*نورة عبيد
خاص ( ثقافات )
لم تعد الثّقافة تعبيرا جماليّا عن مشاغل الأمّة فحسب، بل أضحت منذ انتشار علم الاجتماع البشري تعبيرا سلوكيّا عن عادات الشّعوب
ومنجزاتها الماديّة والرّوحيّة، فسمت بمنجزها من طور المنفعة المباشرة إلى طور المنفعة بقصد التّجميل والابتكار والخلق والإبداع، ومن ثمّة ارتبطت الثّقافة بنشأة الفنون الجميلة من أدب وموسيقى ونقش وتصوير وهندسة
ومسرح وسينما، أضف إليها فنون الإعلامية.
فأيّ مستقبل للثّقافة العربيّة في عالم تمازجت فيه الثّقافات؟ وأيّ مستقبل للثقافة العربيّة في قريّة يتلاشى فيها كلّ ضعيف هشّ ويتعاظم كلّ قويّ مُتقاو؟ وأخيرا أيّ مستقبل للثّقافة العربيّة في عالم غزاه التّصنيع والترويج وسعيه الإثارة والتّجارة؟
إنّ مستقبل الثّقافة العربيّة مرتبط بمنزلة العرب بين الأمم وبالاختيارات السّياسيّة في المجالات الثّقافيّة القطريّة والقوميّة. وبالقدرة على محاورة الثّقافات الأجنبية والتّفاعل معها
والاعتراف بخصوصياتها بعيدا عن الإحساس بسيادتها وتبعيّتنا.
إنّ مستقبل الثّقافة العربيّة رهين قدرتنا على امتلاك وسائل الإقامة في العالم، ولا نعني الوسائل الماديّة فحسب – على أهميّتها – بل الوسائل الحضاريّة والفكريّة والثّقافيّة.
بعبارة أخرى كيف يمكن لمنتوجنا الثقافيّ أن يحاور المنتوج الثّقافي العالميّ؟ كيف يمكن أن نمتلك معايير الجودة العالميّة في تبليغ ثقافتنا والاعتراف بها؟
فالسّؤال إذن عن مستقبل الثّقافة العربيّة سؤال عن الكيفيّة وليس عن الكميّة؛ فأينما أبحرت تجدْ الدّول العربيّة تحتفل بمنتوجها الثّقافيّ وتحتفي في صفويّة بمساهمتها الثقافيّة والحضارية في الرّقي الفكريّ والإبداعيّ والتّدرج في الكونيّة
بمتع الخصوصيّة، تتآلف الثّقافات وتتعانق في ثقافة الصّورة وصناعاتها الإبداعيّة. وتتمايز
وتتجانس باسم الثّراء والانتماء.
وعلى ذلك يبقى مستقبل الثّقافة العربيّة مستقبلا باهتا لا يعكس سلوكا ثقافيّا لشعوب عربيّة. الواقع يكشف عن نخبة عربيّة تهاجر أوطانها
وشعوب تهْجُرُ انتماءها الثّقافيّ الأصيل؛ ثقافة القراءة وإدارة الحبر والكلم! ولذلك كان حضّنا من جائزة نوبل للأدب حضّا يتيما ونصيبنا من أفق الجوائز العالميّة أفقا حسيرا.
إنّ مستقبل الثّقافة العربيّة لن يكون بمعزل عن مستقبل الدّول العربيّة وقدرتها على الاستقرار والاستثمار في “الصّناعات” الثّقافيّة برغبة تنموية تجديديّة حقيقيّة حداثيّة تجمّل الخصوصيّة.