*حمد الناصر
يقول جورج أورويل، صاحب كتاب {مزرعة الحيوان} ورواية {1984}، في كتابه {لماذا أكتب}:
{عندما أجلس لكتابة كتاب، لا أقول لنفسي سأنتج عملاً فنياً، لأن ثمة كذبة ما أريد فضحها، حقيقة ما أريد إلقاء الضوء عليها، وهمي الأول أن أحصل على من يستمع إلينا}.
في رواية الكاتبة السعودية سمر المقرن الأخيرة {كذبة أبريل} التي صدرت أخيراً عن دار {مدارك} – 2016، نجد أن الكاتبة تتوافق مع ما قاله أورويل وأن لديها قضية تريد طرحها قد يعجز عنها عمود في صحيفة، وكذبة تريد فضحها وهي كذبة زواج ما!
سمر المقرن ليست غريبة على القارئ، فهي كاتبة مقال مُتميزة ولها راهناً عمود في جريدة {الجزيرة} السعودية، كذلك صدرت لها في عام 2008 رواية بعنوان {نساء المنكر}. هي أيضاً إحدى الناشطات في حقوق المرأة، ولها اسم وجهد ملحوظ في هذا المجال. لهذا عندما دخلت مُعترك الكتابة، خصوصاً الإبداع الروائي، لم يكن هدفها التكسّب المادي، أو الترفيه عن القارئ. أنما دخلته من باب أنها تحمل قضية، بل قضايا، تلك القضايا هي صور حاضرة في مجتمعها وفي الوسط الخليجي والعربي. هنا دخلت عالم الرواية عندما اكتشفت أن المقال قد لا يستوعب كل ما في الصدر والذهن، لهذا تبقى لديها مسارات لا تستوعبها جمل وفقرات في عمود أسبوعي في جريدة ما، فيما الرواية قد تكون مساحتها الأوسع.
مسار
في روايتها الجديدة {كذبة أبريل} جعلت المقرن تاريخ زواج البطلة نوال بداية أبريل كذبة من كذب ذلك الزواج المسياري، وللكاتبة هاجس أكبر من ذلك، وهو أن تلتقط أنفاس نساء يعشن معاناة، وأن كانت تكتب عن مجتمعها وتدور في فلكه، إلا أن القضايا التي تؤرقها هي قضايا شرقية بحتة وقد تحدث في كل بقعة خليجية ومجتمعات محافظة، ولكن لها خصوصية محلية في النص، فلكل مجتمع خصوصيته، بانتظار من يأتي ويرسم ملامح ذلك على الورق بشفافية وحب.
لم يُكتب مسار الرواية لأجل أن يجد القارئ متعة، فليست مهمة كل كاتب تسلية المُتلقي، إنما كتبتها لتطرح قضايا مجتمعية تؤرقها، نعم أحداثها من ناحية أسلوبها المُتمكن مغرية، كذلك ممتعة بالقراءة، لكن مؤلمة موجعة وتضرب في العظم.
راحت بطلتها نوال تدور في فلك العمل التطوعي لتهرب من فراغ، وبراثن شبح زواج قاتل كاد يفتك بها، وملامح هروب من زواجات منتهية بتسليمها للهروب والفشل حيث هو الحل. لم تكن هي الهاربة، إنما هي من دُفعت للهروب من ذلك الزوج حيث كانت تشتم منه رائحة غير رائحة السجائر التي قد جربتها بالطفولة مع شقيقها محمد وتلقت عليها توبيخاً من والدتها في ليلة عيد.
من المؤكد أن الكاتبة نجحت بامتياز في حبكة روايتها، ويتمثل هذا الأمر في أنها لم تشغل القارئ بفقرات طويلة تقطع أنفاسه، أنما فقرات لا تتعدى السطر والنصف، حيث بدأ السرد كمقاطع شعرية جميلة، ولكن بين السطور تكتشف الأم، وغضب مُبطن يصل حد الانفجار.
هرب النص الروائي في هذه الرواية من الحوارات الطويلة المُملة الذي ينتهجها البعض، ولجأ إلى أسلوب حواري مُميز سهل لا تشعر أنه حوار في رواية، أنما هو سرد مُمتع سهل، طعّمته الكاتبة ببعض الكلمات بلهجتها الدارجة لتمنحه أرضية واقعية تقربه أكثر من المُتلقي. لكن في نهايات كل حدث تحتاج إلى أن تستنبط ماهية نهايات الجُمل الأخيرة، فليست مهمة الكاتب المُتمكّن أن يضع كل نهاياته على طبق من فضة. حيث نجد هذا الأمر في شخصية عواطف البطلة الثانية التي دخلت معترك السياسة وهي لا تدري، كانت تقف أمام موظف الجوازات في المطار وتصقعها جملة {تم تسليمه} التي كانت عنواناً لستة فصول.
ابتعاد
حاولت الكاتبة وهي تصوغ روايتها بالابتعاد عن استعراض مهارتها اللغوية بالهروب من فراغات، أو محاولة إطالة مادة العمل بإضافة جمل لا تخدم النص وتشغل بال المتلقي، أنما كانت واضحة بعيدة عن التقريرية، أو الغموض التي يسقط بعض الروايات من الصفحات الأولى لعجز ما في التخيل، لهذا الرواية بصفحاتها الـ 84 تكون مُغرية جداً لقارئ يسترخي على مقعد طائرة بعد ربط الأحزمة.
هل عاشت سمر المقرن مأزق إخفاقات التحوّل من كاتبة مقال إلى كاتبة رواية في هذا العمل وهي تصوغ روايتها حيث يلتبس الأمر على البعض بين سرد مباشر إلى سرد مُبطن. أرى شخصياً أنها هربت بذكاء من هذا المأزق الذي يقع فيه البعض، إلا في مقاطع قليلة، ومنها عندما استرسلت في الكتابة عن {نجد} في أحد الفصول، أو عندما لمحت بشكل مباشر إلى بعض مظاهر الربيع العربي، ولو كانت تلك الملامح قليلة جداً ولا تؤثر على النص، وأيضاً إشكالية الغلاف حيث كنا نتمنى أن يكون أفضل كتصور وألوان وإخراج مهني.
لم تثقل كاتبة الرواية النص بكثير من الشخصيات التي تُربك القارئ، أنما اقتصرت على شخصية نوال وشخصية عواطف، وملامح شخصيات أقل حضوراً وهي شخصية محمد الشقيق الذي غادر إلى العراق للجهاد، أو عبدالله الذي قام بمهمته على أكمل وجه، أو أحمد الذي هرب بلا رجعة بعد انتهاء ما يصبو إليه.
مقاطع
نورد هنا مقاطع تضمنها الكتاب تلمح إلى ما كانت ترنو إليه الكاتبة من دفع مادة كتابها إلى المطبعة، حيث كان الإهداء يحمل قضية وحلماً مستقبلياً: {إلى كُل النساء القويات اللاتي لم يهزمُهن إلا الحُب}.
ومقطع آخر يوحي بجو العمل: {ماتت كل الأشياء الصغيرة من حولي، بعد أن لفظت أنوثتي أنفاسها الأخيرة، صمتت خواتمي وسلاسلي وأساوري، حتى جرس خلخالي}.
ومقطع آخر يرسم معالم الحروف: {أنا يا عواطف عشت في لحظات قنوط وأنا مُقتنعة أن لا صعود ولا هبوط، بين اقتناع وعدم اقتناع، بين الهدوء والبكاء، الصراخ الداخلي أو تلقي الكوابيس، بكاء اليقظة وهواجس الواقع، الانتظار بلا صبر والصبر لأجل لا شيء}.
ومقطع آخر يوحي بجو الفكاهة لكسر جمود الجو المثقل بالهم والألم: {كتبت لأريج على البطاقة بمناسبة زواجها – مبروك أريز، إنتا فيه روح عند كفيل جديد يا رب يكون كويس!}.
______
*الجريدة