مهند النابلسي
خاص ( ثقافات )
“لتكن القوة حليفتك”!
السرد التفصيلي لحقيقة ما يجري:
شاهدت مرتين “بالآي ماكس والثري دي” قنبلة الموسم السينمائية التي تحتوي على وجبة متكاملة من “الأكشن والمغامرات والفانتازيا والسخرية والدراما والخيال العلمي”، تلك التي بدأها وأطلقها (جورج لوكاس) منذ حوالي أربعة عقود، وتحديدا بالعام 1977….”عودة الجيداي” من إخراج “جي جي أبرامس” الذي يقدم هنا بجرأة فريدة “أوبرا ملحمية فضائية” مذهلة من بطولة كل من هاريسون فورد بدور “هان سولو” ومارك هاميل بدور “سكاي وولكر”، وكاري فبشر بدور الجنرال “ليا أورغانا، ثم آدم درايفر لدور “كيلو رين” كمحارب، وديزي ريدلي بدور (الزبالة على الكوكب الصحراوي القاحل جاكو)، وجون بوييجا بدور الجندي الأسمر الهارب “فين”، وأوسكار إيزاك بدور “بو داميرون” الطيار المقاوم، ولوبيتا نابونغ بدور “ماز كاناتا” القرصانة الحكيمة العجوز التي عاشت لأكثر من الف عام، ثم آندي سيركس بدور القائد الشرير سنوك، المرشد الأعلى العملاق الغامض الداهية…
تدور القصة الفضائية الجديدة الشيقة بعد مرور حوالي الثلاثين عاما من تحطم “نجم الموت الثاني” وانفجاره، وبعد هروب لوك (سكاي وولكر)/ واختفاء الجيداي (بعد فيلم “عودة الجيداي” بالعام 1983) وتوجت بهزيمة ماحقة لإمبرطورية المجرة المهيمنة، هنا بهذا الجزء السابع اللافت تحدث المواجهات المصيرية بين كل من “المنظمة الأولى” المهيمنة والمتحكمة بالمجرة، وبين المقاومة العسكرية مدعومة بالجمهورية، والمقودة من قبل شفيقة “لوك” التوأم “الجنرال ليا أورجانا”، التي تسعى جاهدة لاقتحام المجرة وإيجاده… ثم بعد أن يستخدم القائد “رن” القوة لمطاردة كل من “الجندي فين والروبوت بي بي إيت”، تتحطم المقاتلة الهاربة على كوكب جاكو الصحراوي، حيث ينجوفين لوحده، ثم يلتقي الجندي الهارب “فين” بالصدفة مع الفتاة الجميلة تاجرة المقتنيات “راي” والروبوت الهارب “بي بي إيت” والملاحق بسبب تخبئة “خريطة مهمة” داخل ذاكرته الإلكترونية، ولكن جواسيس وعملاء المنظمة الاولى يسعون بلا هوادة لتعقب الثلاثة الهاربين، ويبادرون بهجوم جوي ماحق، مما يجبرهم (أي راي وفين وبي بي ايت) لسرقة سفينة فضائية قديمة مهجورة تسمى “ملينيوم فالكون” للنجاة بأنفسهم والهرب بعيدا عن الكوكب القاحل… لكن الصعاب تواجههم فتتحطم “الفالكون” ويتم ايجادهم بالصدفة من قبل القائد الديبلوماسي الذكي “هان سولو” وبصحبته “الانسان القرد” الطريف “شيوباكا” فوق سطح مركبة نقل فضائية ضخمة “فرايتر”، ثم يشرح هان لهم مساعي القائد لوك لإعادة بناء “الجيداي”، ولكن فشله أدى لاختفائه وإحباطه، وتزامن ذلك مع ظهور متآمر متدرب باسم “كايلو رين” حاول جاهدا تدمير كل ما بناه “لوك”… وبالأثناء تفاجأ المجموعة بهجوم كبير لمجموعتي قراصنة مبتزين، حيث يسعى “هان سولو” للتملص منهم مستخدما “مهاراته التفاوضية” ولكنه يخفق بإقناعهم، وينجح كل من راي وفين بالهروب منهم وتشغيل آلية “لإطلاق كائنات أفعوانية” تطيح بالقراصنة وتنكل بهم….
هناك في قاعدة بعيدة لنجم قاتل هادر، يحوي سلاحا خارقا قادرا على تدمير “النظام النجمي”، يخبر المتآمر” رين” بواسطة القائد الأعلى المتسلط “سنوك” بأنه يتوجب على “رين” أن يبادر بأقرب فرصة لقتل والده البيولوجي “هان سولو”… وبالأثناء يصل فريق “الفالكون” لكوكب “تاكودانا” ويقابلون القرصانة العجوز الخالدة “ماز كاناتا” التي تقدم لهم المساعدة اللازمة والنصيحة الحكيمة (أفاد رئيس الاستثمارات في شركة “غوغل” بأن عيش الإنسان لمدة 500 عام بات أمرا ممكنا)، ليتمكن الروبوت الطريف “بي بي ايت” من الوصول للمقاومة لتفريغ الخريطة من ذاكرته الإلكترونية، ولكن فين يقرر فجأة الهروب والتنصل ساعيا للنجاة بنفسه، ثم تغامر “راي” بالنزول لسرداب مهجور قديم داخل المعبد الكبير، وكأنها تستجيب لقوى سحرية غامضة، لتجد أخيرا السيف الضوئي القديم للقائد الخالد “آناكين سكاي وولكر” مخبأ داخل صندوق مهجور، ثم تفقد وعيها بتأثير القوى السحرية ذاتها وتداعيات الذكريات، وتتلقى بغيبوبتها رؤيا غامضة، وعندما تستيقظ تعطيها “ماز” السيف الضوئي كأمانة لتحافظ عليه، وتهرب خائفة تحت وابل من المطر الغزير باتجاه الغابة الممتدة…
تقوم “قاعدة النجوم القاتلة”، تحت قيادة الجنرال “هوكس” بتدمير المنظومة النجمية “هوسنيان” التابعة للجمهورية، وعندما يلاحظ “فين” اختفاء صديقته المحبوبة “راي”، يأخذ سيف الضوء للحفاظ عليه، وخلال ذلك تقوم “المنظمة الأولى” بمهاجمة كل من “تاكودانا وهان سولو وشيوباكا وفين”، كما تفشل أجنحة المقاومة بحمايتهم، ويتم أسر راي من قبل رين، محاولا استخلاص الخريطة من عقلها بواسطة “قوة التخاطر”، ولكنها تقاومه بشدة وتنجح باستخدام التخاطر بالهروب من زنزانتها، وبالأثناء يتقابل “هان وليا” بعد طول غياب، ويذهبون جميعا بصحبة “شيوباكا وفين وبي بي ايت” لقاعدة المقاومة الرئيسية “داكار”، حيث يتحاور الروبوت الطريف “بي بي إيت” مع الأندرويد القديم “آر تو دي تو” الذي يحمل بدوره معلومات قيمة عن اختفاء القائد التاريخي لوك (ويبدو وكأنه استلطاف عاطفي بينهما)… وبمشاهد مثيرة وحابسة للأنفاس نلاحظ استعدادات “محطة قتل النجوم” الهائلة لإطلاق النيران الماحقة القاتلة على قاعدة المقاومة “داكار”، وتقرر المقاومة باجتماع مصيري السعي لتخفيض مستويات “الدروع الكوكبية”، ويتم توكيل “فين” لعمل ذلك واختراق نقطة الضعف (ليتبين لاحقا أن بين تطوع متحمسا دون أن يملك خبرات سابقة بهذا المضمار)!
ثم باستخدام “الفلكون ميلينيوم” يتمكن كل من “هان سولو وشيوباكا وفين” من النفاذ للدروع الكوكبية وإيجاد “راي” الهاربة بالصدفة، ثم ينجحون بمهارة من وضع متفجرات شديدة الفعالية لإحداث فجوات داخل “أجنحة الإكس”، ويحاول “رين” بلا جدوى أن يجد “راي” الهاربة، وأثناء ذلك يواجه بالصدفة والده البيولوجي “هان سولو” الذي يخاطبه باسم ولادته “بين” راجيا منه أن يعود لأصله الطيب ويترك الجانب الشرير المظلم، وبلحظة درامية شيقة ومؤثرة يغدر الابن بأبيه المحب، ويقتله بالسيف الضوئي ليسقط في قعر الظلام… ولكن “شبوباكا” يبادر بإطلاق النار على رين القاتل ولكنه يفشل بقتله، ويتم إشعال فتيل المتفجرات لتتولد سلسلة من التفاعلات التفجيرية المتتابعة وتدمر قاعدة “قتل النجوم”…
ثم يلاحق “رين” المصاب كلا من “فين وراي” على السطح، ويحاول فين مواجهته وقتله باستخدام “سيف آناكين” الضوئي الماحق، ولكن فين يفشل بمنازلته ويتعرض لجروح قاتلة، فتأخذ راي السيف الضوئي وتنجح أخيرا بإصابة رين بجروح قاتلة يهرب على اثرها من المنازلة، ثم يتدخل الجنرال هوكس باللحظات الأخيرة لإفراغ القاعدة، كما يهرب الأبطال من الفالكون، وهناك على سطح “الفالكون” تحتفل المقاومة بالنصر، بينما يقوم كل من ليا وشيوباكا وراي بتذكر الراحل “هان سولو” وإقامة عزاء له… وفجأة يستيقظ الأندرويد “آر2- دي2” من سباته العميق الطويل، ويكشف لهم باقي الخريطة، وبمساعدة كل من “شيو باكا وراي والروبوت بي بي 8 ” يتم إكمال خارطة الطريق، وتستعين بها “راي” لتصل لجزيرة نائية في كوكب بعيد، ثم لتصعد لقمة غامضة بدرج حجري لولبي حتى تلقى القائد الطيب الأسطوري “لوك سكايواكر” (الممثل مارك هاميل) لتقوم بإهدائه سيف والده الضوئي… هكذا ينتهي هذا الشريط الحافل بالمغامرات والأحداث والمطاردات والشخصيات، ويستهل الشريط بمشهد يظهر فيه الممثل القدير العجوز “ماكس فون سيدو” وبدور قصير معبر ومؤثر!
خفايا التصوير والإنتاج:
تدخل لهذه السلسلة السابعة شخصيات جديدة هي “فين وراي وبودامرون” بالإضافة للشخصيات القديمة، وقد تمت الاستعانة بجورج لوكاس كمستشار مرجعي، وقد قارن النقاد هذا الفيلم بالنسخة التي اطلقت بالعام 2005، كما أثنوا على الأكشن وتنوع الأدوار والدراما العاطفية الشيقة، علما بأن النسختين الثامنة والتاسعة ستطلقان بالعامين 2017 و2019 تباعا… تم تصوير المشاهد الطبيعية في أيسلندا، كما بايرلندا واستديوهات ديزني وأبو ظبي بالإمارات، حيث تم بناء محطات فضاء وابراج وأسواق، كما تم التصوير بجزر “سكيلنغ ميشيل” على الساحل الايرلندي، وصورت مشاهد بالقاعدة العسكرية البريطانية “بيرك شاير” بالقرب من غابة الصنوبر في “جرينهام”، وكذلك تم التصوير في استديوهات “بلاين وود” حيث تم بناء عدة سفن فضائية…
انطباعات نقدية:
قام المخرج “جي جي أبرامس” بإظهار العظمة المشهدية القابلة للتصديق، وربما حقق هنا فيلما مذهلا بكل المعايير السينمائية كأحسن فيلم بالسلسلة، وربما كواحد من أحسن عشرة أفلام للعام 2015، وانغمس بأسلوب سرد سينمائي “كاريزمي ومدهش”، مقدما المتوقع وغير المتوقع، وبكم كبير من الفكاهة والطرافة والسخرية، كما الميلودراما والزخم والطاقة، محدثا توازنا سينمائيا وتنوعا سرديا شيقا، كما يجب التنويه ببراعة التصوير والمونتاج، وواقعية الأحداث التي تتضمن مخلوقات فضائية غريبة مع مهارة تنفيذ المعارك والمطاردات وتصميم الانتاج، كما لا يمكن إغفال الطابع “الأخاذ” المميز للموسيقى التصويرية المصاحبة للأحداث من تأليف الموسيقار العبقري (جون وليامز)… كما يتضمن الشريط مشاهد سيريالية طريفة لمخلوقات “غريبة وبليدة” (صوتا وشكلا)، يشبه بعضها “وحيد القرن” و”فرس البحر”، وتظهر مسوخا بشرية مثل الانسان القرد “وماز” القرصانة ذات الألف عام تتصرف جميعها “بظرافة وبلادة وغرابة”، كما ضرب كالعادة على معزوفة النازية المكررة بعدة أفلام “خيال علمي”، فشاهدنا “تجييشا نازيا” لجحافل ” المنظمة الأولى” ضد “المقاومة الجمهورية”، وتماثلا مع حركة الذراع الممتدة بقوة للأمام… وشاهدنا “مخلوقات أفعوانية” مكررة بالعديد من أفلام الخيال العلمي… ولاحظت اختلافا فريدا بطريقة تصميم الطائرات المقاتلة ما بين “المنظمة الأولى” و”المقاومة الجمهورية”، وهناك العديد من المناظر الخلابة لتسارع المركبات الفضائية بسرعة الضوء لاقتحام المجرة، ولكتل نارية هائلة ناتجة عن استغلال طاقة الشمس للشحن الضوئي، كما لا ننسى منظر “نجمة الموت الخارقة”… كما نلاحظ التجديد العصري المبتكر لأسلحة تقليدية “كالسيوف والقوس والنشاب” بالإضافة للأسلحة والمتفجرات والقنابل والصواريخ الحديثة. كما يطلعنا الشريط على نمط مستقبلي جديد من “الدراجات السريعة ذات النفث الهوائي”، ويعلمنا استخدام “تقنية التخمر الحراري” لصناعة الخبز اليومي بسرعة، كما نلاحظ بزات الجنود المعدنية المتطورة، ويقدم لنا صورة واقعية طريفة للتطور المذهل بصناعة الروبوتات، والتي ستتمتع بذكاء “إلكتروني- ذاتي وعاطفي” قد يؤهلها (في بعض الحالات) لتكون بديلا مقبولا للحيوانات الأليفة كالكلاب مثلا!
تكمن فرادة هذا الفيلم الملحمي في تسويقه لنوع جديد من الأبطال العاديين البسطاء، اللذين لم يسعوا أبدا “للبطولة والمجد”، والذين وضعتهم الصدفة بهذا الطريق، ابتداء من “راي” التي تفتش عن الخردة وتبيعها بأسعار بخسة لكي تعيش لوحدها في كوكب صحراوي قاحل مع “مسوخ بدوية انتهازية قاسية وحيوانات غريبة سيريالية غبية”، ثم مرورا بالنجم الثاني “فين” الجندي “الأسمر” الحساس الهارب من “طغيان وأوامر المنظمة الأولى” والذي يجد نفسه متورطا مع “راي وروبوتها الطريف”، حيث يضطر مجبرا لإطلاق القذائف والصواريخ من طائرات حديثة للهروب والنجاة من بطش “المنظمة الاولى”، كما تجد “راي” نفسها مضطرة لقيادة “مركبة فضائية” للهروب مع “الروبوت” الظريف الذي يحمل بذاكرته خارطة الطريق التي تقود لدليل النجاة… ولا يمكن إغفال “الحس التسويقي” الذكي المتمثل بالعلاقة الرومانسية “النظيفة” بين “راي وفين” (كفتاة بيضاء وشاب أسمر)، كما ببساطة الشخصيات وطبيعة مهنتها المتواضعة كما أسلفت ببداية الفقرة، ناهيك عن “طرافة وظرافة” الروبوت الكروي (الذي يذكرنا بأبطال أفلام التحريك)، وكل ذلك سيساعد بالتأكيد على نجاح الفيلم تجاريا بتوجهه للعائلات والكبار والمراهقين والأطفال على حد سواء!
كما يحفل الفيلم بالكثير من الأقوال والحكم المجازية مثل: “لن يعود أحد من الماضي” “والضوء سيقودك”، ” انظر ماذا فعلت بك الشيخوخة”، ثم: “تعرف النساء دوما الحقيقة” وقوة “الجيداي الحقيقية” “ولتكن القوة حليفتك” ثم بالاستخدام الفعال لطاقة التخاطر كسلاح في المستقبل، كذلك بالتنويه المكرر لأثر “القوى السحرية والظلامية”!