*عبد الحق ميفراني
تزامن انعقاد “معرض الدار البيضاء الدولي للكتاب”، الذي اختتم مؤخراً، مع صدور الأعمال الكاملة للباحث والناقد المغربي، عبدالفتاح كيليطو، في خمسة مجلدات تشمل أعماله التي صدرت بالفرنسية والعربية. كان الإصدار مناسبة للباحثين والمهتمين بمنجز كيليطو إلى أن يعاودوا قراءة السرديات العربية التراثية برؤية جديدة، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بباحث خلخل بنية قراءة هذا التراث من الداخل سواء في بعده الشعري أو السردي. صاحب “الأدب والغرابة” و”حصان نيتشه” و”خصومة الصور”، يتذكر حينما كان في سن الرابعة عشرة عندما نشر قصته الأولى باسم مستعار، وكان حينها قد اكتشف الأدب حديثاً عن طريق عوالم المنفلوطي، في حين اقترب كيليطو من جغرافيات الأدب الغربي من خلال الأدبين الأميركي والإنجليزي، إذ يتذكر انخراطه في المكتبة الأميركية في الرباط وقراءاته المتعدّدة لأمهات وروائع النصوص.
ظل كيليطو مسافراً بين الثقافات واللغات، مقيماً فيهما. فهو لم يفقد الصلة بالعربية، حين اختار الفرنسية لغة كتابة إلى جانبها. كما ظلّت الكتابة لديه متعلقة بمزاجه الشخصي مع أنه يؤكد ارتباطه الشديد باللغة العربية. ويعتبر كيليطو أنه لا يمكن دراسة التراث ما لم تكن ملماً بالأدب الحديث، والعكس صحيح. ولعل حضور هذا التعدد “القرائي” يفسر تلك “الصبغة الأدبية” لأبحاث كيليطو ودراساته عن الأدب، وبالمقابل الصبغة “التنظيرية” في إبداعاته. يعتبر كيليطو أن علاقتنا بالترجمة تغيّرت اليوم، عكس نظرتنا إليها في الماضي.
سبق لكيليطو، وضمن إحدى حواراته، أن قال “خلال النهار أقرأ كتباً بالعربية، وفي الليل أقرأ أخرى بالفرنسية، وهذا النظام، رغم صرامته، لا يمكن لي تفسيره منطقياً. فهل قراءة النهار هي قراءة العقل وقراءة الليل هي الحلم”. هذا الفعل المعرفي الذي يحدّده كيليطو في السفر بين لغتين، بين ابن حزم والتوحيدي والمعري ورولان بارت وكافكا وكونديرا، هو ما يشكل “ريبة مضاعفة” لا لفعل القراءة بل لفعل الكتابة نفسها.
في كتابه “لسان آدم” يستحضر كيليطو مسألة “الازدواجية اللغوية”، إذ لا يمكن القيام بدراسة ظاهرة قديمة ما لم يجر التفكير في الحاضر. سبق لكيليطو أن نشر كتاباً يحمل عنواناً ملتبساً “أتكلم جميع اللغات، لكن بالعربية”، ويقع ضمن مسار بحثه عن تلك اللغات التي تسكننا رغم أنه كان “موضوع تفكير منذ عشرين سنة”.
يسأل كيليطو “كيف يمكن أن نكون أحاديي اللغة؟” أنكون كذلك بالفعل حين نتكلم لغة وحيدة؟”، أحياناً يرغب “الواحد منّا أن يهرب من لغته حتى يقترب منها أكثر”، بين أسئلة الهوية والغيرية، تنبع إشكالات مرتبطة باللغة كالترجمة. يقول كيليطو “يحدث أحياناً أن نكتب كلمة أو جملة دون أن ندرك تمام الإدراك مدلولها، أو نتساءل عن صحة مضمونها. لا يتعدى الأمر حينئد فهماً غامضاً، تصوراً ملتبساً، حدساً ما”.
________
*العربي الجديد