” واحِدٌ مِصْرِيٌّ “.. حِينَمَا نَجَح وَلِيْدُ عَلاء الدِّيْن فِي إقْنَاعِنَا بِتأوِيْلِ دَهْشَتِه




*الدكتور بليغ حمدي إسماعيل


خاص ( ثقافات )
مُفْتَتَحٌ إِجْبَارِيٌّ : 
إلى أين تأخذنا إحداثيات وتفاصيل الكتابة عند وليد علاء الدين ؟ بالقدر الذي يسهب فيه شاعرنا الذي التحف برداء الناثر عبر مقالاته السردية غير المكرورة ولا المملة رغم سمات فن المقالة ،ى بالقدر الذي دفعنا فيه كتاب ” واحد صحيح ” للكاتب المصري وليد علاء الدين إلى دهشة التأويل من ناحية ، وقراءة أعمق لمشاهد الماضي الاجتماعي والسياسي القريب من ناحية أخرى ، لاشك أن وليد علاء الدين في كتابه ” واحد صحيح ” قرر البوح مستقلا ـ من ناحية الشكل فقط ـ عن رداء القصيدة الشعرية التي امتاز بها ، واختار لنفسه دورا جديدا استثنائي هو أن يكون صوته صوتك أنت ! .
_____________

النَّثْرُ .. كَيْفَ السَّبِيْلُ إلى الهُرُوبِ مِن سَطْوَةِ الشِّعْرِ ؟ 
النثر فضيحة الشعراء ، هكذا تتجسد المقولة في نثريات الشاعر الاستثنائي وليد علاء الدين في كتابة الأكثر تميزا ( واحد مصري ) الصادر مؤخرا ، لأنه مهما حاول أن يبدو كاتبا نثريا ينقل عباراته بصورة سردية إلا أن شاعريته التي تتسم بالطلاقة والسلاسة تفضح سرده ، ولربما ساعدت هذه الشاعرية في اقتناص لحظات طويلة من انتباه القارئ والتفاته للموضوعات التي اشتمل عليها الكتاب ، ومنذ الإطلالة الأولى الخاطفة لعناوين تلك الموضوعات يستطيع القارئ العادي أن يستقرئ الملامح الشاعرية بسهولة ويسر ؛ كون عناوين الموضوعات ترتكز على تعريف جوهر البلاغة بأنها لمحة دالة ، مما يثير فضول القارئ لممارسة أمرين ؛ الأول أن يباغت عينيه وأصابعه بالانتقال مباشرة لقراءة الموضوع الذي استلبه واقتنص فضوله ، الأمر الثاني وهو الأدهش أن تلك اللمحات الدالة المتمثلة في عناوين موضوعات الكتاب ساعدت القارئ في أن يستحيل شريكا أساسيا ورئيسا في النص ، بل ويمكنه أن يضيف في ذهنه سياقات جديدة قد تتوافق أو تختلف مع المادة المكتوبة .
ولعل من أبرز أسباب نجاح كتاب ” واحد صحيح ” أن كاتبه المتميز نجح في إقناع قارءه بممارسة استراتيجيات القراءة الحديثة النشطة حيث يضمن القارئ لنفسه مكانا متميزا وفاعلا داخل النص المكتوب بدءًا من تأويل العنوان / المواضعة ،انتهاء بتكوين رأي مستقل عن الموضوع ذاته .
_________________
شَرَاكَةُ العُنْوَانِ بَيْنَ القَارِئِ والكَاتِبِ : 
هذا المفتتح يجعلنا نقفز سريعا صوب المواضعات التي جرى تسميتها بالاتفاق النقدي ( العناوين ) فنجد أكثر من عنوان متميز يقبع طوعا في كنف اللغة الشاعرية ، من مثل هذه المواضعات لا مَحيص… على الأزهر أن يتفنن! ، لماذا يتابعني أينما سرتُ.. صوتُ الكمان! ، تدوينات على هامش الثورة ، وغير ذلك من العناوين التي تثير ذائقة أهل اللغة لمعرفة مضامينها . 
وبنفس القدر الذي امتاز به وليد علاء الدين في كتابه ” واحد صحيح ” لاستقطاب المهمومين بالشاعرية اللغوية ، استحق الثناء والإعجاب حينما أجاد بكفاءة اللعب على الوعي الشعبي اللغوي للمواطن / القارئ ، هذه الإجادة يمكن توصيفها في استخدام لغة الشارع غير البذيئة والتي تجد صدى واسعا وقبولا وانتشارا في التداول مما جعل اسم الكتاب نفسه ليس بغريب أو مستوحش لدى القارئ ، فاسم ” واحد مصري ” يشعرك من البداية بحميمية أكثر صوب الكتاب وموضوعاته ومن ثم الكاتب نفسه مما يؤدي في نهاية الأمر إلى إقناع القارئ بأنه مالك النص وحده وهو سر نجاح وليد علاء الدين ، وأعتقد أنه استغل قدرته الشعرية في تحقيق هذا الهدف ، فالشاعر دوما يعبر عن حالة وجدانية استثنائية بتجربته الشخصية ، لكن وهو يخط الشاعر ـ أي شاعر ـ هذه التجربة يعي تماما بأنه لم يعد مالكا أصليا للنص فور نشره ، هذه الفكرة أعتقد أنها سيطرت على ذهن الكاتب والشاعر وليد علاء الدين وهو يخط كتابه ، فوجدنا عناوين مثل ” سلامتها أم حسن ” ، ” حفني أفندي ملك التوك شو ” ، ” لا عمدة نافع ولا شيخ بلد ” ، وهذه العناوين دونما شك من مفردات المعجم الشعبي المصري التي من خلالها يمكن أن تحدث عملية الاتصال اللغوي بكفاءة وفعالية . 
_________________
اِسْتِنَارَةُ الكَاتِبِ وحَالَةُ الوَعْيِّ المَعْلُومَاتِي: 
ليس مشكلة في أن تستحيل كاتبا ، فالمفردات والألفاظ مطروحة على قارعة طريق اللغة ، لكن الأصعب أن تكون ذاك الكاتب القارئ ، وهذا الدور المزدوج يجعل الكاتب كرها ملتزما أمام قارئيه في أن يقدم لهم قدرا معرفيا ومعلوماتيا مهما يشارف اكتمال ثقافة الآخر الذي يجد ملاذه المعرفي عند كاتبه ، هذا الدور قام به وليد علاء الدين في كتابه المتميز ” واحد مصري ” ، وكبار الكتاب من أمثال توفيق الحكيم ويوسف إدريس وأدونيس ويوسف الخال ومحمد الماغوط مرورا بالاستثنائي محمود درويش وجمال الغيطاني وواسيني الأعرج وأحلام مستغانمي وغيرهم كانوا يمررون قدرا معرفيا مذهلا عبر سياقاتهم النصية الإبداعية أو السردية مستهدفين خلق حالة من الوعي المعلوماتي لدى القارئ الذي اختلف دوره عن السابق بعد أن استحال شريكا فاعلا في النص غير هذه الشراكة الباهتة التي أشار إليها ( رولان بارت ) بإعلان موت المؤلف .
والكاتب الشاعر وليد علاء الدين استطاع أن يوفر هذا الوعي المعلوماتي لدى قارئه الأمر الذي يدفعنا بأن نجعله في زمرة الكتاب الحجاجيين اي الذين يمتازون بإقامة الحجة عن طريق تدعيم الطرح الفكري بطروحات فكرية وفلسفية ذات شراكة متماثلة بعض الشئ . يبدو هذا الطرح المعلوماتي في تفاصيل المشهد السردي للكتاب والذي نجح الشعر بقوالبه أن يفرض سطوته وقوته القمعية في إحداث التأويل والإمتاع ومن قبلهما الدهشة لدى القارئ من خلال الصورة والتصوير الفني لأحداث تبدو سياسية محضة ، وفيها يدعم وليد علاء الدين طرحه الفكري بأفكار ومساجلات فكرية تؤدلج الدور السياسي للمثقف وأنه ليس بالقطعية تنظيريا أو مكتفيا بالمتابعة بدون المشاركة في صنع القرار السياسي ، وأنه بمثابة أيقونة شرعية للحراك المجتمعي .
ومن البدهي لشاعر ماتع مثل وليد علاء الدين أن ينقل لنا عبر صوره السردية النثرية ملامح ثقافية شتى لشعراء آخرين كصلاح جاهين حينما يريد المزج بين حدث معاصر والحالة الوجداني لجيل سابق لاسيما وهو يتحدث عن مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري الذي انعقد بمدينة شرم الشيخ ، الأمر الذي نجده على الشاطئ الآخر يبدو مغايرا لسمات الكاتب الشاعرية حينما يقرر تناول بعض القضايا السياسية الأكثر رواجا مثل العلاقات المصرية التركية فهو يشير إلى كتابات معاصرة مثل كتابُ “الدولة العثمانية المجهولة” للباحث أحمد آق كوندز ، أو كتاب الشيخ علي عبد الرازق ” الإسلام وأصول الحكم ” ، حينما يقرر الحديث عن دور الأزهر الراهن والمستقبلي في مواجه خطر تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش ) ، مثل هذه الإشارات هي بالطبع خير دليل على استنارة الكاتب حينما يعرض قضيته باحثا عن أدلة شافية وكافية لتبرير عرضه السردي وتدعيم أفكاره المطروحة .
____________
” واحِدٌ مِصْرِيُّ ” كَشَّافُ أحْدَأثِ الوَطَنِ :
ملمح متميز انفرد به كتاب ” واحد مصري ” هو أنه بمثابة كشاف مصري خالص لأحداث الوطن في سنتين متتابعتين هما 2014 ـ 2015 ، ويمكن للقارئ غير المتابع لأحداث الوطن إلا من خلال نشرات الأخبار أو الاكتفاء بمطالعة عناوين الأخبار الصحافية دون التقاط تفاصيلها أن يقنع فقط بما قدمه كتاب ” واحد صحيح ” من عرض وافٍ لإحداثيات الوطن وتفاصيله اليومية بدءاً من السقوط الشعبي للمعزول محمد مرسي انتهاء بالفترة الراهنة وحكم الرئيس عبد الفتاح السيسي ، ولم يغفل الكتاب أيضا أن ينقلنا إلى ماضٍ قريب جدا وهو الانتفاضة الشعبية المعروفة بثورة يناير والتي قدم بعضا من مشاهدها الكاتب الشاعر وليد علاء الدين في صورة قصصية مسرحية أمتعت القارئ وهو يلتقط قدرا من حياة عاشها عن قرب .
____________
*مدرس المناهج وطرائق تدريس اللغة العربية
كلية التربية ـ جامعة المنيا

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *