مناجيات مع كازانتاكي 7 سعادتي هي الزهرة الأسمى ليأسي




لطفية الدليمي


حياتك متطابقة مع ما تكتبه حـد التداخل والتمازج التام – على النقيض من معظم الكتـّاب الكبار- ونعلم انك لم تتحول عن مواقفك بالرغم من جميع المصائب التي حلت بك ، وقد لاقت رفيقة حياتك هيلين او إيليني- كما تنطقونها باليونانية – كثيرا من العنت بسبب إصرارك على ملاحقة المثل الأعلى الذي وضعته نصب عينيك وكنت قد اتفقت معها على ميثاق الايام العشرة التي تلتقيان فيها كل عام بينما تنوب الرسائل الكثيرة عن اللقاء وتستغرق في الكتابة وحيداً مثل أي ناسك في صومعتك ، ولم تتزوجها إلا عندما أصبحت وزيراً للثقافة سنة 1945 وكنت تقول لها :
“بما أنه ليست هناك نقطة نهاية لشيء أبدأه ، سأظل وفياً لك الى الأبد رغماً عنك” وتعترف هيلين ” بأنها أحبت هذا الرجل الفاتن الممتلىء حكمة وأنها أينعت تحت ظلال شجرته المعرفية وأحبته لأنه لم يسعَ أبداً لإثبات تفوقه وترفّعه ولأنه علمّها أن لا تخجل من ضعفها.”
لطالما تمسكت ايها الأغريقي بالمُثل العليا للقرن التاسع عشر وكنت تجهد في البحث عن المثال وترتاد دروبا صعبة وتحج الى مناطق وعرة، وترتضي العيش على كسرة خبز وكأس نبيذ وثمرة من ثمار الأرض ورسالة من ايليني حسب .
– يقول كولن ويلسون انك كنت طوال حياتك تخجل من العيش على التأليف وكنت تميل الى الحياة العملية العنيفة، واعتبر ويلسون هذا الموقف نقصاً في النضج!
– أظنني كنت في منتهى النضج وكنت أجهد نفسي كي اعيش في آن واحد كبرياءَ كل جهد وخلود كل لحظة : كنت اكتب ليل نهار منعزلا ومتمتعا حد الموت بكل كلمة أدونها وهذه هي مكافأتي – كولن ويلسون يتعامل معي باعتباري لا منتمياً، وانا متعدد الانتماءات وكثير الضلالات، أجل كنت أخجل من العيش على التأليف لكنني كتبت عدداً من الكتب المنهجية المدرسية وعشت فترة على ريعها الضئيل وانا مستوحد في مدينتي هيراكليون في كريت ، ولم اكن خجلا من ذلك ..
– تقول ايليني إنك كنت تنام قليلا وتقوم قبيل الفجر تقطّـع أبيات الأوديسة وتعددها على أصابعك وتتركها برهة لتترجم طاغور إلى اليونانية حتى خلال ايامكما العشرة التي تلتقيان فيها – أي جنون هذا؟
– كانت الحرية بالنسبة إلي دائما هي ثمرة الإدراك الإنساني الأشد نبلا ، وآخر أفعال الحب ، كنت احب ايليني أكثر حين أعمل وهي تنام قربي..
– متى كنت تشعر بألق الحب كاللهب يطويك جسداً وروحاً؟
– عندما أرى روحاً باسلة – كمثل روح ايليني- يتملكني احساس مدهش ، اضطرب وأرتبك وأشعر بالجوع والحب معا ، بالجسد والروح معا ،انا لا أهتم بالثروات والهدف والخلاص ، اهتم بالحاجة إلى تأجيج الشرارة ، تلك القوة اللاواعية التي تنطلق من أعماقنا .
– أجد بعض تناقض في اعترافك بأنك لا تجد السعادة إلا في قمة اليأس الأكبر. 
– ذلك لأنني ثابرت من أجل الصعود وملامسة القمة وكان كل شيء حولي منظماً ضدي ، وعندما رأيت كل هؤلاء الأعداء، ضاعفت استعدادي وشعرت بالنشاط والتوثب والحقد والصمت وأخيرا النصر. يظن معارفي وأصدقائي أنني سعيد لأنهم يجهلون كم من الصراعات خضت لأبلغ النصر ولا يعرفون ان سعادتي هي الزهرة الأسمى ليأسي وكرهي لكل ما هو أرضي..
– كيف تصف نفسك ؟
– لست متمرداً رومنسياً ولا متصوفاً منعزلا، انا عاشق الحياة والأرض والإنسان .
يتبع
__________
*المدى

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *