*خلود الفلاح
يتضمن كتاب الروائية الكندية مارجريت أتوود “مفاوضات مع الموتى: تأملات كاتب حول الكتابة”، ترجمة: عزة مازن – الطبعة الأولى -2005 منشورات المشروع القومي للترجمة، مجموعة من المحاضرات الأدبية محورها الكاتب والكتابة والقارئ، ألقتها أتوود في جامعة كامبريدج العام2000، في مقدمة المحاضرات تقول أتوود “إنه كتاب عن الكتابة، مع أنه ليس عن كيفية الكتابة.. وهو أيضاً ليس عن كتابة شخص بعينه أو عصر محدد أو بلد دون آخر.. إنه عن الموقف الذي يجد الكاتب نفسه فيه، أو الموقف الذي تجد الكاتبة نفسها فيه، والذي قلما يختلف من كاتب إلى آخر.. وما هي هذه الكتابة”.
وتتساءل الروائية مارجريت أتوود عن الكتابة هل هي نشاط إنساني أم أنها تكليف إلهي، أم مهنة، أم عمل مضجر نؤديه من أجل المال أو لعلها فن، ولماذا يشعر كثير من الناس أنهم مجبرون علي أدائها؟ وكيف تختلف الكتابة عن الرسم مثلا؟ وكيف ينظر من يقومون بذلك العمل إلى أنفسهم ونشاطهم من حيث العلاقة معها؟ وهل تبعث آراؤهم بعض الرضا؟ وهل يتغير مفهوم الكاتب من حيث هو كاتب، كما يفسره الكُتاب علي مدي الزمن؟ وما الذي نعنيه بالضبط عندما نقول كاتباً؟ أي نوع من الكائنات نتصور؟
الكاتبة مارجريت أتوود ولدت في مدينة أوتاوا بكندا، في 18 نوفمبر 1939، مارست الكتابة الابداعية منذ سن السادسة عشرة، بدأت النشر عام 1961 ، بمجموعتها الشعرية “توأم برسفوني” ثم “اللعبة الدائرية” 1966، و”حيوانات هذه المدينة” 1968. أما أهم أعمالها الروائية فنذكر: “امرأة للأكل” 1969 ” و”معاودة الظهور”1972، و”السيدة أوراكل”1976 ، و”الحياة قبل الرجل”1979، و”حكاية خادمة”1985، و”عين القطة”1988، و”العروس اللصة”1993، و”ألياس جراس”1996، و”القاتل الأعمى”2000.
تعترف الروائية مارجريت أتوود أنها عندما عرضت عليها جامعة كامبريدج إلقاء محاضرات في الأدب بدا لها الأمر شديد البساطة والسهولة ولكن كلما دنا وقت تقديم هذه المحاضرات تقول “خَبَتْ فرحتي”.. لماذا؟ تجيب أتوود: “كنت أظن بما أنني كاتبة، أمارس الكتابة فحتما لدي ما أقوله ولكن كلما أمعنت التفكير في ذلك ازداد الأمر سوءاً. فالكتابة ذاتها بغيضة دائما بما يكفي، أما الكتابة عن الكتابة فمن المؤكد أنها أكثر بغضاً، فهي تقع في جانب اللاجدوى، فليس لديك العذر المعتاد للأعمال الروائية بمعني وأنت في قلب عملية التركيب والتجميع لا يمكنك الالتزام بمعايير ثابتة راسخة لمحاكاة الواقع، وقد يرغب القراء في أن تقدم لهم نظريات أدبية أو خططاً مجردة أو تصريحات أو بيانات، وعندئذ تفتح درج النظرية والبيانات فتجده فارغاً أو علي الأقل وجدته أنا كذلك”.
هناك ثلاثة أسئلة يطرحها الكُتاب علي أنفسهم أو يطرحها عليهم القراء حسب أتوود وهي: لمن تكتب؟ لماذا تفعل ذلك؟ من أين تأتي تلك الكتابة؟
فلو حاولنا الإجابة عن سؤال واحد وهو” لماذا تفعل ذلك” فنجد مصدر هذه الإجابة كما تقول أتوود كلمات الكُتاب أنفسهم، فهي مأخوذة عن تلك المصادر المشكوك فيها مثل المقابلات الصحفية والسير الذاتية، ولكنها أيضاً تسجيلات حية من حوارات تمت في الأقسام الخلفية من محال بيع الكتب قبل احتفالات التوقيع الجماعي المفزع، وأيضا مصدرها كلمات الكُتاب في الأعمال الروائية وإن تنكر هؤلاء في هيئة رسامين أو مؤلفي موسيقي. من كل ذلك تخلص أتوود إلى أن الكتابة تتعلق بالظلام، وبالرغبة في الدخول فيه أو الاضطرار إلى ذلك، وإضاءته إذا حالفنا الحظ ثم إعادة تسليط الضوء علي كل شيء.
كيف أصبحت كاتبة؟
في هذه المحاضرة تتحدث أتوود عن حياتها الأسرية منذ إذ كانت طفلة وفي ذلك تقول “يسود الظن بأن في طفولة كل كاتب ما يتصل برسالته التي خلق لها، ولكن إذا تأملنا هذه المرحلة عند الكُتاب نجدها تختلف من كاتب إلى آخر، ولكنها غالباً ما تنطوي علي الكتب والوحدة، وعلي الدرب ذاته كانت طفولتي.فتعلمت القراءة مبكراً، وكنت قارئة نهمة أقرأ كل ما يقع في يدي، فلم يمنعني أحد من قراءة كتاب، فقد كانت أمي تحب الهدوء في الأطفال، والطفل الذي يقرأ طفل شديد الهدوء”.
