كافيتريا‭ ‬الأرنب‭ ‬الضاحك..‭‬ زلزال‭ ‬يعيد‭ ‬ترتيب‭ ‬الحياة‭!


نسرين‭ ‬البخشونجي*




‬كانت‭ ‬الحياة‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬هناك‭ ‬بقوتها‭ ‬وسطوتها‭.. ‬قريبة‭ ‬منه‭ ‬وبعيدة‭ ‬لأقصى‭ ‬حد‭. “‬
بهذه‭ ‬الجملة‭ ‬انتهت‭ ‬رواية‭ “‬كافيتريا‭ ‬الأرنب‭ ‬الضاحك‭” ‬للكاتبة‭ ‬رحاب‭ ‬إبراهيم‭. ‬تنقسم‭ ‬حيوات‭ ‬الشخصيات‭ ‬الأساسية‭ ‬للرواية‭ ‬إلى‭ ‬قسمين‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬زلزال‭ ‬عام‭ ‬1992‭ ‬ومرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الزلزال‭. ‬فبعض‭ ‬الشخصيات‭ ‬التي‭ ‬عانت‭ ‬التشتت‭ ‬والضياع‭ ‬في‭ ‬القسم‭ ‬الأول، ‭ ‬هدمتها‭ ‬الكاتبة‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬الهزة‭ ‬الأرضية‭ ‬وأعادت‭ ‬بناءها‭ ‬من‭ ‬جديد‭. ‬

تروي‭ ‬الكاتبة‭ ‬رحاب‭ ‬إبراهيم‭ ‬في‭ ‬أحدث‭ ‬إبداعاتها‭ ‬أحداثا‭ ‬شديدة‭ ‬الواقعية‭ ‬ببساطة‭ ‬تدفعك‭ ‬لمواصلة‭ ‬القراءة‭. ‬مثل‭ ‬قصة‭ ” ‬أكثم‭” ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬عثر‭ ‬عليه‭ ‬تحت‭ ‬انقاض‭ ‬العمارة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يسكن‭ ‬بها‭ ‬بعد‭ ‬أيام‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬الزلزال، ‭ ‬وكان‭ ‬السر‭ ‬في‭ ‬بقائه‭ ‬حيا‭ ‬أنه‭ ‬شرب‭ ‬بوله‭. ‬كما‭ ‬عرضت‭ ‬الكاتبة‭ ‬الواقع‭ ‬الاجتماعي‭ ‬المحزن‭ ‬مثل‭ ‬وجود‭ ‬تفرقه‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬طلبة‭ ‬الجامعة‭ ‬بين‭ ‬فئة‭ ‬أبناء‭ ‬أساتذة‭ ‬الجامعة‭ ‬وغيرهم، ‭ ‬أو‭ ‬المشاكل‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالوحدات‭ ‬الصحية‭ ‬ونقص‭ ‬المعدات‭ ‬الطبية‭ ‬والأدوية‭ ‬فيها‭ ‬وظاهرة‭ ‬التشدد‭ ‬الديني‭ ‬ورفض‭ ‬المجتمع‭ ‬بل‭ ‬وتكفيره‭. ‬

بين‭ ‬عراك‭ “‬سهام‭” ‬مع‭ ‬الحياة‭ ‬ورغبتها‭ ‬الجامحة‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬علي‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬بأنانية‭ ‬مفرطة‭. ‬لهاث‭ “‬فتحي‭” ‬الطبيب‭ ‬الناجح‭ ‬والزوج‭ ‬الفاشل‭ ‬وراء‭ ‬تحقيق‭ ‬خطته‭ “‬العملية‭” ‬دون‭ ‬أن‭ ‬ينظر‭ ‬لواجباته‭ ‬الأسرية‭. ‬وابنتهما‭ ‬المراهقة‭ ‬المتمردة‭ “‬رشا‭” ‬التي‭ ‬تسيطر عليها‭ “‬داليا‭” ‬زميلتها‭ ‬فيا‭ ‬لفصل‭. ‬و‭”‬هشام‭” ‬ابن‭ ‬العم، ‭ ‬الحبيب، ‭ ‬والصديق‭ ‬المؤتمن، ‭ ‬ذلك‭ ‬الشاب‭ ‬الذكي‭ ‬رغم‭ ‬فشله‭ ‬الدائم‭ ‬في‭ ‬الدراسة‭ ‬الجامعية‭. ‬بينما‭ ‬تظل‭ ‬شخصية‭ “‬هيثم‭” ‬ثانوية‭ ‬حتي‭ ‬الربع‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬الرواية‭ ‬فتنقلب‭ ‬الأدوار‭ ‬ويصير‭ ‬أحد‭ ‬المحاور‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬النص‭ ‬الروائي‭. ‬

ينسحب‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬هيثم‭ ‬وسهام‭ ‬من‭ ‬النص‭ ‬الروائي‭ ‬بالموت، ‭ ‬وتبقي‭ ‬ضحكة‭ ‬سهام‭ ‬الصاخبة‭ ‬آخر‭ ‬ما‭ ‬تبقي‭ ‬منهما‭ ‬بعدما‭ ‬ينهار‭ ‬عليهما‭ ‬مبنى‭ ‬الكافيتريا‭ ‬التي‭ ‬سمتها‭ ‬رحاب‭ ‬إبراهيم‭ “‬كافيتريا‭ ‬الأرنب‭ ‬الضاحك‭”. ‬

استطاعت‭ ‬رحاب‭ ‬أن‭ ‬تجيب‭ ‬علي‭ ‬أسئلة‭ ‬كثيرة‭ ‬تتعلق‭ ‬بطرح‭ ‬نماذج‭ ‬متباينة‭ ‬لشخصياتها، ‭ ‬وكأنها‭ ‬أرادت‭ ‬أن‭ ‬تقول‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬يثير‭ ‬الدهشة‭ ‬فكل‭ ‬شخص‭ ‬له‭ ‬مبررات‭ ‬لتصرفات‭ ‬قد‭ ‬تبدو‭ ‬بالنسبة‭ ‬للآخرين‭ ‬غير‭ ‬منطقية‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مألوفة‭. ‬فـ‭”‬سهام‭” ‬التي‭ ‬تتجاهل‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬حولها‭ ‬رغم‭ ‬شغف‭ ‬النساء‭ ‬بمعرفة‭ ‬التفاصيل، ‭ ‬أرادت‭ ‬أن‭ ‬تبعد‭ ‬عيون‭ ‬زميلاتها‭ ‬في‭ ‬فريق‭ ‬الأيروبكس‭ ‬عن‭ ‬حقيقة‭ ‬كونها‭ ‬زوجة‭ ‬خائنة‭. ‬و‭”‬فتحي‭” ‬الطبيب‭ ‬الناجح‭ ‬يقف‭ ‬بعيدا‭ ‬عنها‭ ‬لفشله‭ ‬في‭ ‬ترويضها‭ ‬كما خطط، ‭ ‬لذا‭ ‬أبعدها‭ ‬لكي‭ ‬يكمل‭ ‬بقية‭ ‬خطته‭ ‬كما‭ ‬رسم‭. “‬هيثم‭” ‬كان‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬علاقة‭ ‬جسدية‭ ‬خارج‭ ‬إطار‭ ‬الزواج‭ ‬لأنه‭ ‬تعود‭ ‬علي‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬يتحمل‭ ‬المسؤولية، ‭ ‬فصار‭ ‬عازفا‭ ‬عنها‭. ‬و‭”‬هشام‭ “‬كان‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬ما‭ ‬يرضي‭ ‬غريزته‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يشعر‭ ‬بالذنب‭ ‬تجاه‭ ‬الفتاة‭ ‬التي‭ ‬لعب‭ ‬معها‭ ‬لعبة‭ ‬الحب‭ ‬كذبا‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬قبلة‭ ‬أو‭ ‬لمسة‭ ‬عابرة‭. ‬إذا‭ ‬جميع‭ ‬الشخصيات‭ ‬تحمل‭ ‬داخلها‭ ‬حيل‭ ‬دفاعية‭ ‬لتلعب‭ ‬دور‭ ‬الضحية‭. ‬

الدقائق‭ ‬المعدودة‭ ‬للهزة‭ ‬الأرضية‭ ‬حررت‭”‬رشا‭” ‬ومكنتها‭ ‬من‭ ‬التقاط‭ ‬خيط‭ ‬الحياة‭ ‬فتحولت‭ ‬من‭ ‬تابع‭ ‬لـ‭”‬داليا‭” ‬إلي‭ ‬إنسانة‭ ‬ناضجة‭ “‬تتساءل‭ ‬في‭ ‬غضب‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬الحكومة‭ ‬وعن‭ ‬الظلم‭ ‬والعدل‭ ‬وثروات‭ ‬البلاد‭ ‬أين‭ ‬تذهب‭. ‬فتفاعلت‭ ‬بإيجابية‭ ‬رغم‭ ‬بشاعة‭ ‬الحدث، ‭ ‬علي‭ ‬عكس‭ ‬شخصية‭ ‬داليا‭ ‬التي‭ ‬بقت‭ ‬دون‭ ‬تطور،‭ ‬لذلك‭ا ‬ستطاعت‭ ‬رشا‭ ‬أن‭ ‬تتخذ‭ ‬قرارات‭ ‬حازمة‭ ‬فتخلصت‭ ‬من‭ ‬سلطة‭ ‬داليا، ‭ ‬اشتكت‭ ‬المدرس‭ ‬صاحب‭ ‬النظرة‭ ‬غير‭ ‬اللائقة، ‭ ‬وأوقفت‭ ‬البواب‭ ‬الذي‭ ‬اعتاد‭ ‬التحرش‭ ‬بها‭ ‬عند‭ ‬حده‭ ‬واقتربت‭ ‬من‭ ‬والدها‭ ‬الدكتور‭ ‬فتحي‭. ‬وحين‭ ‬فعلت‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تتخلص‭ ‬تماما‭ ‬من‭ ‬فكرة‭ ‬الهروب‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬رفضه‭ ‬وارتداء‭ ‬النقاب، ‭ ‬بل‭ ‬واستطاعت‭ ‬أن‭ ‬تقتحمه‭ ‬بقوة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬زيارة‭ ‬المصابين‭ ‬في‭ ‬المستشفيات‭ ‬ومحاولة‭ ‬جمع‭ ‬تبرعات‭ ‬للمنكوبين‭. ‬

كذلك‭ ‬تطورت‭ ‬شخصية‭ “‬هشام‭” ‬كونه‭ ‬الشاهد‭ ‬الوحيد‭ ‬علي‭ ‬خيانة‭”‬سهام‭” ‬زوجة‭ ‬عمه‭ ‬و‭”‬هيثم‭” ‬صديقه، ‭ ‬تعرض‭ ‬بسببها‭ ‬لصدمة‭ ‬نفسية‭ ‬قوية‭ ‬حتي‭ ‬توحدت‭ ‬لحظة‭ ‬معرفة‭ ‬الحقيقة‭ ‬ولحظة‭ ‬وقوع‭ ‬الزلزال‭ ‬فشعر‭ ‬بالدوار‭ ‬والانهيار‭. ‬فتغيرت‭ ‬نظرة‭ “‬هشام‭” ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يري‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬سوي‭ ‬أجساد‭ ‬الجنس‭ ‬الناعم‭ ‬فيتحرش‭ ‬بهن‭ ‬لينتشي‭ ‬للحياة، ‭ “‬دخل‭ ‬سيارة‭ ‬عمه‭ ‬جلس‭ ‬كطفل‭ ‬يتعلم‭ ‬الجلوس‭ ‬لأول‭ ‬مرة، ‭ ‬يهتز‭ ‬لأقل‭ ‬حركة‭ ‬ويحاول‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬بظهره‭.. ‬أخذت‭ ‬المشاهد‭ ‬تتوالي‭ ‬أمام‭ ‬عينيه‭ ‬من‭ ‬شباك‭ ‬السيارة‭.. ‬مشاهد‭ ‬متسارعة‭ ‬لا‭ ‬يربط‭ ‬بينها‭ ‬شيء‭ ‬سوي‭ ‬عينيه‭. “‬
لم‭ ‬تشغل‭ ‬إبراهيم‭ ‬نفسها‭ ‬كثيرا‭ ‬بمحاولة‭ ‬إيجاد‭ ‬شكل‭ ‬سردي‭ ‬جديد‭ ‬أو‭ ‬تجريبي، ‭ ‬فاستخدمت‭ ‬أسلوبا‭ ‬سرديا‭ ‬بسيطا‭ ‬وغير متكلف‭ ‬مستعينة‭ ‬بالراوي‭ ‬العليم، ‭ ‬ساعدها‭ ‬ذلك‭ ‬علي‭ ‬الوصول‭ ‬إلي‭ ‬القارئ‭ ‬بشكل‭ ‬أسرع‭. ‬

‭”‬كافيتريا‭ ‬الأرنب‭ ‬الضاحك‭” ‬هي‭ ‬الرواية‭ ‬الأولي‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬الكاتبة‭ ‬رحاب‭ ‬إبراهيم‭ ‬الإبداعية، ‭ ‬صدرت‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬عن‭ ‬الهيئة‭ ‬العامة‭ ‬للكتاب، ‭ ‬سبقتها‭ ‬أربع‭ ‬مجموعات‭ ‬قصصية‭ “‬حيل‭ ‬للحياة‭”‬، ‭ “‬شباك‭ ‬متحرك‭”‬، ‭ “‬بنت‭ ‬عمرها‭ ‬عشر‭ ‬دقائق‭” ‬و‭”‬أوطان‭ ‬عابرة‭”. ‬

* أخبار الأدب.

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *