خلاسيّ النجوم


*خزعل الماجدي

انصرفنا إلى الغيبِ نزرعهُ ورداً في صالات بيوتنا وفي الشوارع،

وهي تنشج، في الرحيل وفي العود مثل نجمٍ محطّم في اليدين،
مثل مرآتنا تتشظى وتتركنا في كِسرها دائخين.
كيف ستمضي أيامنا؟ كيف سيلمحنا ربّ العذاب الذي ما زال
يرعى طريقنا؟
من قريبِ نرى طوفانها يتسلل تحت أسرّتنا وفي أكوابنا.
ليكن ذلك الغراب الطوطمي، ليكن مخلّصي ما دام الحمام
مذبوحاً على الأرض ومحترقاً في السماء.
انصرفنا إلى المخلّص )غودو ( الذي كان يعود لنا كل مرةٍ
بالمزيد من الموت والجثث
متى يبيض هذا الغراب؟ وهو خلاسيّ النجوم أتحرى به الزمان
ويتداوى به ترابي، ماذا يجد في هذه الزوابع المرّة وكيف يتفتق
هذا العاثر المسحوق بالعمر، هنا السماء وأسماك النهر،
وأسماك جسدي.
اللطخة الكبرى للوجود على جلدي.
وأنا هنا في مهبّ الرياح
أشاهد مصيري متدفقاً:
•أدخل في كتابي من ثقب الإبرة واستقر في هوامشه.
•في البحر تعلوني الأتربة ومائي حلو يصب في نهر.
• خُفّي مصنوع من الزجاج فكلما تعثر بحجرك تهشّم
•السحب شياه يحرسها القمر.
• سقطت زهرة النوّار في حضني وجرحتني.
• طريق الشمس تفرشه المعادن وتجوبه الأسود
•أواه يا مصيري.. كم أنت بارد؟
صار يومي جثةً
لبن فخذيها يكاد يسيل بين أصابعي
أطمسُ في الورد ونهار من العشب يحكّ شفاهي
هذا طرازي وقمح يدي ولي معراجٌ وهذه علاماتي تدثر النهر
والفراشة.. وليلكِ المجعّد الأزرق.
سعدانات تقفزُ على عرشي وحوضي
صار يومي جثةً لا يمكنني أن أحمله أو ألوّح به.
ماذا تريدون إذن ولي ما لآلهتي ضعفٌ وزمان سحيق وهيكل
ونحنُ جميعاً في هيئة النسر نتفصّصُ ونحكّ إيقونة الشمس
في صخور الخلجان والطلعُ يصعد لعيني وأنا أهمّ بفرس البياض
وبنبض الفاتحة.. وأنا التمساح الرابض.
القيامة تهرش الشرار في جسدي وآسي
لذلك يتقطّر الخبز في فمي وتنزفُ غيوم النبيذ الحامض
في عيوني ورئتي.
ماذا سيطفئ الحرس؟ وكيف ستنطفئ عصبة الموسيقا في
المصادفة؟ وكيف سيغزل السمك عريشته في الفصِّ؟ كيف
سيسدُّ الأجنّة نورٌ وتلك الآفاق تفتح أمامي اختراق الكلام والنوم
والسهر.
ماذا في الماء غير ذبول مزاميري؟
ما أن قام بورده الكثير وبورقه الهاطل
حتى ظهرت حيوانات الأفق
ماذا في الماء غير ذبول مزاميري في مراتع الزمان.
كانت الينابيع تطفحُ بالزوارق والأختام..
وكان أكلةُ النار يبكون في حقولي
امتلأ طريق الشمس بالمعادن والأسود
أمشي وتطريز صدري بالذهب يشغلني
أمشي وعتلة الشهوة تضربني عند كل منعطفٍ وتحت كل فيء
وأنا هنا أسكن في أجنحة الطيور
وأصلّي لجدول الحرير وأشيل طراز النجوم
هذا الزمن الذي يتمايل
الناهض الكابي في المعاني
الذي لا نواة له ولا غلاف
كنتُ أمنيّكَ أيها الجمال بثوبي الثريّ يشمخ على هذه الديكة
وأنت المعشوق الذي هو التيه الكبير والقرابين التي سفحت
لنفسها مرح الجرار وقوى الأنوثة.
أنت معي أيها الالتباس الفخم الواقف في هذا الأسل ترمز لي
صافياً لا يهزكَ خمرٌ أو دهر.. وفي كل عروشي تتلألأ.
تحطّم تمثاله في المياه
كلُّ شيءٍ هائمٌ وحزينٌ
ليس هناكَ سوى كلامٍ عتيق
ورغبات يغلّفها الزجاج
هذا رماد الأماني مثل كرةٍ سوداء من الصوف
أتحسس بردَ الفراش وترتجفُ كتبي
لم تكن غير وهلةٍ وتداعى الخريف
خبرَ بذورَ قلبهِ وغنى طويلاً
عششَ في يديه وكان زجاجٌ ورملٌ
مثل شمس القبلات الأخيرة
تحطّم تمثاله في المياه
وغاصت جذور أصابعه في الجحيم
مثل رمحٍ حزين
جلسَ في نعشهِ وانتظرَ الدودَ يأتي إليه
ولكن الدود لم يأتِ
يا لها من نهاياتٍ غير مكتملةٍ!!
في خطوط يديه تداعت أيامه
هذا القلب الشجاع من أجل الخبز
ومن أجل حريةٍ بحجم الكون
وطنهُ يخترقهُ الرصاص من كلِّ صوبٍ
وأعوامه مثل شراعٍ مثقوبٍ
ينبّهُ وردةً لحضورهِ
ويخفقُ مثل فراشةٍ دون جدوى
لم يفق منذ يومين من خدرٍ وأنينٍ
حزنه مثل صفّ حديد
وضبابٌ يغلفهُ من جميع الجهات
أواااه…
هل هذه هي النهاية؟
_______
*الصباح الجديد

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *