شاعرية الرؤيا /ومكوناتها الفنية في قصائد “أولئك أصحابي” لحميد سعيد (1)



*عصام شرتح


خاص ( ثقافات )
لا شك في أن لكل تجربة شعرية مؤثرة رؤيا،ولكل رؤيا مكونات أو مرتكزات فنية ترتكز عليها في تحقيق إثارتها وحراكها الجمالي،وهذا يؤكد سبب توجه الدراسات الأسلوبية والنقدية المعاصرة إلى كل ما يثير الرؤيا الشعرية، ويحركها من الصميم،سواء على مستوى البنى اللغوية ،أم البصرية،أم الإيقاعية ،وهذا يؤكد السبب المباشر في توجه الدراسات النقدية المعاصرة إلى إبراز الجوانب الفنية/ الرؤيوية / أو الوجودية التي تثير الشعرية،وتبتعث نواتجها الدلالية وفواعلها الرؤيوية المحركة للشعرية من جوانبها كلها؛ وأغلب تلكم الدراسات تسعى للكشف عن البنى الدالة العميقة التي توجه حركة النصوص الشعرية الإبداعية في توجهاتها الرؤيوية/ ومستبطناتها الشعورية العميقة ؛ مما يدل على أن ثمة رغبة جامحة لدى جمهرة من النقاد إلى البحث عما خفي من الدلالات بالاستعانة بالإيقاعات البصرية؛ لأن المداد اللغوي ما عاد يفي بالغرض في ظل التفاعلات الكثيرة التي تشهدها القصائد المعاصرة؛ سواء أكان ذلك بالشكل اللغوي أم بالشكل البصري، أم بالمحتوى البؤري العميق، ويرى الكثير من النقاد أن ما هو خفي من الدلالات المستبطنة أكثر أهمية ورَوِيَّة مما هو عائم على السطح ؛ وإن أية تجربة نقدية مثمرة ينبغي أن تخوض في هذا العالم المعتم الذي تخفيه القصائد؛ ويظل القارئ عنه بعيداً آلاف الخطوات؛ ووفق هذا التصور فإن من واجب النقد أن يخوض في هذا الحراك الرؤيوي العميق لا أن يقف على ما هو بادٍ أو ظاهر من إيحاءات؛ ورؤى ودلالات ؛ وإن من يطلع على قصائد أولئك أصحابي بعمق ؛سيجد أن البعد الرؤيوي هو المدخل الجوهري لحركتها من الباطن أو الجوهر؛ نظراً إلى تشعب الرؤى التي تبثها هذه الشخصيات في مدها، وانفتاحها الرؤيوي النصي.
أولاً- البعد الرؤيوي الجمالي لقصيدة(تجليات الماء):
إن هذه القصيدة(تجليات الماء)تطرح رؤيتها بجسارة من خلال شخصية (إيهاب)؛ والرؤية الجديدة المنوطة بها؛فالشاعر يحاور الشخصية محاورة هادفة يرمي من ورائها بث الكثير من الرؤى الجديدة، ف(إيهاب القطان) الذي خبر البحر، وعانى اصطراعه مع الحوت حتى انتصر عليه أخيراً؛ هو الشخصية الرؤيوية الفاعلة التي تحدت الزمن؛ إن الشاعر رأى في شخصية (إيهاب) البطل الأسطوري الخرافي الذي استحضره ؛ محاوراً شخصيته بمواجهة رؤيوية صريحة؛ تدلل عمق ما يريد إيصاله وفق المنظورات والتقنيات الفنية التالية:
1- الحوار الرؤيوي الكاشف:
إن أبرز التقنيات الفنية المحركة للبؤر الدلالية الكاشفة في قصيدة(تجليات الماء) اعتماد تقنية الحوار الرؤيوي البوحي الكاشف عن واقع الشاعر الاغترابي بين ماضيه المشرق، وواقعه الاغترابي المصطرع؛ وواقع شخصية إيهاب بين قوة مجابهته للحوت، والانتصار عليه، وواقعه المؤلم بمحاورة كاشفة تضيء الكثير من جوانب هذه الشخصية،بمعنى أن تفاعل حميد سعيد مع شخصية إيهاب هو تفاعل خلاق مبدع يبوح الشاعر من خلال محاورته الكاشفة عن الكثير من أحاسيسه الوجودية الكاشفة عن صراعه مع واقعه الحالي الذي يعيشه من غربة وجودية من جهة،والحلم بالعودة إلى عالمه الماضوي المشرق الذي يتوق الوصول إليه،ويسعى لاستعادة ما كان فيه من جهة ثانية، فإيهاب يمثل له الشخصية التي تحكي صراعه الوجودي /واغترابه الحقيقي عن عالمه المرير، وقد وجد في هذه الشخصية الإصرار، والقوة، والثبات،والعزيمة، والتحدي، والقدرة على إبراز الفعل، وتحريكه بالحدث الشعري المكتسب في السياق الشعري الجديد ؛وبمنظورنا؛ إن غنى التقنيات الفنية في هذه القصائد مجتمعة إلى رؤاها وتقنياتها الفنية المحركة للشعرية،ولهذا لايمكن افتراض أية قراءة على نصوصه بشكل مسبق، إذ يقول حميد :” إن افتراض، قراءة أي من قصائد المجموعة مقترن بضرورة قراءة الرواية التي تمثلَت القصيدة أحداثها، أو تمثلت أحد شخصياتها، افتراض غير صحيح، فللقصيدة ، أية قصيدة من قصائد المجموعة، مقوماتها ومفاتيحها، التي لم تكن نسخة مكررة من مقومات الرواية ومفاتيحها، أي، يمكن قراءة القصيدة وإدراك رسالتها، بالوعي أو بفضاء التأويل، بعيداً عن الرواية، حتى لو كان القارئ قد اطلع على الرواية وقرأها قراءة واعية عميقة.
وبالتالي، يمكن للقارئ أن يقرأ القصيدة وهو لم يقرأ الرواية ، فقصائد – أولئك أصحابي – كلها، تتوفر على رمزيتها الخاصة وتتوفر على مفاتيحها أيضاً، ثم أليس مما هو إيجابي، أن ينفتح النص الشعري المقروء على قراءة الرواية بدافع ثقافي محض، أو حتى بدافع حب الاستطلاع ، بل أليس مما هو إيجابي أن يعود القارئ إلى قراءة رواية قرأها من قبل، بفعل ما يثير النص الشعري المقروء من قضايا وأسئلة .
نعم، أكثر من صديق ، حدثني عن قراءة هذه الروايات أو عدد منها، بعد أن قرأ النص الشعري، ومن هؤلاء الأصدقاء القراء، من أعاد قراءة روايات ، كان قد قرأها من قبل ، وأنت تعلم إن النص الشعري ، ينفتح على أكثر من قراءة نقدية، وينفتح كذلك على أكثر من قراءة في التلقي، فهو ليس مسألة رياضية ينبغي حلها بمنهجية واحدة، لتكون النتيجة واحدة، سواء جرى حلها في القطب الشمالي أو في غابات إفريقيا أو في جزيرة من جزر المحيط الهندي.
وإذا كان للنص الروائي، رؤاه ودلالاته، فليست هي رؤى ودلالات النص الشعري ذاتها، وإن كانت الرؤى والدلالات في النصين، تتكامل من خلال الحوار وليس من خلال تكرارها أو نقلها من النص الروائي إلى النص الشعري.
أما ، ما يطرحه السؤال بشأن، النخبة أو نخبة النخبة، فإن القارئ الجاد، هو من النخبة، أو نخبة النخبة دائماً، والمقصود هنا، النخبة القارئة، وليس النخبة الاجتماعية او النخبة الأكاديمية، أو ما إلى ذلك من نخب.
إن القارئ هو الذي يفكر ويسأل ويستنبط الأسئلة، وليس القارئ الذي ينتظر معنى يعرفه، مثلاً سائراً او حكمة معروفة او قولاً شائعاً ، ولو كان الأمر كذلك ، لكان على العالم أن يمحو الكثير من الملاحم والقصائد ولرفض كل ما هو جديد ومضاف وغير مألوف، ولكان على العالم أن لا يعترف بالأعمال السمفونية وكذلك الأعمال التشكيلية العظيمة ، السوريالية والانطباعية والتجريدية.”(1).
وهنا، يباغتنا الشاعر حميد سعيد بمحاورته الكاشفة لشخصية إيهاب، التي تأتي محركة للرؤى النصية الكاشفة عن تعايش الشاعر مع شخصياته الروائية التي تحكي واقعه وإحساسه الجمالي، ولهذا جاءت شخصية إيهاب شخصية متحركة،تثير الحدث الشعري،عبر فاعلية حراك الشخصية في الحدث الروائي، إذ يقول: 
“أفارقُكً الآنً..
إيهاب *
حتى إذا ما التقينا .. على غيرِ ما موعدِ
في الطريق إلى مطعم الأميرة الغجريّةِ..
عند منعطف الشارعِ السابعٍ..
لا تنتظرني
مُذْ لحتَ لي في شتاءٍ بعيد.. تُغادِرُ فندقك العتيقَ..
لتلحقَ بي.. تحاشيتُكَ..
كنتُ تحاشيتُكَ من قبلُ”(2).
إن توظيف الشخصيات الروائية- في القصيدة- من مغرياتها النصية التي تباغت القارئ،وترفع سوية القصيدة في مؤشراتها الرؤيوية والدلالية، وأول ما يلحظه القارئ المعايشة والمكاشفة الصريحة لهذه الشخصيات ضمن القصيدة، وهذا ما يثير الحركة النصية، وفق مجريات السرد والقص الشعري ،ولعل محاولة الشاعر تجسيد المكاشفة بالمحاورة وتخيل اللقاء المباشر مع شخصيته الروائية، هو ما يكسب الشخصية الروائية فاعلية الرؤية وحرارة الواقع المباشر المعيش، وبتقديرنا: إن غنى الشخصية الروائية يتحقق بمقدار عمق التمثل النصي لأدوارها وملحقاتها الجديدة المكتسبة في السياق الشعري.وهنا يعايش الشاعر الشخصية ويتفاعل معها،ويبث من خلالها إحساسه وصحبته معها،قائلاً: 
كيفَ التقينا؟
ألا تتذكّرُ ما كان منكَ.. وما كانَ منّي ؟
ما زلتُ أسمعُ وقعَ خُطاكَ الثقيلَ..
على حجر الشارعِ..
أنتَ تَحاشيتَ كلَّ الذين تمرُّ بهمْ
ووقفتَ لتسألُني.. عنكَ!
. . . . . .
. . . . . .
أنتَ الذي لمْ يَرَ البحرَ..
هذا الذي يتراءى لكَ الآنَ..”(3).
إن القارئ يظن أن طغيان إيقاع السرد يخفف من الغلوائية الحوارية، وهذا ليس بصحيح، فالشاعر يرصد إحساسه وشعوره إزاء هذه الشخصية بإيقاع حواري كاشف يرصد شعوره ومواجهته من الداخل ، وكأن رحلة القبطان( إيهاب) تمثل رحلته الوجودية المعذبة ، بإحساس يميل إلى أنسنة الأشياء من حوله وتشخيصها، وهنا؛ عبر بالبياض البصري عن عمق هذه المحاورة، وما تشي به من رؤىً وأحاسيس، ودلالات محتدمة، وأبرز موجهات هذه المحاورة أنها مبثوثة مباشرة بكل حراكها الشعوري،وإحساسها المناور بين المواجهة الصريحة/والمواجهة المواربة أو المضطربة؛ وهذا الاضطراب هو ما يكسب المواجهة القوة، والحرارة،الماثلة في قوله: أنتَ الذي لمْ يَرَ البحرَ../هذا الذي يتراءى لكَ الآنَ..”، و اللافت أن هذه المحاورة ما جاءت للكشف، وإنما جاءت لمعاينة الواقعين(واقع الشخصية في الرواية/ وواقع الشخصية في الفضاء الشعري النصي)؛ وهذا ما تكشفه الفضاءات البصرية من ارتدادات شعورية محمومة تبدت في الشكل البصري، وامتداده الفراغي النقطي؛وبهذا، الإحساس يتابع الشاعر اللقاء الكاشف مع الشخصية الروائية ؛ محركاً دورها القديم بالدور الرؤيوي الجديد المنوط بها؛ فالشاعر لايكتفي بالحديث على لسان الشخصية أو بالحديث إليها،وإنما يحكي واقعها، ويعبر من خلالها عن واقعه؛ فإيهاب رمز الإصرار والمقاومة والثبات،في وجه تحديات البحر وأمواجه العاتية ،والحوت رمز السلطة والطغيان في الأنظمة الرأسمالية الظالمة، ولهذا ينوع الفضاءات الرؤائية التي تعيشها شخصية البحار(إيهاب) ومغامرته الشاقة، إذ يقول:
إنَّ دمَ السيّدِ الجميل.. يشهدُ للسيِّد ِ الجميلِ
بما.. مَدَّ موكبُهُ الأبيضُ المهيب ُ..
من ألَقٍ حيثُ كانَ..”(4).
إن القارئ يلحظ عمق المحاورة،وعمق الوصف في تفعيل شخصية إيهاب، في موكبه في زمنه الماضي وواقعه الحالي الذي كان يحلم أن يؤسسه في بلاد الغربة،فاندماج شخصية إيهاب بشخصية الشاعر تبدت في إبراز جانب المقاومة والثبات التي تمتاز بها كلتا الشخصيتين،(شخصية إيهاب/ وشخصية الشاعر)،وهذا التداخل والتفاعل بين الشخصيتين هو ما زاد الحركة الجمالية في القصيدة.وهذا ما جعل السرد يجري شعرياً في حركته تبعاً لسيرورة الأحداث وحراكها المتتابع على امتداد النسق الشعري،كمافي قوله:
كلُّ البحارِ تفتحُ خلجانها..
ليدخُلُها الموكبُ الأبيضُ المهيبُ.. وتغلقُها..
دونَ ما أنتَ فيهْ
إذْ توهمت.. إن الرياحَ التي اختطفتكَ إليهِ..
سَتُسْلِمُهُ..
أَسْلَمَتْكَ إلى عُزْلَةِ.. تتوارى بعيداً عن الماءِ
والسيّد ُ الجميلُ.. مازالَ موكبُهُ الأبيضُ المهيبُ..
يدخُلُ أَيَّ البحارِ يشاءْ
لِمَ هذا الغباءْ؟
حاولتَ أنْ تجعلَ الماءَ مقبرةً
وحاولَ أن يجعل الماءَ.. مملكةً ساحٍرهْ
في موانئ باردةٍ..
بانتظاركَ كلُّ الذين ضيّعتهم في المياهِ البعيدةِ
حيثُ اقتفيتَ ما كنتَ تَحسَبُهُ حُلُماً..
ومن أجلِ وهمٍ تلبَّسَ روحكَ..
ها أنتَ .. في هذه المدينةِ..
لا أحدٌ من أباطرة الموتِ..
مِمَّن خلعتَ عليهم بُرودَ العواصِفِ.. 
يَسأَلُ عنكَ
. . . . . .
. . . . . .”(5)
بادئ ذي بدء ،نشير إلى أن فاعلية الشخصية الروائية تتحدد بحراكها الرؤيوي، وما تبثه من معاصرة للواقع الشعري الذي تدخل في تركيبه،وهذا يعني أن الشعرية الروائية هي التي ترتقي بالحدث الشعري وتفعل مردوده ضمن القصيدة. وبتقديرنا: إن المحاورة المتخيلة بين الشاعر وشخصيته الروائية هي التي تعمق شعرية الرؤية في القصيدة،وهنا تشف المكاشفة الحوارية عن أكثر من رؤية ودلالة، تصب جلها في دائرة الحرقة والاغتراب؛وكأن اغتراب الشاعر اغترابان؛ غربة الشخصية، وغربة الحدث والزمن ؛ ودليلنا أن القبطان (إيهاب) على الرغم من انتصاره على الحوت ، بدا غريباً كما الشاعر، فالأول عاش غريباً بعد نفي، وغربة قسرية فرضتها الظروف الحالكة والواقع الأليم؛ والثاني بعد انتصاره على الحوت عاش معمعة الإهمال، والعزلة، والنسيان؛ فعلى الرغم من قوة هذه الشخصية في عالمها الروائي فقدت هذه القوة، لتحيا في زمن الشاعر وأحداثه ومشاعره الاغترابية المريرة:
في ما مضى..
كانتْ الأساطيرُ تنزلُ حيثُ نَزلتَ
لقد شاختْ الأساطيرُ وانطفأت قناديلها..
أَيُّ أسطورةٍ ستُعيدُ إليكَ سطوتك الآفلهْ ؟
لا غرابةَ.. في ما انتهيت إليهْ
وأغربُ مما انتهيت إليه.. سيأتي”(6).
هنا، يتجرد القبطان(إيهاب)من قوته الأسطورية الخارقة بعدما دحر الحوت؛ وحسم المعركة، أو ذروة الصراع لصالحه؛ يخاطبه الشاعر هل ستعيد مجدك الذي كان؛ أم ستؤول أحوالك إلى ما آلت إليه أحوالي من غربة واحتراق؛ وقد عبر عن إحساسه الاغترابي وزمنه الآفل بقوله:(أي أسطورة ستعيد إليك سطوتك الآفلة؟؟)، وهذا يعني أن الاثنين يعيشان في وحشة الغربة ؛ الأول (إيهاب ) الذي عانى غربة الخواء بعد الانتصار وهجران البحر بعد عناد وعناق طويل وصراع مع الحيتان والأسماك؛ و الثاني (الشاعر) الذي عانى الوحشة والغربة والعزلة بعد مجد غابر وتاريخ حافل بالأمجاد والمواقف العظيمة؛ وما حضور الشخصيتين إلا لاستذكار ما كان واسترجاع حيوي لرؤى وأزمنة مبهجة ذات قوة، وعظمة، وإثبات هوية، وكيان.
وما ينبغي التأكيد عليه: إن القوى الفاعلة في تحريك الشخصية الروائية في قصيدة (تجليات الماء) تكمن في سيرورة الرؤى والأحداث والمكاشفة الحوارية الصريحة بين الشخصيتين،وهذا ما جعل الواقع الشعري يطغى على المساق الروائي،ويكسب شخصية إيهاب بعداً رمزياً يدل من خلاله عن واقعه وإحساسه الوجودي،واغترابه وحرقته الشعورية، وهذا مكمن اتلقوة الشعرية في الخلق الإبداعي المؤثر.
2-الإحساس بالفقد أو الخواء:
إن من أهم البنى الدلالية المؤثرة في مجريات القصيدة ،وتعميق فاعلية الشخصية الروائية المستحضرة، شخصية(القبطان إيهاب) الإحساس بالفقد أو الخواء أو التلاشي والأسى والضياع؛وهنا جاءت جميع أسئلته الحوارية منصبة في هذا الجانب تماماً؛ وهذا يعني أن الشخصية الإيهابية هي شخصية الشاعر في مغامرتها، وجسارتها، وإرادتها الماضية؛ فعلى الرغم من أن كليهما يعانيان من أفول القوة، والشباب، والإحساس بالخواء؛ في واقعهما الاغترابي الذي آلا إليه فإن شخصية الشاعر مازالت تقاوم ،وتعلن جسارتها رغم الغربة، والضيق، والإحساس بالهرم، واليأس المطبق؛ أي أن الدلالات الاغترابية تفيض برؤاها ومتحققاتها الوجودية في العيش مع الشخصية الروائية وتحثث قوتها الصلدة على المواجهة، ولا نبالغ في قولنا: إن ‘إحساس الفقد والخواء والاغتراب يرافق معظم الشخصيات الروائية في قصائد (أولئك أصحابي)،واغترابها لايكون على درجة واحدة من الشدة والوطأة النفسية والوجودية،واغتراب شخصية الصياد(إيهاب) يختلف في حدته عن الاغتراب الذي تعيشه شخصيته الروائية ( مدام بوفاري)والاغتراب الذي تعيشه شخصيته الروائية(الكولونيل )يختلف عن الاغتراب الذي تعيشه شخصية(آنا كارنينا)، كما في قوله:
فمن ستكون .. بلا بحر ؟
لا سُفُنٌ .. لا رفاقٌ ..
ولا عائلهْ”(7).
إن الإحساس بالفقد والاغتراب هو ما يرافق الشخصية الروائية(شخصية إيهاب)،ويعكس مداليل الفقد والغربة الوجودية التي يقاسيها في عالمه الوجودي الجديد، فكما يعاني (إيهاب )شوق العودة لعالم البحار، والتمسك بهذه العوالم ،فإن الشاعر يحن إلى الأجواء العراقية ،وما(العائلة) إلا رمزاً للانتماء،وانتماء المغترب يكون دائماً للجذور(الأهل والوطن والحبيبة)، ولهذا يحلم دوماً أن يعود إلى عراقه، ومنزله القديم وحديقته،وماترك فيها من أطياف وذكريات وأخيلة لاتغيب عن ناظريه؛ إذ يقول:
لو حلمتَ.. بأنّكَ بالقرب من باب بيتكَ..
كُنتَ تشكُّ .. بأنّكَ بالقُربِ من باب بيتكَ..
لا أَحَدٌ في الجوارِ ..
مُذ أَسَرتكَ المياهُ البعيدةُ.. غابَ الحوارْ
. . . . . .
. . . . . .”(8)
سبق وأشرنا: أن حميد سعيد استعان بالفراغات النقطية للتعبير عن الكثير من الرؤى، والدلالات المضمرة؛والشاعر عبَّر عن الإحساس بالفقد والخواء من خلال هذا المد النقطي المتتابع؛ دلالة على المفاعلة الحوارية بين ما تضمره اللغة بسوادها ؛ وما تظهره الفراغات النقطية بامتدادها؛ وكأن ثمة إيقاعاً متناوباً أو تناوبياً بين (الشكلين اللغوي/ والبصري) تظهرهما القصيدة في مدها الدلالي؛ وحراكها البصري؛والشاعر كشف من خلال واقع شخصيته ( شخصية إيهاب) عن الكثير من الرؤى والدلالات والمنظورات المتناقضة بين شخصية (إيهاب) الجسورة المقاومة في فضاء الرواية، وواقعها في فضاء القصيدة؛ فهي، هنا، لا تملك من أمرها هذا الانفتاح، والجسارة، والقوة، والصبر، والجلد، والتحمل ؛ إنها الشخصية الهرمة التي ما عادت تملك إرادة التغيير؛فهو وحيد لا بحر.. لا عائلة .. لا أصدقاء؛ فكيف في ظل هذا الواقع المرير يعلن انتصاره وثباته؛ إنه أراد أن يواجه شخصية إيهاب؛ وكأنه يخاطب أناه الداخلية .. فكيف في ظل هذا الواقع الاغترابي المهترئ يمكنه الثبات، والمواجهة، والعودة إلى تلك الأزمنة بقوتها، ودفقها، وخصوبتها في ظل هذا الواقع المرير المتحجر؟؟!!؛إن ما أراده الشاعر أن يدمج الواقعين معاً (واقع الرواية وواقع القصيدة) هذا من جهة ؛ وواقع الشاعر وواقع شخصيته الروائية المستحضرة (شخصية إيهاب) من جهة ثانية؛ وهو بدمجه بين هاتين الشخصيتين والواقعين معاً يرتقي بالواقع الرؤيوي والشعوري للقصيدة ؛ ومن يتتبع في مدى فاعلية هذا الدمج والاستحضار يتأكد له عمق المفاعلة والمكاشفة الحوارية التي تغني جوهر الرؤية الشعرية في القصيدة؛ وهي نفي واقع الشخصية الآنية؛ أونفي واقعها الراهن لتعلن إرادتها،او صمودها الهش، وهو-برفضه لهذا الواقع- يرفض هو واقعه ووحشته المؤلمة واغترابه المرير، وما لجوء الشاعر إلى الحلم إلا لسد هذا الخواء،وهذا العجز، وحالة الفقد التي لازمته ؛سواء في مجموعته(من أوراق الموريسكي) أم في مجموعته الجديدة ( أولئك أصحابي)؛ ليعلن في النهاية ثبات موقفه رغم سيطرة عالم الحلم على ذات الشاعر من خلال شخصية (القبطان إيهاب ) الذي دحر المستحيل في مرحلة من حياته،وأعلن ثباته في وجه الحياة المتناقض؛ أما الآن في ظل واقعه المتفسخ الهرم فهو غير قادر على أن يقوم بأعباء ذاته؛ وكسر حاجز غربته ووحشته المريرة: 
“أَتُرى.. هلْ ستحلمُ ثانيةً أنْ تكون ؟
لتصعدَ من ومضةٍ..
كَشَفتْ كلَّ ما خَبّأتهُ القُرونْ
تعودُ إلى الماءِ..
من غير أن يتراءى لك الموكبُ الأبيضُ المهيبُ..
مُقترِناً بدم السيّد الجميلِ
تُعيدُ إليك الضفافُ البعيدةُ.. صَفوَكَ
كُن حَذِراً منكَ
إيّاكَ أنْ تتمادى.. كما كنتَ
للماءِ هذي القراءة.. يفتحُ أبوابه للمُحبّينَ
لاتوقظ الموت ثانيةً.. ليمدَّ يديه إليهْ
. . . . . .
. . . . . .”(9)
إن الشاعر يخاف على إيهاب من منزلق الغفلة؛ أن يلتقطه البحر، ويلتهمه، فيما عجز هو والحوت في تلك الأيام على مجابهته؛ وهذه الرؤية المعكوسة تدلل على عمق المفارقة بين (الماضي/ والحاضر) ، بين( الأمس/ واليوم ) بين( الشباب/ والهرم )، بين (القوة/ والضعف )، بين (النصر/ والهزيمة) ، بين (المجد/ والانحطاط)؛ إن هذا الواقع الذي تعيشه الشخصية الإيهابية هي الوجه الآخر لواقع الشاعر المرير ؛ فمعاناة إيهاب الماضية هي معاناته، وحرقته المريرة، ووحشته هي وحشة الشاعر وعزلته؛ ووفق هذا التصور؛ عمق الشاعر من فاعلية البياض البصري للدلالة على حالة الخواء، واليأس، والانكسار، التي يعانيها في زمنه الراهن؛ فإيهاب وإن غامر لن يكون كما كان لقد فقد الكثير من قوته ومهادنته للماء، ما عادت كما كانت؛ فهو ركب البحر في زمن الصبا بقوة الإرادة والعزيمة؛ لكنه الآن افتقد هذه الجسارة والقوة؛ وما عاد قادراً على الصمود ؛ ولهذا، يحذره الشاعر من أن يتخطفه الموت، وهو مادٌّ ذراعيه إليه مستسلماً بأمان بعد طول مواجهة مع البحر، والموت، وانتصاره عليهما:
“أفارقُكَ الآنَ..
إيهابْ
يتبعني الماءُ..
كُنْ حَذِراً منكَ..
وليكنْ البحرُ بيتكَ.. تأتي إليه الرياحُ الرخيّةُ
من كلِّ فجٍّ عميقْ”(10).
إن علاقة البحر بالقبطان إيهاب أشبه بعلاقة الشاعر بالأجواء البغدادية ؛فكما أن إيهاب لا يستطيع العيش بدون مرافقة البحر لدرجة أن البحر سكنه الروحي وإحساسه الوجودي بالكون المحيط؛ فكذلك الشاعر لا يستطيع الانفصال عن ماضيه؛ عن الطقوس البغدادية و الفضاءات العراقية التي تمثل له منبع إحساسه الوجودي ؛وذروة تشبثه بالأمل، والحلم والحياة. وبتقديرنا: إن هذا السبب هو الذي استقطبت من أجله شخصية القبطان (إيهاب البحرية)، لإثارة هذه المحاورة الوجودية الكاشفة؛ والكشف من خلالها عن الخلفية الرؤيوية لهذه العلاقة؛ وقد سبق أن أشرنا إلى :أن شعرية حميد سعيد تتجاوز الرؤى المباشرة ، إلى الرؤى الجوهر/ أو الرؤى المركز- إن جاز التعبير؛ فشخصية ( إيهاب) العنيدة الجسورة التي لا تستسلم لواقعها في لحظة من اللحظات تمثل له المحرض الكاشف لمواجهة واقعه الاغترابي المرير وغربته القسرية عن العراق؛ فكما اُنْتُزِعَ إيهاب من أجوائه البحرية عنوة ًبعد تقدم السن وأفول سنوات الصبا اُنْتُزِعَ الشاعر من الأجواء العراقية ؛ بجامع واقعي مشترك بين الشخصيتين (الغربة والحنين) ؛ فكلاهما مولع بعالمه المسلوب، ورغبته المكبوتة ، الأول بالعودة إلى العراق؛ والثاني بالعودة إلى البحر؛ الذي يمثل له وجوده الحقيقي وإحساسه الروحي الذي لا ينفصل عن كيانه ووجوده إطلاقاً. وهذا ما دفع الشاعر إلى مخاطبة شخصية إيهاب ويفضي إليه بحديث مباشر:
“وليكنْ البحرُ بيتكَ.. تأتي إليه الرياحُ الرخيّةُ/ من كلِّ فجٍّ عميقْ”؛ وهو -بهذا الخطاب الصريح- يؤكد انتصار الرؤية الجسورة على الواقع المرير المتصدع الذي عانته هذه الشخصية ، والعيش إلى نهاية الحياة مع البحر الذي لن تنتهي مغامراته وآفاقه الوجودية إطلاقاً.وكأن الشاعر أراد من إيهاب أن يتمسك بالبحر،إلى آخر المطاف،لأنه يمثل الأمل والتشبث بالحياة،فإن غادره فقد الحلم وخسر أمله بالعودة إلى فضاءاته البغدادية،بأطيافها وذكرياتها وأحلامها التي لاتتلاشى.
محصلة الرؤية الشعرية / أو كلمة القصيدة الأخيرة:
إن الشاعر أراد أن يقول كلمته الأخيرة؛ وهي أن إيهاب كما قاوم الظروف، وبقي متشبثاً بالبحر لدرجة الالتصاق، والسكن الروحي والوجودي به؛ فهو مازال مسكوناً بالأجواء العراقية مهما طالت ليالي الاغتراب، وباعدته عنه، فإنه متشبث به حدَّ الانتماء الروحي والالتصاق الجسدي،وصحبة كل من يقاوم، ويواجه مصيره؛ متشبثاً بقضيته حتى النهاية ؛ وشخصية (إيهاب) الشعرية لا تختلف كثيراً عن شخصية (إيهاب) الروائية؛ التي جسدت ثبات الموقف والقضية،وهذا يعني أن شخصية إيهاب المقاوم ظلت في الرواية كماهي في القصيدة،لكنها تراوحت بين الضعف والهشاشة من جهة،والقوة والصلادة والعظمة من جهة ثانية .. ومن هذا المنطلق،نلحظ أن حميد سعيد وجد في شخصية إيهاب القوة، والجسارة، والمواجهة ؛ ولذلك، وجد فيها ذاته الداخلية المتعطشة للحياة العراقية بجسارة الأقوياء؛ فكان من الطبيعي استحضار هذه الشخصية، وتمثلها فنياً ووجودياً في قصيدته (تجليات الماء)؛ وقد دل العنوان عن عمق هذه التجليات، بإضاءة المتن الشعري للكثير من هذه الرؤى والتجليات، وهذا ما يجعل القصيدة ناجحة في مدها الرؤيوي واغترابها الوجودي وحراكها الفني المكتنز بالإيحاء والعمق والشعرية ، وهذا بمنظورنا تحقق بفاعليته، لأن الشخصية المستحضرة فاعلة بقوة في خلق هذا التلاحم بين واقع الشاعر، وواقع الشخصية؛ وهذا ما أكسبها حيوية مضاعفة في الاستثارة والتأثير الفني حتى- ولو كان لا يعرف القارئ شيئاً مهماً عن هذه الشخصية ولا حتى الرؤية التي أنتجتها؛ لكن من باب التذكير نأخذ ما قيل عنها” 
” موبي ديك ” رواية كتبها الروائي الأمريكي هيرمان ميلفل، صدرت طبعتها الأولى في 18-10- 1851 ، ولم تلفت النظر عند صدورها وقوبلت بالإهمال، فأصاب ميلفل اليأس ليمضي بقية حياته موظفاً صغيراً في دوائر الجمارك الأمريكية ويموت مهملاً ومجهولاً في يوم من أيام العام الأخير من العقد الأخير من القرن التاسع عشر ، وبقيت هذه الرواية مهملة حتى العام 1907 حيث أدرجت ضمن سلسلة ” إيفري مان لايبرري” الشهيرة التي تنشر الأعمال الكلاسيكية.وتمثل أحداثها صراعاً تراجيدياً، بين حوت وإنسان، وهذا الصراع يعبر عن الوضع البشري وعلاقته بالوجود والحياة، متحولاً إلى رمزية فيها الكثير من التعقيد ، وبرى بعض النقاد ، إن هذه الرواية جسدت المشروع الأمريكي ، سياسيا واجتماعياً، آنذاك ، وأسلوب الرواية المؤثر، المقنع ، المشوق، شد انتباه القارئ باهتمام بالغ، وقرئت في ما بعد سياحة إبداعية فكرية”(11).
ثانياً-البعد الرؤيوي لقصيدة(يسأل عوليس.. إلى أين سأمضي؟!):
إن الشاعر في قصيدته(يسأل عوليس… إلى أين سأمضي) يحاور شخصية (عوليس) بطل ملحمة(الإلياذة)و(الأوديسا) لشاعر الإغريق: هوميروس، “هوميروس،كما هو معروف شاعر ملحمي، تنسب إليه ” الإلياذة والأوديسة ” الاغريقيتين، وكان الجدل وما يزال يدور حول الزمن الذي كان فيه ، فقد قال هيرودوت : عاش هوميروس في القرن التاسع قبل الميلاد، وفي مصادر أخرى إنه عاش في زمن قريب من زمن حرب طروادة التي كانت بين 1184 و 1194 قبل الميلاد .ومن شخصياته –عوليس– المقاتل الإغريقي الذي أبدى بطولة عالية في حرب طروادة والذي أحب مدينته –إيثاكا– وكان عاشقا لزوجته–بينلوب “(12)
تحاول القصيدة أن تطرح رؤيتها بجسارة عبر شخصية (عوليس) المستحضرة التي تحاول أن تستعيد مدينته الضائعة(إيثاكا)، وزوجته(بنيلوب) ومجده الغابر؛ والشاعر أراد من جراء استحضار هذه الشخصية ومحاورتها أن يحكي قصته، ويدمج التجربتين معاً؛ تجربة عوليس، واستعادة مجده القديم ؛ وتجربته هو واستعادة مجده العراقي الحافل بالمواقف والمناصب المرموقة والأمجاد المشرفة بجامع الرغبة العارمة، أو الدافع الداخلي في كلا التجربتين؛ لكن عوليس خسر زوجته (بنيلوب) التي تزوجت بغيره بعد خبر مقتل (عوليس)زوجها؛ وتزوجت بشاب وسيم ؛ وعندما رجع (عوليس) تنكرت له زوجه الخؤون ؛ وتأففت منه بعدما شاب رأسه، وضعفت قوته،وزهو شبابه وصباه، أجابته بوقاحة ومضاضة مريرة: ارحل يا(عوليس) لقد تزوجت بغيرك وبنوت من سواك؛اذهب قبل أن يأتي الحراس ويقتلوك: إن زوجي شاب وسيم وفتي .. ارحل… أجابها (عوليس) بحسرة وندامة:”( ملعونة أنت بنيلوب ) سأبني مملكتي من جديد؛ وأستعيد عرشي التليد..”؛ هكذا، تُجْمِع الروايات كلها حول هذه الرؤية المنوطة بهذه الشخصية ؛ وهنا ؛ نتساءل: ما الجامع المشترك بين شخصية الشاعر وشخصية (عوليس)؟؟ الجامع أن كليهما يريد استعادة مجده القديم ومملكته الضائعة، الشاعر استعادة الفضاءات البغدادية، وأمجاده الغابرة؛ و(عوليس) استعادة مملكته الضائعة وعرشه القديم وزوجه التي أحبها ؛ وأولد منها، فكلاهما يبحث عن زمن مفقود، وماضٍ مستلب، ومستقبل مشرق حافل بالأمجاد والانتصارات المشرفة؛ يقول الشاعر:
يسألُ عوليسُ .. إلى أين سأمضي؟
لا مكانَ لي..
وليسَ لي من سفنٍ تُعيدني إلى فردوسي البعيدِ..
إيثاكا.. التي تعثّرت بأبجدية الأحلام
لو عدتُ إليها..
مَنْ سيعرفُ القادمَ من متاهةٍ خرساءْ؟
عامَ ركبتُ البحرَ..باتجاه ضفةٍ أخرى..
وجدتُ الضفةَ الأخرى..
تعدُّ ما يُعَدُّ للرحيل ..
فإلى أين سأمضي؟
لا مكانَ لي..”(13).
إن (عوليس) يعاني الإحساس بالفقد والضياع؛ وهذا الإحساس كما رافق الذات العوليسية رافق الذات الشعرية ؛ ف(عوليس) لا يعرف إلى أين سيمضي في ظل هذه المتاهة؛ فقد مدينته(إيثاكا)، وفقد فردوسه المفقود وملكه العظيم ؛ لم يعد له من موضع مشرِّف يرتاده بعدما ضاع منه كل شيء، لا يوجد له من محفز وجودي يدفعه للحياة ؛ حتى زوجه ومحبوبته (بنيلوب) قد فقدها، ولم يعد من ملكه أي شيء يعيد له دفق الأمل من جديد؛ إذ يقول:
بنيلوب ماتت.. واستُبيحَ نولُها
المياهُ فارقتْ لغتها الأولى..
تصحَّرت ضفافُ آخر القصائد البيضِ..
غزاها الرملُ والرمادُ..
وادّعاها السادةُ السماسرهْ
. . . . . .
. . . . . .”(14).
إن إحساس الفقد والخسران يرافق هذه الشخصية؛ فزوجه (بنيلوب) أصبحت مباحة، وغزا ملكه الرمل والرماد ، ولم يعد من بقايا ملكه إلا الأطلال، والرمل، والرماد الذي ذراها ومحا معالمها، وهنا، عبر الشاعر كعادته بصرياً بهذا المد النقطي المتتابع عن حالة الخواء والفقد والخسران التي لازمته؛ فلم يجد أبلغ مظهراً من الدلالة على هذا الإحساس بالخواء سوى المد النقطي المتتابع الذي يعبر عن قمة الاحتراق والخواء والجو الموحش ، فلم يعد له من أمل في استرجاع ما كان بعدما عزاها السماسرة، وادعى ملكها السادة النخاسون،والمرابون الأخساء، ووفق هذه الرؤى الجامعة تطرح القصيدة رؤيتها بعمق وشفافية ، وفق المنظورات التالية:
1- الإحساس بالمنفى والحرقة المريرة:
إن الإحساس بالفقد والمنفى والضياع يرافق هذه الشخصية؛ وتشتد هذه الأحاسيس كلما أوغل القارئ في تتبع مسارات هذه الشخصية؛ وكأن من مستلزماتها الوجودية الإحساس بالنفي، والضياع، واقتسام السماسرة ملكه، وبيع أشيائه في السوق السوداء؛ وأصبح كل شيء في مملكته مباحاً حتى أقراط زوجه بنيلوب أصبحت سلعة في يدي السماسرة يتاجرون بها؛ و يتناقلونها كأي سلعة رخيصة أو متداولة فقدت قيمتها من كثر التداول والامتلاك ؛إذ يقول:
تقتربُ البحارُ ..
من أولئك الذين سطّروا الملاحمَ الأولى..
على طين البلادِ
يهربونَ..
أغلقوا الأبوابَ في المنافي..
واستجاروا.. بانتظار ما سيأتي..
كانَ عوليسُ هو الوعدُ الذي صارَ بعيداً
إذ رأى أقراطَ بنيلوب .. تُباع..”(15).
إن شخصية(عوليس) يقرنها بشخصيته،وواقعه الاغترابي المرير،فكما ذهب ملك عوليس،وفقد في المنافي ملكه،فقد الشاعر منزله وملكه العراقي،فكلاهما خسر أشياءه وفقد ممتلكاته في المنافي وسياطها المؤلمة. ولهذا اختلط زمانه بالوجاعة والاغتراب،وصارت بلاده بلاد الأوغاد والأرجاس والأذناب،وهذا ما يظهره قوله: 
اختلط ال..
وصار كلُّ وغدٍ يكتب اسمه.. في العشرةِ المبشَّرهْ
في ضنكِ الحدائقِ المهجَّرهْ
تُحَرَّمُ الألوانُ.. هذا شجرٌ مغتربٌ
يُعَدُّ في مهجره الكئيب.. من سلالة الأقنانْ
كان الأخضرُ الرزينُ في طريقه إلى منازل الأصحابْ
غيرَ أن الريحَ أوقفتهُ.. فمضى..
منكسراً..”(16).
إن القارئ سرعان ما يدرك الإحساس بحالة الفقد والانكسار التي لازمت شخصية(عوليس)؛ هذه الشخصية التي افتقدت ملكها؛ وما عادت تملك إلا الوحشة والتشرد والضياع؛ وكأن كل شيء قد فقد ملكه؛ وانهار، وتلاشى، وأصبح من سلالة العبيد بعدما كان في ملكه يزدهي بأمجاده وحضارته الغابرة ؛ حتى أقراط بنيلوب نالها الذل والعار؛ وفقد ملكه الذي كان وأصبح في نفيه مهجراً منكسراً لا حول له ولا قوة،فماذا بعد أن بيعت أقراط زوجته ؟ فكيف حالها؟ وهي المرأة الجميلة التي تأخذ بالألباب والعقول لشدة جمالها، وهنا تراود الشاعر الكثير من المواقف والرؤى في تفعيل هذه الشخصية،وكأنه يحكي من خلالها عن ملكه الذي تلاشى؛ إذ يقول: 
على امتداد الغاب.. كانت الذئابُ
تعوي.. والطيورُ في ارتيابْ
من ذا الذي يُدِلُّ عوليسَ..
ومن سَيُطلِقُ الأمواجَ من قيود الملحِ..
مَنْ يُحَرر الإنسانَ من هذا الهراءِ
مَنْ سيُبعدُ الصَبا الجميلَ.. عن نشاز الندب والبكاء ؟
. . . . . .
. . . . . .”(17)
إن تلاعب الشاعر بالعزف على الإيقاعات البصرية هو من محفزات الرؤية الشعرية لديه؛ خاصة إذا أدركنا أنه يوظفها في مكانها البؤري الدال بقوة عن صلب الدلالة، أو صلب الرؤية المبثوثة في ثنايا القصيدة؛ وهنا يلحظ القارئ معنا كيف عقد أواصر الرؤية على المسارات النقطية التي يتركها لتشي بالكثير من الدلالات المضمرة التي تخفيها هذه القصيدة؛ وهذا يؤكد تعاضد البنى الدلالية مع الإيقاعات اللغوية/ والبصرية في التعبير عن إحساس الغربة والضياع والمحو والغياب التي تحس بها الشخصية المستحضرة برؤى متفاعلة مكتظة من الأحاسيس والرؤى المحتدمة، وكأن ارتحال الشاعر إلى البياض هو لبث ندبه الداخلي وبكائه الصامت خلف غمامة الدموع والآلام و صبابة الأحزان الرمادية ؛ وهذا يدلنا أن تفاعل البياض/ مع مداد السواد الكتابي دليل غربة واحتراق شعوري، وإحساس بالفقد والضياع المرير؛ وكأن البياض النقطي هو صدى إحساسه المتوتر المأزوم الذي لن يعوضه أحد؛ وفي ظل هذه الاحتدامات والصراعات الداخلية تحس الذات بقلقها؛ وواقعها المأزوم الموحش الذي لا يضمر خيط خلاص ولو كان وهمياً؛ أو بصيص أمل وحيد و لو كان سراباً؛لا يملك سوى أطياف لمملكته الضائعة(إيثاكا)، وحلمه بالعودة إليها واسترجاعها من جديد. كسابق عهدها فتية جميلة كما كانت.
2- الحلم بالعودة وبناء مملكته الجديدة:
من الموشرات الرؤيوية البؤرية الدالة في هذه القصيدة؛ حلم (عوليس) بالعودة إلى مملكته السالفة ؛إلى عالمه الحقيقي الذي اُنتُزِع منه؛ فكما اُنتزِع الشاعر من الفضاءات البغدادية؛ وعانى حرقة النفي، والغربة، والتشرد، والضياع ؛ وأخذ حلمه يتنامى شيئاً فشيئاً بالعودة والخلاص فقد بدأ حلم (عوليس) يزداد تدريجياً بالعودة إلى دائرة الخلاص؛ بالعودة إلى مملكته(إيثاكا)؛ هذه المملكة التي طالما حلم باسترجاعها بجامع وحدة الشعور؛ ودفق الأحاسيس الاغترابية المريرة؛ إذ يقول:” 
تلوحُ إيثاكا.. كما ودّعتُها من قبلُ
لكنَّ الذي يلوحُ لي.. ليس الذي كانَ
متى تعودُ إيثاكا.. إلى أيّا مها..
إليكَ..”(18)
هنا،يحلم الشاعر على لسان شخصيته أن يكسر حاجز اغترابه المرير،ويعود إلى مدينته(إيثاكا)، وهذا يعني أن حنين (عوليس) إلى مدينته( إيثاكا) هو أشبه بحنين الشاعر إلى الفضاءات البغدادية التي طالما عشقها الشاعر، وتغنى بكل ركن من أركانها؛ وكل موضع أو موطئ قدم من ترابها الطاهر الزكي، وهذا ما جعل استحضار الشخصية، ومحاورتها كاشفا ًبؤرياً عميقاً عن مضمرات دلالية كثيرة؛كما في قوله: 
“انتزعت طروسَها الظلالُ..
وتعثَّر التاريخُ..
هذه مدينةٌ أخرى.. وقد تكون كذبةً أخرى”(19).
هنا،يجتاح مشاعر الشاعر دائرة السؤال الاغترابي المرير، الذي يحمل الوجاعة والأسى والحرقة والاغتراب والألم،متسائلاً عن مدينته.. هل هذه مدينته أم مدينة أخرى،وهل هذا هو التاريخ الذي عايشه وعاصره أم هو تاريخ آخر، لا يحمل من أمجاد وصورة (إيثاكا) إلا الأطياف والأخيلة المتلاشية عن مدينته التي كانت وعالمه الخصب الجميل الذي يحمل في طياته الأمل والحنين والبشائر الخيرة؛إذ يقول:
“وقد تكونْ
لها على عوليس ماله عليها.. وبها من الجراح مابه..
وبانتظاره..
تؤجِّلُ اقترانها بما تبقى من ملاحمٍ..
وبانتظارها.. يؤجِّل الرحيلْ
بعيدةٌ حدائق الأحفاد..
من سيجني ثمراً مخاتلاً .. منها
ومن يدقُّ باب الريحِ.. من يفتحُهُ ؟!
يُطِلُّ من ذرى منيعةٍ..
يرى ما تفعلُ الإرضَةُ بمدائن الأجدادْ
بعيدةٌ حدائق ُ الأحفاد..
لا أراها..
اغتربت مياهها.. واغتربت طيورها.. واغترب المطرْ
من أيِّ بابٍ في خريفها سيدخل الشجر؟”
. . . . . .
. . . . . .”(20).
إن الشاعر يضع شخصية (عوليس) أمام سلسلة احتدامات، وصراعات داخلية، وهواجس كثيرة تراوده لا يملك لها خياراً؛ إنه بانتظار مملكته الحلم(إيثاكا)؛ لكن الطريق إليها حافل بالهواجس، والتأملات، و الأحلام المبعثرة المتلاشية؛ لا يملك لها خياراً أو قراراً؛أو حتى إرادة في ظل هذا الكم الهائل من الرؤى الاغترابية والهواجس المحتدمة في قرارة ذاته العميقة ؛ وكأن كل شيء أمامه يؤذن بالتغير، والتزوير، والتزييف؛ فقد يكون أمام مملكة أخرى لا تمتُّ إلى الأولى بصلة؛ وهذا ما نستدل عليه من قوله:) هذه مدينةٌ أخرى.. وقد تكون كذبةً أخرى/وقد تكونْ/لها على عوليس ماله عليها.. وبها من الجراح ما به..”؛فهذه المملكة ليست مملكته المنتظرة؛ وإنما مملكة أخرى جريحة ؛فيها(بنلوب)ليست زوجه التي أحبها، وصانت كرامته وعزه؛إنها امرأة خؤون خانت عهده؛ وطعنت فراشه؛ ونكحت غيره؛وهذا ما يجعله دائماً في تردد وارتباك وهواجس محتدمة؛ الأمر الذي جعله ينظر إلى هذه المملكة بعيون غريبة قلقة متوجسة: هل هذه المملكة هي مملكته الماضية حقاً أم أنها مملكة أخرى؛؟؟ وهل بنيلوب هذه زوجه التي عاشرها ؟؟ أم امرأة عاهرة خؤون باعت ثدييها في مزاد النخاسة؛ إلى من يشريها بأبهظ الأثمان؛ وهنا، ترك حجم الفراغات والنقط الفراغية المتتابعة مفتوحاً ؛ليشير إلى عمق الحيرة التي لازمته ؛ وجعلته في انفتاح شعوري وامتداد توتري قلق أو مفتوح على كل الاحتمالات.؛وهذا ما جعله ينظر إلى هذه المملكة نظرة مغتربة ؛ لم يعد فيها أي شيء مما يألفه، لقد فقد كل شيء بريقه الذي كان؛ حتى المياه، والطيور، والأمطار، والشجر أصبحت غريبة في مملكته؛ فكيف بحال الإنسان الذي هو بالتأكيد أكثرهم اغتراباً وتغيراً؟؟ وذلك بسبب نوازع البشر الكثيرة ورؤاهم ومطامعهم المتزايدة على الدوام؛ ومن الحنكة الإبداعية أن جعل مساحة التحسر والحرقة الاغترابية مفتوحة على أشدها من خلال المد النقطي المتتابع، ليؤكد عمق الاغتراب وصداه المؤلم على نفسه؛إذ يقول:
“يسأل عوليس.. إلى أين سأمضي ؟
كلَّما اقتربتُ من أسئلتي.. تبعدُ إيثاكا
تعبتُ..
كلّما اقتربتُ منها.. ابتعدَتْ”(21).
إن الشاعر يتساءل على لسان شخصيته بحركة (بانورامية )منفتحة،إلى أين سأمضي،فكل المدن التي يراها لا تشابه(إيثاكا) مدينته الضائعة، فكلما اقترب من أطيافها ابتعدت، وكلما تذكرها، أو خطرت أطيافها على مرأى عينيه شعر بالاغتراب والأسى المرير، وهذا ما تشير إليه بقية الأنساق في حركتها الدلالية،إذ يقول:
ما عدتُ أختارُ العشيّات لألقى من أُحبُّ..
في رحابها..
أو أُبعدُ العناكبَ الفظّةَ عن أبوابها
تغدو الكوابيسُ إذا ما اقتَرَبَتْ منها..دليلاً حذراً
في ليلها أرى الدمَ المُراقَ في عليائه..
على القبابْ
وفي النهار..تملأُ الشوارعَ الخائفةَ الذئابْ
أيتها المدينة التي ما دجّنتها الخطبُ العصماءْ
ولا العمائمُ التي يضجُّ في طيّاتها الرياءْ
ولا الأكاذيب التي تئنُّ منها..الكتُبُ الصفراءْ
لربّما يدقُّ بابَ الريحِ عوليسُ.. افتحي
أيتها المدينة التي.. تسهرُ بانتظاره..
الأبوابْ”(22).
هنا ؛ يحقق الشاعر ذروة الدرامية ؛ وذروة الرؤية الشعرية التي يريد الشاعر إيصالها؛ ومن أجل ذلك، يلحظ القارئ الاحتدام الرؤيوي، وكثافة المنظورات التي يريد الشاعر أن يبثها على لسان الشاعر عبر لغة القص السردي الشائق على الرغم من حضور شخصية(عوليس)،بوصفها الشخصية الناطقة بكل ما يريد بثه، أو الإدلاء به؛ وهذا يؤكد اندماج الشخصيتين معاً في التعبير عن المناورة الداخلية / أو(المنولوج) أو( الديالوج) الكاشف عن شدة الاحتدام، والصراع الداخلي ؛ وهذا يعني أن الشاعر يفضي بحديثه الداخلي إلى الذات؛ مرتداً منها وإليها؛إنه كلما اقترب من مملكته(إيثاكا) ابتعدت؛ وكلما ابتعدت اقتربت؛ وهذه المناورة يسقطها على نفسه ؛ فكما أن مملكة (عوليس) تناوره وتباعده، وتشوقه دوماً فكذلك بغداد تفعل فعلتها بالشاعر، تناوره؛ وتزاحمه؛ وتنأى عنه،بظروف محايثة لواقع عوليس، ومدينته المناورة؛ ولكن كما هو معتاد في قصائد هذه المجموعة دائماً تطالعنا نظرته التفاؤلية لتدل على إحساسه المبشر بالعودة والخلاص ؛ فلابد من بشائر الخير والأمل بالعودة إلى العراق؛ وعوليس إلى مملكته الضائعة وزمنه القديم، وما قوله:( لربّما يدقُّ بابَ الريحِ عوليسُ.. افتحي/أيتها المدينة التي.. تسهرُ بانتظاره../الأبواب).
إذاً، إن الشاعر أراد أن يقول كلمته الأخيرة، ويدمج تجربته بتجربة البطل التراجيدي (عوليس)، (رمز المقاومة والتحدي)؛ فهو رغم كل الظروف سيعود إلى الفضاءات البغدادية شأنه في ذلك شأن شخصيته الأسطورية(عوليس) الذي سيرجع إلى مملكته( إيثاكا)، وزوجه بنيلوب يوماً ما ؛ويبني مملكته الجديدة ؛ ويعيش حلمه التراجيدي الذي طالما حلم به ومازال. وهو بذلك يستثمر الشخصية الأسطورية بكل حرارة الموقف، وعمق الرؤية. 
بلاغة الرؤيا الشعرية/ أو كلمة القصيدة الأخيرة:
إن الشاعر حقق بقوة بلاغية مثيرة ما يريد من خلال استحضار شخصية(عوليس)؛ إذ أضفى عليها من إحساسه ما يمنحها عمق الرؤية، وبلاغة المنظور، من خلال دمج الموقفين والشعورين و الإحساسين معاً؛ (موقف الشاعر من اغترابه القسري عن العراق)؛ و(موقف بطله الأسطوري( عوليس) الذي عانى من غربة مريرة عن زوجه ومملكته الضائعة) بسبب الحرب الهوجاء (حرب طروادة)؛ وخبر مقتله الذي قلب الموازين، وخسر ملكه، وزوجه، ومجده التليد؛ وهنا ؛ تتحد الشخصيتان معاً في السياق الشعري، ويلتحمان بقوة؛لإبراز الحرقة المريرة؛ والغربة الجارحة دون أن يُغَيَّبَ الأمل، بالعودة إلى مجده القديم، وحلمه بالعودة على أجنحة التفاؤل بالآتي؛ ولو كان محض سراب ؛وهذه الروح التفاؤلية هي ما تسم قصائده، ومن ضمنها هذه القصيدة.
وبتقديرنا: إن الشاعر حميد سعيد أغنى فضاء قصائد (أولئك أصحابي) بالمعايشة والمعاشرة،ولهذا تبدو هذه الشخصيات من ملصقات واقعه،وإحساسه الوجودي،وهذا ما أدركه في قوله:( لقد تعلمت من تجارب جميع أشخاص – أولئك أصحابي – إذ استمعت إليهم ،ورافقتهم في حيواتهم، وحاورتهم في أقوالهم، وأفكارهم، ليس بإحساس الاغتراب ، بل بإحساس من يحاور صاحباً، إذ كانوا وما زالوا أصحابي)(23) .
وصفوة القول: إن قصائد (أولئك أصحابي) تتأسس على وعي فني بالشخصية الروائية،وملامستها من الباطن الشعوري بروح تنزع إلى الوصف والسرد والقص الحكائي،والحوار وتكثيف الأحداث وهذا ما يثير شعريتها

الحواشي:
(1) شرتح،عصام،2015- حوار مع الشاعر حميد سعيد حول مجموعته( أولئك أصحابي)،مجلة الحياة التونسية،تونس.
(2) سعيد،حميد،2015-أولئك أصحابي،الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين بالتعاون مع بيت الشعر الفلسطيني،ط1،ص4
(3) المصدر نفسه،ص4.
(4) المصدر نفسه،ص 4-5.
(5) المصدر نفسه ،ص5
(6) المصدر نفسه،ص5.
(7) المصدر نفسه،ص5-6
(8) المصدر نفسه،ص6.
(9) المصدر نفسه،ص6.
(10) المصدر نفسه،ص6-7.
(11) مخلف الحديثي،حمدي،2016-تكامل الرؤى بين واقعية الرواية ورمزية القصيدة، مخطوطة،ص11.
(12) المرجع نفسه،14-15.
(13) سعيد،حميد،2015-أولئك أصحابي؛ص8.
(14) المصدر نفسه ص8-9.
(15) المصدر نفسه ص9.
(16) المصدر نفسه،ص9.
(17) المصدر نفسه،ص9-10.
(18) المصدر نفسه،ص11.
(19) المصدر نفسه،ص11.
(20) المصدر نفسه،ص11-12.
(21) المصدر نفسه،ص12.
(22) المصدر نفسه،ص12.
(23) شرتح،عصام،2015- حوار مع الشاعر حميد سعيد حول مجموعته(أولئك أصحابي)، مجلة الحياة الثقافية،تونس.(قسم حوارات).

شاهد أيضاً

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي منال رضوان     المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *