د. محمد عجلان*
خاص ( ثقافات )
التقدم الهائل الذي وصلت إليه البشرية اليوم، لم يظهر – طبعاً – بين يوم وليلة.. إنما جاء من تراكم هائل للخبرات والمعلومات والرؤي والنظريات والأبحاث، التي توارثتها الأجيال جيلاً بعد جيل.. وقرناً بعد قرن..
في هذه المقالة، نستعرض معاً الكتب العشرة الذي أثرت في تاريخ (البشرية) بشكل كامل.. نتحدث هنا عن الأصول.. أمهات الكُتب كما يُسميها البعض، التي ارتكزت عليها الحضارة الإنسانية، وقامت بالبناء عليها والتطوير فيها، حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه الآن..
هذه الكُتب العشر ليست من اختياري أنا طبعاً.. بل هي نتيجة إجماع عدد من كبار المُفكرين والعلماء على عدد مُعين من الكتب، اعتبروها أصل العلوم الإنسانية والطبيعية والتقدمية، التي تستخلص منها البشرية دائماً وحي التجربة الأولى..
باختصار.. هي الكتب العشرة الأساسية – غير الكتب السماوية – التي لو لم تكُن قد وجدت.. بالتأكيد لم نكن لنعيش بالطريقة التي نعيشها الآن!
الكتاب الأول: الأميــــر – ميكيافيللي
هذا الكتاب من أكثر الكتب ذائعة الصيت والتأثير في الوعي الإنساني، خاصة إذا تعلق الأمر بالنظام السياسي والإداري وشؤون الحُكم..
وعلى الرغم من سُمعته السيئة لدى الكثيرين من الناس بمُختلف ثقافاتهم، خصوصاً مبدأ (الغاية تُبرر الوسيلة) التي أسسها ميكيافيللي، والتي أصبحت مُرادفاً للانتهازية على مر العصور.. فإنه يبقى تراثاً إنسانياً احدث نقلة هائلة في نُظم الإدارة والحكم وتأسيس الدول..
الكتاب تم تأليفه في العام 1513، وصدرت طبعته الأولى في العام 1532، أي في فترة القرون الوسطي المُتأخرة.. وكان ميكيافيللي يهدف من خلاله نقل خبراته السياسية في الإدارة والحكم إلى الأمير (لورنزو دي ميديتشي)، ليعلمه كيف يصل إلى السلطة ويحتفظ بها..
فيما بعد تم الاعتماد على هذا الكتاب بشكل كبير من قبل الدول الأوروبية في أساليب الحُكم والإدارة، ولا يُمكن لأحد إلى يومنا هذا – حتى مُنتقدي الكتاب – أن يُنكر دور ما جاء فيه من نصائح وتوجيهات في مُنتهي الدهاء والذكاء السياسي، ما زال حتى اليوم بعض الساسة ينتهجون هذه القواعد، وتؤتي ثمارها على أفضل نحو ممكن!
الأميـــر.. كتاب غيّر نظم الحُكم والسياسة في العالم أجمع بلا شك..
غيّرها إلى الأفضل أو الأسوأ.. هذا الحُكم متروك لك أنت!
الكتاب الثاني: المبادئ – إسحاق نيوتن
هذا الكتاب تم الاتفاق عليه أنه من أعظم الكتب التي أنارت تاريخ البشرية على الإطلاق، ويُعتبر هو النواة الأولى للطفرة العلمية الفيزيائية والرياضية، التي اعتمد عليها سائر العلماء والفيزيائيين والرياضيين في كافة اكتشافاتهم واختراعاتهم العلمية إلى يومنا هذا..
“المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية ” للسير إسحاق نيوتن.. واحد من أعظم شخصيات التاريخ الإنساني، واعتبره البعض زينة للجنس البشري.. حتى أن كتاب (أعظم 100 شخصية في التاريخ) وضعه في المرتبة الثانية مباشرة، بعد الرسول العظيم سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم!
نيوتن كتب هذا الكتاب باللغة اللاتينية حتى يتجنب الجدال العقيم مع غير المُتخصصين – لأنه كان ضيق الأفق جداً! – وهو الكتاب الذي وضع فيه قوانين الحركة الثلاثة الشهيرة التي يعرفها اليوم طلابنا في المدارس الثانوية، والتي استطاع من خلالها تفسير كل ما هو معروف عن الحركة في الكون، وتحليل الظواهر الميكانيكية الطبيعية تحليلاً مُتناهياً في الدقة!
هذا الكتاب العبقري جعل عدداً كبيراً من العلماء – من الذين عاصروه والذين جاؤوا بعده – يتذمرون من نيوتن لأنه ” لم يترك لهم شيئاً يشتغلون به! ”.. حتى أن أحد العلماء الفرنسيين الكبار (بيير دو لابلاس) قال عنه:
” إن نيوتن كان محظوظاً مرتين.. المرة الأولى لأنه كان يملك قدرة هائلة لاكتشاف أساس الكون فيزيائياً.. والمرة الثانية لأنه لا يُمكن أن يكون له منافس أبداً.. لأنه لا يوجد سوى كون واحد فقط يُمكن اكتشافه ”!
الكتاب الثالث: النسبية – ألبرت أينشتاين
النظرية التي سمع عنها الجميع تقريباً، ولا يوجد أحد في العالم – مهما كانت ميوله الثقافية – لم يسمع عنها، ولكن أغلب من سمعوا عنها لا يفهمونها!
ولكن فهم الفكرة العامة لها كاف جداً للغير متخصصين طبعاً..
نشر العبقري أينشتاين بحثه عن النظرية النسبية العامة في العام 1916، بعد عشر سنوات كاملة من التفكير والبحث، فتوصل من خلال نظريته تلك إلى العلاقات الأساسية للكون وقام بربطها ببعضها البعض..
النظرية النسبية هي باختصار شديد واحدة من أهم وأبدع النظريات التي توصل لها الإنسان من خلال عقل ألبرت أينشتاين، الذي كان غريب الأطوار جداً كما يعرف الجميع، ولكن – عادة – ما يكون غريبو الأطوار هم العباقرة الذين يُساهمون في نقل البشرية جمعاء إلى الأمام..
المكان بأبعاده الثلاثة.. والزمان كبعد رابع.. ومركب (الزمكان) المُرتبط مع سرعة الضوء.. وهدم نظريات تقليدية، وإطلاق الحياة في نظريات أخرى كان يعتبرها الجميع نظريات خاطئة وفاشلة!
كل هذه المُتع العلمية – المُعقدة طبعاً – تجدها في كتاب لواحد من أعظم العباقرة الذين أنجبتهم البشرية على الإطلاق.. ألبرت أينشتاين!
الكتاب الرابع: أصل الأنواع – تشارلز داروين
هذا الكتاب تحديداً، يعتبر من أكثر الكتب التي أحدثت ضجة هائلة في عصره، استمر تأثيرها حتى يومنا هذا، ربما لاصطدامها جزئياً بالموروثات الدينية..
” أصل الأنواع ” الكتاب الشهير الذي ألفه العالم داروين في العام 1859، يعتبر – بعيداً عن النقاط المثيرة للجدل – أحد أبرز الأعمال التي أثرت في علم الأحياء التطوري بشكل هائل، فضلاً عن كونها حجر الأساس للعقلية الأوروبية البحثية والفلسفية، والتي امتدت حتى يومنا هذا..
وصف أحد كبار العلماء – توماس كون – نظرية التطور بأنها نموذجاً للثورة العلمية الحديثة، لأنها في نظره ليست مُجرد نقلة علمية تقنية شهدها العالم، بقدر كونها تأصيلاً لمنهج جديد في التفكير، وتغييراً جذرياً في العديد من المفاهيم العلمية والإنسانية والفلسفية والوجودية..
لذلك، صنف العديد من علماء العصر الحديث كتاب ” أصل الأنواع ” الذي استعرض فيه داروين نظريته للتطور، بأنه في أهميته يعتبر رأساً برأس مع كتاب نيوتن ” المبادئ”، بل واعتبر البعض نظرية التطور أكثر أهمية من النظرية النسبية لألبرت أينشتاين، لأنها جمعت بين القفزة العلمية من ناحية، ونظرة الإنسان إلى هويته من ناحية أخرى..
نظرية التطور – بلا شك – أحد أهم وأعقد النظريات المُثيرة للجدل، والتي – سواء قبلتها أو رفضتها – لا يُمكن أبداً تجنبها أو تنحيتها جانباً، لما جاءت به من أدلة وبراهين علمية ومنطقية دقيقة..
الكتاب الخامس: كفاحي – أدولف هتلر!
كتاب غني عن التعريف طبعاً، ألفه الديكتاتور الألماني الأشهر في تاريخ البشرية ”أدولف هتلر ” وهو في السجن، ونُشر في العامين 1925 و1926.. وهو عبارة عن خليط مجنون من خطط هتلر الطموحة، وسياساته التوسعية ونظراته السياسية، فضلاً عن سيرته الذاتية..
الكتاب كان عنوانه الأصلي الذي اختاره هتلر له هو: ” أربع سنوات ونصف من الكفاح ضد الأكاذيب والغباء والجبن ”، إلا أن الناشر اقترح عليه تسميته ” كفاحي ” كعنوان أفضل للكتاب.. وهو ما كان..
وقد اعترف الكثير من الساسة الأوروبيين أنهم كانوا في منتهى الحماقة والغباء لأنهم لم يقرؤوا هذا الكتاب، أو لم يقرؤوه بالجدية اللازمة، لأنهم أدركوا فيما بعد أن الكتاب ببساطة كان يضم كل خطط هتلر ورؤيته السياسية والاستراتيجية، والتي نفذها حرفياً خلال الحرب العالمية الثانية!
زعامة تقترب من التأليه.. سُلطة مُطلقة.. إرادة ذاتية بمثابة قوانين للحزب الحاكم والدولة.. نظرة سياسية دكتاتورية شمولية كاملة.. عنصرية.. عرقية.. السيادة للأقوى.. حق القوة وليس قوة الحق!
هذه هي أفكار هتلر المجنونة التي وضعها على الورق في كتابه الشهير.. والتي نفذها على أرض الواقع بعدها بعدة سنوات..
والمحصلة: أكثر من 60 مليون قتيل في أعنف حرب شهدها التاريخ الإنساني.. أي حوالي 2,5 % من إجمالي تعداد السكان العالمي وقتها!
الكتاب السادس: ثروة الأمم – آدم سميث
كتاب حمل نواة الفكر الاقتصادي الرأسمالي العالمي، الذي استطاع تغيير النظريات الاقتصادية التقليدية إلى مفاهيم الاقتصاد الحر..
الكتاب يستحيل ألا يتعرف عليه أي مُهتم بعلم الاقتصاد، لأنه ببساطة شديد ” أبو الاقتصاد الحديث ” بالمعني الحالي العصري، وأحد الأسس الرئيسية التي قام عليها الاقتصاد الليبرالي العالمي المعاصر..
آدم سميث الاقتصادي الاسكتلندي البارز، الذي عاش في القرن الثامن عشر، اعتبر أن ثروة الأمم تُقاس بقدراتها الإنتاجية في الأساس الأول، وأن الإنتاجية – كمقياس للثروة – يُمكن مُضاعفتها بتقسيم العمل، على عكس الموارد الطبيعية..
نظرية سميث تطرقت بشكل موسع إلى توزيع الثروات على المجتمع، ووسائل تنظيم التجارة وتقسيم العمل، فضلاً عن نظرياته في حرية السوق، والعلاقة بين السوق وتنظيم العمل ودور الدولة، وطرق دفع الحركة الاقتصادية وتشجيع الاستثمار، وغيرها..
ثروة الأمم.. كتاب قامت على أفكاره نظم اقتصادية كاملة، تطورت تدريجياً حتى وصلنا إلى معاني الاقتصاد العالمي والرأسمالية والاقتصاديات الحرة والعولمة، وغيرها من المفاهيم المترابطة..
الكتاب السابع: رأس المال – كارل ماركس
أحدث هذا الكتاب ثورة عقلية واقتصادية واجتماعية كبيرة جداً، أدت لانشقاقات عقائدية وحروب باردة طالت نحو نصف قرن من الزمان.. وتحول اسم مؤلفه (كارل ماركس) إلى مذهب سياسي واجتماعي واقتصادي وديني هو (الماركسية)!
الكتاب يعرفه الكثيرون.. ولكن قليلون جداً هم من قرؤوه..
الكاتب الألماني العظيم، الذي عاش في القرن التاسع عشر، تناول في كتابه هذا العلاقة بين المنازعات الاجتماعية والإنتاج الرأسمالي، ورؤيته لمعني التطور الصناعي للبلدان، وتحليل البضائع، والاقتصاديات السياسية لرأس المال، وقوي البيع والشراء، والعديد من المفاهيم السياسية والمجتمعية والدينية والاقتصادية..
يجب أن أقول إن الكتاب مُعقد جداً على أفهام الكثيرين، ويجب أن يكون لدى القارئ الصبر والحس النقدي والتحليلي الذي يؤهله لقراءة هذا التصورات..
الكتاب الثامن: المقدمة – ابن خلدون
هذا الكتاب الذي ما زال حتى يومنا هذا رمزاً لعبقرية الحضارة العربية الإسلامية، والذي يحمل في طياته تأصيلاً مباشراً لعلم الاجتماع أو السوسيولوجيا، وأتى فيها بما لم يستطع أحد من قبله أن يأتي بمثله..
ابن خلدون العالم العربي المُسلم، الذي كان – كأغلب العلماء العرب المسلمين – موسوعة علمية وثقافية متنقلة تسير على قدمين، فقد كان فلكياً واقتصادياً ومؤرخاً واستراتيجياً وعالماً للرياضيات وفيلسوفاً.. ولكنه اشتهر أكثر بكونه مُؤسس علم الاجتماع..
مٌقدمة ابن خلدون جعلت الكثيرين ممن جاؤوا بعده يجدون صعوبة بالغة في الزيادة على ما وصل إليه في كتابه القيّم.. لهذا السبب – وغيره – يحتفي به العالم أجمع احتفاءً شديداً حتى يومنا هذا..
الكتاب التاسع: تفسير الأحلام – سيجموند فرويد
الكتاب الذي يُعتبر التنظير العلمي الأساسي والأشهر في علم النفس، نظراً لشهرة ومكانة مؤلفه الطبيب ” سيجموند فرويد ” بين علماء عصره..
وضع فرويد في كتابه ” تفسير الأحلام ” العديد من النظريات النفسية، التي تُعد الآن مرجعاً رئيسياً لكل المشتغلين في الطب النفسي أو المجالات ذات الصلة بعلم النفس، والتي حاول من خلالها الوصول إلى تفسيرات علمية قاطعة لماهية الاحلام وكيفية تفسيرها نفسياً..
الكتاب مليء بالمُفردات العلمية النفسية المُعقدة التي تُساهم هي ذاتها في جلب كل الامراض النفسية الممكنة إليك أثناء القراءة! فضلاً عن كون الرجل مُقتنعاً تماماً أن ”الجنس ” هو السبب الرئيسي في كل المشاكل النفسية التي يُعاني منها الإنسان!
كتاب ” تفسير الاحلام ” لسيجموند فرويد.. كتاب أضاف الكثير جداً – بلا شك – لعلم النفس الإنساني، بشكل يجعله – عن جداًرة – واحداً من أكثر الكُتب تأثيراً في تطور البشر..
الكتاب العاشر: دورة الأفلاك السماوية – كوبرنيكوس
يُمثل هذا الكتاب بداية الانقلاب الكامل على النظريات الفلكية التقليدية، التي كانت سائدة في ذلك الوقت، بأن الأرض هي مركز الكون، وأن الأجرام السماوية بما فيها الشمس هي التي تدور حول الأرض..
” كوبرنيكوس ” أحد أهم وأعظم العقول البشرية، التي ساهمت في إطلاق علم الفلك بمنظوره الحديث، عندما أثبت أن الشمس هي مركز المجموعة الشمسية، وان الأرض والكواكب الأخرى هي التي تدور حولها، وليس العكس..
اصطدم طبعاً كوبرنيكوس بطرحه هذا مع العقل الجمعي الرجعي الذي كان سائداً في أوروبا هذه الفترة من القرن السادس عشر، فضلاً عن الاتهامات بالزندقة والتكفير والتشكيك في المسيحية، وغيرها من الاتهامات التي كانت سائدة وقتئذ في أوروبا..
من قرأ الكتاب علّق عليه أنه متعة حقيقية عندما تجد عقلاً نشطاً ذكياً يحطم القيود التقليدية التي كانت سائدة في ذلك الوقت، ويُعمل عقله في موضوع كان يتعامل معه الجميع كأمر مُسلّم به تماماً ولا يقبل النقاش أو الشك..
كتاب دورة الأفلاك السماوية للفلكي العظيم كوبرنيكوس، يُعتبر هو المفتاح الرئيسي لعلم الفلك بمعناه الحديث بلا أدنى شك.. لذلك استحق طبعاً أن يكون من ضمن الكتب العشرة التي أثرت على البشرية!
* باحث أكاديمي.. كلية الآداب.. جامعة الإسكندرية.