*جورج كدر
إضافة إلى كونها واحدة من أهم المترجمين الألمان للأدب العربي المعاصر، يصفها أصدقاؤها “بالناشطة السورية” لشدة دفاعها عن ثورة الحرية والكرامة التي كان السوريون ينتظرون حصد نتائجها قبل أن يتم خلق “بعبع” تنظيم الدولة.
لاريسا بندر مترجمة صحفية ألمانية مهتمة بالشأن السوري، تتقن اللغة العربية وتدرسها في عدة معاهد بألمانيا، وترجمت رواية “عزازيل” للروائي المصري يوسف زيدان، وسلسلة “مدن الملح” للروائي عبد الرحمن منيف بالاشتراك مع المترجمة ماجدة بركات، وترجمت أيضا “يوميات الثورة السورية” للروائية السورية سمر يزبك، و”مطر حزيران” للكاتب اللبناني جبور الدويهي، وأعمالا أخرى صدرت عن أهم دور النشر الألمانية.
التقيتها في مدينة كولن الألمانية لنقف من خلالها على دهاليز عالم الأدب والترجمة للأعمال الأدبية العربية في ألمانيا، لا سيما ما ارتبط بأدب الربيع العربي، وعن دورها ودور أمثالها من الناشطين في تصحيح الكثير من المفاهيم المغلوطة عن الثورة السورية التي تتعرض لتشويه كبير في الإعلام الألماني خاصة والأوربي عامة.
في ضوء خبرتك الطويلة في عالم الترجمة والنشر الألماني، هل لك أن تحدثينا عن اهتمام دور النشر بالأدب العربي؟
للأسف، أكبر مشكلة تواجه ترجمة الأدب العربي إلى اللغة الألمانية هي عدم الاهتمام به؛ فدور النشر هي من يقوم باختيار الأعمال التي ستترجم، وأنا -في الحقيقة- لا أختار الكتب التي أترجمها، لأن دور النشر في ألمانيا لم تعد تهتم بالنشر بالعربي.
في العشرين عاما السابقة ازداد اهتمام الدور بترجمة الأدب العربي لعدة أسباب، منها: الوضع السياسي في الدول العربية، وتأسيس جائزة “بوكر” العربية، أي من وقت الإعلان عن الفائزين بهذه الجائزة، حيث كان الإعلام الألماني مهتما بهذه الجائزة ويعلن أسماء الفائزين بها، وبسبب ذلك كانت دور النشر تسألني لتقديم كتب الفائزين، أو أن أكتب عن الجائزة أو الكتب، لكن مؤخرا حتى الإعلام لم يعد مهتما بذلك ولا يذكر ذلك إطلاقا؛ ولذلك خف العمل، ومنذ عام وأكثر لم يعد لنا أنا والكثير من المترجمين عمل في الترجمة، وليس لدي أي كتاب لأترجمه أو عقد لترجمة كتاب.
كيف ذلك؟ وعدسات الإعلام موجهة صباح مساء للعالم العربي، فأي سبب يقف وراء هذا الوضع؟
بصراحة أنا لا أعرف السبب، فقد شاركت مؤخرا في مهرجان الأدب العربي في مدينة زوريخ السويسرية، وكان هناك جمهور كبير جدا جدا، وكل الأمسيات كانت ممتلئة، وهناك مكتبة تبيع الكتب، وكان البيع جيد جدا، أي أن هناك اهتماما كبيرا من قبل القراء بالأدب العربي في أوروبا، ولكن أنا أستغرب جدا لماذا قل الاهتمام من دور النشر بهذا الشكل.
هل يكمن السبب في العامل الاقتصادي حسب رأيك؟
بالتأكيد العامل الاقتصادي مهم، فهم يقولون نحن مؤسسات اقتصادية ولسنا جمعيات خيرية، ويهمنا البيع والربح، ولكن الجمهور موجود، لذلك أنا حقا لا أعرف ماذا يحصل، أنا تقريبا من عشر سنوات ليس لدي عمل جيد لترجمة رواية أو كتاب، صحيح أن لدي عملا في ترجمة قصص اللاجئين ورواياتهم عن الحرب والهروب، ومؤخرا بسبب الحرب في سوريا، وهناك الكثير من الشباب المهتمين، لكن دور النشر ما زالت غير مهتمة.
أليس هناك دعم من الحكومة الألمانية لموضوع الكتب والنشر، ويهمها أن تسلط الضوء على الأدب العربي لمعرفة الآخر الذي بات له وجود ملحوظ على الأراضي الألمانية من خلال المهاجرين واللاجئين؟
نعم هناك القليل من الدعم كمنحة لدار النشر التي تريد نشر كتاب مترجم، وهناك مؤسسة ليتفون التابعة لوزارة الخارجية الألمانية لدعم مثل هذه المشاريع وتقدم المنح بهذا الخصوص، وحصلت عليها مؤخرا الشاعرة التونسية نجاة العدواني، لكن إذا قالت دور النشر أنا لا أريد هذا الكتاب لأني أخشى ألا يباع فلا أحد يستطيع عمل شيء بعدها حتى مع الدعم.
حسب قولك ومشاهدتك في سويسرا في مهرجان الأدب العربي هناك اهتمام من الجمهور والقراء والنقاد.. وإذا كان السبب ليس اقتصاديا فقط فهل الوضع السياسي هو السبب؟
لا أعلم ولا أرجح نظريات المؤامرة، لأن الوضع السياسي كان منذ القديم هو السبب الأهم في الترجمة من العربي. فمثلا زاد النشر بعد أحداث سبتمبر/أيلول 2001، لكن الآن الأمر معكوس، هناك دار نشر سويسرية مشهورة، اسمها لينوس، ترجمت كتبا كثيرة، لكنها مؤخرا تبحث عن شيء مختلف في الأدب العربي مثل الروايات الخفيفة، لا سيما البوليسية، ومنها روايات للكاتب أحمد مراد.
أنا ترجمت كتبا لكاتب يعيش في برلين منذ ثلاثين عاما، ولم يهتم به أحد، وصدر الكتاب منذ ثلاث سنوات، ووجد اهتماما كبيرا نحن نريد أن ندعم الكاتب، وأن نترجم له أكثر من عمل. وترجمت رواية للكاتب فاضل العزاوي لدار نشر سويسرية مهمة جدا ومن ثم أغلقت الدار ولدي نسخة عن الترجمة وعندما حاولت نشرها قالت لي دار النشر لدينا كاتب عربي عراقي ولا نريد آخر.
أنت من المؤيدين لنظرية تدخل المُترجم لنقل روح النص، ألا تصطدم نظريتك هذه مع “أدب الثورات العربية” والمخاوف من تحول الترجمة لخدمة وجهة نظر المترجم؟
في اللغة الألمانية لدينا كلمة جميلة للترجمة وهي “Übersetzung”، وهي تعني أيضا الانتقال من ضفة إلى أخرى أو العبور إلى الضفة الأخرى، وهذا باللغة الألمانية جميل جدا؛ لذلك أحاول أن أقوم بهذه المهمة وأعبر بالقارئ الألماني إلى الضفة الأخرى، لأن اللغتين بعيدتان عن بعضهما البعض جدا، فيجب عليّ أن “أُألمن” النص لغويا طبعا، ثانيا من يترجم من اللغة العربية يترجم أيضا عن ثقافة مختلفة، وعليه أن يعرف القارئ بها.
من خلال رصدك واهتمامك بالإنتاج العربي الأدبي، كيف تقيمين ما يمكن تسميته “أدب ثورات الربيع العربي” في سوريا ومصر وتونس واليمن وليبيا، خاصة أنك ترجمت بعض الأعمال؟
أكيد قرأت وأكيد هناك أمر كهذا؛ الكاتب يحاول أن يجاوز مرحلة صعبة بكتابة رواية أو كتابة نص، هذا مهم جدا للكتاب والقراء، ولكننا في ألمانيا على سبيل المثال عبرنا طريقا صعبا خلال فترة النازية، هذه المرحلة كانت منذ سبعين عاما، لكن إلى الآن يكتب الناس عنها، لأن الجيل الذي عاشها يموت الآن ويحاول الجيل الجديد توثيقها من الجيل القديم، خاصة في السنوات العشر الماضية، حيث ارتفع عدد الكتب التي اهتمت بتلك المرحلة.
أعتقد بأن الإنسان يحتاج لوقت والكتب العميقة جدا بعد سنوات، في ما يخص أدب الثورات العربية، قرأت مؤخرا للروائي السوري خالد خليفة “الموت عمل شاق”، ورواية لروزا ياسين حسن.
الروايتان مختلفتان تماما من حيث التكتيك وبناء النص، لكنهما جميلتان، اليوم أنا اهتم بقصص اللاجئين لأن الإعلام مهتم بهم، أما أدب الثورات العربية فمن الصعب تقييمه اليوم لأنه يحتاج إلى وقت كي ينضج.
أصدرت كتابا بعنوان “سوريا الطريق الصعب نحو الحرية”، جمعت فيه عشرات الشهادات عن الثورة السورية، وتصرين على وصفها بثورة “الحرية والكرامة”، ألا تجدين صعوبة اليوم في شرح وجهة نظرك والأغلبية في أوروبا تتحدث عن حرب بين النظام السوري وتنظيم الدولة، ولم يعد هناك ذكر لثورة شعب من أجل حريته وكرامته؟
أنا أرى أن وظيفتي كمترجمة لا تقتصر على ما أترجمه، وإنما أن أشرح للجمهور الألماني حقيقة ما يجري، أنا كل أصدقائي في سوريا كانوا في السجن، فكيف يتكلمون عن البلد هكذا ويقولون إن ذلك كله ليس صحيحا، وإن الناس كانوا يعيشون بهدوء تحت سيطرة الأسد، ولم تكن هناك طائفية، هذا كله غير صحيح، ووظيفتي هي أن أشرح لهم أنهم خرجوا من أجل الحرية وضد الأسد وليس ضد بعضهم بعضا.
أنا ألقي محاضرات وأصدرت كتابين عن سوريا، وبدؤوا يدعونني لإلقاء محاضرات عن سوريا أمام جمهور كبير لا يعلمون شيئا عنها، هناك كثير من الجمهور عندما ألقي محاضرات يقولون إن هذا كله ليس صحيحا لأنه في الإعلام الألماني وفي الأخبار القصيرة في التلفزيون والإذاعة يعطون انطباعا خاطئا عن سوريا، والأشخاص العاديون لا يدققون الأخبار، التي تنحصر في الحديث عن حرب أهلية و90% منها عن تنظيم الدولة.
أما الدكتاتور فلا أحد يتكلم عنه، كأنه لم يكن هناك دكتاتور في هذا البلد، وقسم كبير من السياسيين الألمان -خاصة اليسار الألماني- يتحدثون كما يفعل الإعلام، لا سيما حزب “دي لينكر”، كأنهم لم يسمعوا عن سجون متل تدمر وعدرا، لا أدري كيف يفكرون.
هل هناك مؤامرة إذا في الإعلام الألماني؟
لا، أنا لا أسميها مؤامرة، أنا أراه جهلا من قبل بعض العاملين في وسائل الإعلام، فمثلا أسمع بعض النشرات في إذاعة مدينتي كولونيا، للأسف، من يحضر النشرة لا يملك خبرة، هذا لا يعني أنه ليس لديهم صحفيون، لا أبدا، هم يملكون صحفيين ولديهم جيل جديد بعضهم يعرف اللغة العربية وعاشوا في سوريا ومصر، وهم من أصول عربية، وهناك أناس أكفاء موجودون، ولكن هؤلاء الذين يعملون في غرف الأخبار يريدون أن يكتبوا الأخبار بسرعة ولا يسألون أصحاب الخبرات والكفاءات.
لكن ما تتحدثين عنه أمر خطير في عالم الإعلام، عندما تمتلك كوادر بهذا الجهل، هذا يؤدي إلى كارثة على صعيد الرأي العام؟
من يريد أن يعرف حقيقة ما يجري يستطيع ذلك، فالصحفيون موجودون ويكتبون بالجرائد الألمانية وأحيانا ينجزون “فيتشر”، هل يعقل أنه لا يوجد لدى الحكومة مستشارون يعرفون الوضع، وإن كانوا موجودين هل يسمعون نصيحتهم؟ لا، هذا غلط في النظام هنا.
لكن ما تتكلمين عنه هو حالة عامة في أوروبا؟
في أوروبا والعالم كله -كما أعتقد- وفي رأيي هذا جهل، لكن أنا لا أؤمن بنظرية المؤامرة، وقد نكتشف لماذا بعد عشرين أو ثلاثين عاما.
_______
المصدر : الجزيرة