كانت فكرة أتوود الأولي لممارسة الكتابة هي أن تكتب قصصا تنساب عاطفة ورومانسية لمجلات الإثارة، فهي تدر دخلاً عالياً، هذا ما عرفته من كتاب “أسواق الكُتاب” وبالتالي تعيش علي أرباح تلك القصص وتكتب أدبا جادا، وبعد محاولتين في هذا المجال أيقنت انها لا تملك اللغة المناسبة لمثل تلك الأعمال. في هذه المحاضرة تحدثت أيضا عن مجموعتها الشعرية الأولي وهي في عمر السادسة والعشرين، ولماذا تعدها حقيقية؟ فتقول أتوود “انها مقارنة بذلك الكتيب الصغير الذي طبعته بنفسي علي مطبعة أسطوانية في قبو أحد أصدقائي، حسبما كان شائعاً بين الشعراء آنذاك”.
الخداع
تطرح أتوود في هذه المحاضرة فكرة تصور الكاتب لنفسه علي أنه اثنان، أحدهما يمارس الحياة ومن ثم يموت والآخر يمارس الكتابة ويصبح اسماً منفصلاً عن الجسد البشري ولكنه متصل بجسد العمل الأدبي.
هل يعني هذا الكلام ان الكُتاب مزدوجو الشخصية؟ من وجهة نظر أتوود نعم، “ذلك ببساطة أنك لم تلتق حقيقة علي الإطلاق بمؤلف الكتاب الذي قرأته لتوك، فقد مر وقت طويل بين التأليف والنشر والشخص الذي كتب الكتاب هو الآن شخص آخر. أو هكذا يثبت عدم وجود المتهم في مكان الجريمة، وهذا من جهة أسلوب ملائم للكاتب كي يتملص من المسؤولية دون أن تلتفت له. ومن جهة أخري هو حقيقة لا مراء فيها”. وتنتهي المحاضرة بقول بورخيس “لا أدري إيانا كتب هذه الصفحة”، فهو يري أن النص التام ينتمي إلى المؤلف وهو أحد طرفي المعادلة، وبتعبير آخر فهو ينتمي إلى اسم دون جسد سوي العمل الفني وتنتمي الحياة التي من المفترض أنها أنجزت النص إلى الجزء الفاني من ذلك الثنائي الدينامي. فقد نظن أن كليهما ساهم في كتابة الصفحة ولكن إذا كان الأمر كذلك فمتي وأين؟ وما هي طبيعة اللحظة الحاسمة، أي اللحظة التي تحدث فيها الكتابة؟ فلو استطعنا الإمساك بالاثنين أثناء العمل لربما خرجنا بإجابة أوضح مما لدينا. ولكن لا يسعنا ذلك علي الإطلاق. فحتي لو كنا نحن أنفسنا كُتاباً، يتعذر علينا أن نراقب أنفسنا في خضم الكتابة، فتركيزنا آنذاك لابد أن يكون علي ما نفعله وليس علي أنفسنا.
بين أبولو ومامون: أيهما يعبد الكاتب؟
تطرح مارجريت أتوود في هذه المحاضرة فكرة الصراع بين آلهة الفن والشعر والموسيقى “أبولو” وآلهة المال” مامون” ولكن السؤال: كيف يتشكل هذا الصراع في إطار عملية الكتابة؟ الإغواء، من يلعب بالعصا السحرية؟ كيف هي علاقة الكاتب بعالمه الخارجي أي المجتمع وهنا تقدم أتوود السؤال الذي طرحته علي صديقة روائية. هل من الممكن كتابة قصة بلا مضمون أخلاقي علي الإطلاق؟ وكانت إجابتها “لا، فلا يمكن مقاومة المضمون الأخلاقي، لان للقصة نهاية علي أي حال وسيكون للقارئ آراؤه حول الصواب والخطأ في النهاية شئنا أم أبينا”.بمعني القارئ هو الذي يحكم علي الشخصيات لأنه من يقوم بتفسير النص وتأويله. وليس الكاتب من يحدد صلة عمله بالمجتمع.
تتحدث أتوود عن المثلث الخالد: الكاتب والقارئ والكتاب، عن علاقة بين اثنين يجهل كل منهما الآخر ولكن يتصلان عبر “الصفحة” وهنا تطرح الأسئلة التالية: لمن يكتب الكاتب؟ ما وظيفة الكتاب؟ أين يكون الكاتب أثناء قراءة القارئ للكتاب؟ إجابة هذه الأسئلة كما تقول مارجريت أتوود تتركز في”الكاتب يكتب للقارئ ولكنه القارئ الذي هو “أنت” وليس “هم” إنه يكتب للقارئ العزيز، يكتب للقارئ المثالي الذي يوجد في مكان ما من سلسلة متصلة الحلقات، وقد يكون هذا القارئ المثالي أي شخص علي الإطلاق لان فعل القراءة غالباً ما يكون مفرداً مثله مثل فعل الكتابة”.
توضح مارجريت أتوود أن عنوان الكتاب “مفاوضات مع الموتى”، هو اختيار يقوم علي فرض أن كل الكتابات الروائية وليس بعضها فقط، بل ربما كل أنماط الكتابة يحركها ويدفعها من الأعماق خوف من الفناء وافتتان به، فكلها تدفعها رغبة للقيام بالرحلة المحفوفة بالمخاطر إلى العالم السفلي والعودة من عالم الموتى بشيء ما أو بشخص ما، ربما يبدو هذا الموضوع غريباً بعض الشيء. وهو كذلك بالفعل، فالكتابة نفسها تحمل شيئاً من الغرابة.
* أخبار الأدب.
شاهد أيضاً
العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة
(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …