الحب والإبداع يجتمعان بين غريغوريفنا ودستويفسكي



حين يفكر رجل غير عادي باختيار شريكته ترى كيف يجب أن يكون الاختيار ؟ امرأة راجحة العقل أم عطوفة وطيبة القلب ، هذا السؤال الذي وجهه دستويفسكي إلى آنا غريغوريفنا حين كانت تعمل معه على اختزال رواية ” المقامر ” ومن هنا بدأت الحكاية ، فمن رحم الحب والعاطفة يولد الإبداع . هذا ما لخصته آنا غريغوريفنا في كتاب مذكراتها والذي حمل عنوان “مذكرات آنا غريغوريفنا ” والذي صدر عن دار المدى بطبعتها الأولى لعام 2015 وترجمها خيري الضامن .
ذكرت غريغوريفنا انها لم تفكر يوما بكتابة مذكراتها فكان كل ما يشغلها مؤلفات الراحل زوجها ، لكن تدهور صحتها دفعها لأن تعهد لآخرين بتولي مهمة نشر المؤلفات ، ثم انزوت الى العاصمة بطرسبورغ لتعيش في وحدة مطبقة وهنا كان لابد من ملء أوقات فراغها وإلا لن يطول بها العمر ، ومن خلال إعادة قراءة يومياتها ويوميات زوجها قامت غريغوريفنا بإعداد هذه المذكرات ، ذاكرةً بأنه كانت لكنيسة القديس الكسندر نيفسكي في بطرسبورغ منزلة خاصة في نفس غريغوريفنا لأن مقبرتها تحنو على رفات دستويفسكي . 
وهنا تبرهن غريغوريفنا على مدى حبها لزوجها ، ثم بدأت تروي كيف تعرفت إليه حين دخلت دورة اختزال باصرار من ابويها لانها لم تكمل دراستها ، وهنا ابلغها استاذها في الدورة أن الكاتب دستويفسكي يبحث عن شخص يجيد الاختزال ليملي عليه روايته الجديدة ” المقامر ” ذاكرة أن قلبها قد خفق فرحاً لأنها كجميع فتيات الستينات تنشد الاستقلال وتبحث عن عمل يجعلها تعتمد على نفسها وكانت فرصة مناسبة للتعرف على كاتب من احب الكتاب لوالدها ، وذكرت انها كنت معجبه به للغاية وخصوصا عندما كانت تقرأ رواية “مذكرات من بيت الاموات “.
تذكر غريغوريفنا انها كانت تتضن أن دستويفسكي ليس شيخاً كابياً منطويا على نفسه كما يظنه الآخرون ، ولكنه فور ما تحدث لها حتى زالت هذه المفاهيم وشعرت حينها بأنه أقرب إلى الخامسة والثلاثين من عمره ، تحدث لي عن تفاصيل حياته الشخصية وهذا ما جعلني أستغرب كثيراً .
تحاول غريغوريفنا هنا وصف دستويفسكي بأنه لا يعكس ما يظنه الآخرون عنه ، فهو لطيف وتلقائي يتعامل مع الآخر وكأنه يعرفه منذ زمن دون قيود أو شروط وهذا ما جعلها تميل إليه متناسيةً فارق السن ، إلا أن الكاتب كان يشعر بوحدة قاتلة بسبب وفاة زوجته الأولى ووفاة شقيقه الذي رحل تاركاً خلفه الكثير من الديون . 
تذكر غريغوريفنا انها بعد الانتهاء من رواية دستويفيسكي وبعد أن قبضت أجورها أصبح الكاتب صديقاً لعائلتها وقد دعته للتعرف على عائلتها كما ان والدة آنا أُعجبت بدستويفسكي ، وبعدها عرض عليها العمل في رواية ” الجريمة والعقاب ” ، وقد دعاها بحجة دراسة شروط الرواية ، إلا انه كان مرتبكاً وقد طلبها للزواج هذه المرة ، وهذا الخبر كان مصدر سعادة لوالدة غريغوريفنا.
يبدو أن ديستويفسكي الكاتب رقيق القلب وهذا ما وصفته زوجته حين تحدثت عن مخاوفه التي ذكرها لها قائلا ” كنت قلقاً أن ترفضيني أو تقولي انك تحبين شخصا آخر ، لكان ذلك جوابا قاسيا عليّ فأنا أُعاني وحدة قاتلة ، كما اني كنت أريد على الاقل ان احتفظ بصداقتك” .
قدمت آنا غريغوريفنا في مذكراتها فكرة وافية عن دستويفسكي الإنسان وكيف انهما عاشا حياة صعبة مليئة بالأحداث والصعوبات ورغم ذلك عاشا حياة مليئة بالمشاعر النبيلة والعميقة كما تتحدث عن مشاريع فيسكي الروائية وأسفاره خارج روسيا وتعرض علاقته بأدباء عصره ونقاده ومنهم تورغينيف وتولستوي وبيلينسكي بوشكين وصولاً إلى اللحظات الأخيرة في حياته .
_______
*المدى

شاهد أيضاً

العتبات والفكر الهندسي في رواية “المهندس” للأردني سامر المجالي

(ثقافات) العتبات والفكر الهندسي في رواية «المهندس» للأردني سامر المجالي موسى أبو رياش   المتعة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *