD7-85D9-7A5E81152639&d=20150501#.Vy7SuBZJljq
نفس المصدر السابق
الموسوعة الفلسطينية
“أفضل 5 كتب على قائمة “نيويورك تايمز” لعام 2015″، وكالة الانباء الفرنسية، 2015-12-10
وزارة الاعلام الفلسطينية
د. إدریس جرادات، ترجمة الكتب الأدبیة التراثية الى العربیة من وسائل الإ ثراء المعرفیة، كتاب توفیق بشارة كنعان البیتجالي، “الأولیاء والمزارات الإسلامیة في فلسطین” نموذجا، دراسة، مؤتمر الترجمة الخامس، جامعة النجاح الوطنية، The Fifth International Conference “The Role of Translation in the Dialogue of Civilizations أيلول (سبتمبر) 17, 2012
فاتح عبد السلام، الفكر مهنة- ادغال وحدائق في النص والنقد والسلوك، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ISBN 9953-36-132-0
محمد أحمد طجو، “الترجمة: أنواع .. نظريات.. صعوبات،” www.aleflam.net/index.php?
* نفس المصدر 3
نفس المصدر 11
سليمان بشارات، “صحافة فلسطين الثقافية.. السياسة والتمويل”، مؤسسة فلسطين للثقافة، 2008
احمد ابراهيم الشريف، “الترجمة الخائنة..طاغور بالصينى شاعر إباحى وسيمون دى بوفوار كارهة للنساء”، اليوم السابع، الأربعاء، 06 يناير 2016
نفس المصدر
طلعت عبد الحميد، “الثقافة ووسائل الاعلام الفلسطينية”، دراسة، وزارة الاعلام، حزيران 2003 home.birzeit.edu/cds/arabic/news/other/2004/jun-6-moi.pdf
“مطبوعات دورية في الشتات”، وكالة الانباء الفلسطينية وفا، 2011 www.wafainfo.ps/atemplate.aspx?id=5091
شاكر فريد حسن، “المجلات الثقافية والفكرية في بلادنا: مجلة “الآداب”، /www.amad.ps/ar/Details/28828
________
*(نداء يونس، “الاشتباك بين وظائفية الترجمة الأدبية وغيابها القسري في الخطاب الثقافي والإعلامي الفلسطيني”، ورقة بحثية، مؤتمر الإعلام الثقافي، 24/5/2016، جامعة بيرزيت)