*السيّد حسين
لم يخطر ببال الروائي المصري محمد ربيع أن تصل روايته «عُطارد» إلى القائمة الطويلة ومنها إلى القائمة القصيرة لجائزة الرواية العربية «البوكر»، وقال إنه فوجئ بذلك، مرجعاً فضل اتجاهه إلى الأدب إلى نجيب محفوظ، حيث أغرم به في سن صغيرة وتعلم منه الكثير، خصوصاً في ما يتعلّق بالقدرة على تنقية النصوص القديمة من الشوائب والإطناب ويقول: «كان محفوظ ماهراً في تطوير كتاباته على الدوام، بعد ذلك اهتممت بالغيطاني وصنع الله إبراهيم، ثم أتى جوزيه سارماغو وأمبرتو إيكو وهاروكي موراكامي ليشكلوا نماذج ممتازة من الكتّاب بالنسبة إليّ».
يقول ماركيز: أكتب كي يحبني الناس وأكسب الكثير من الأصدقاء… لماذا تكتب؟
الكتابة وسيلة للتخلّص من الهموم، وطرح أسئلة لا أجد إجابات عنها، ومحاولة فهم ما يحدث حولي.
كيف بدأت فكرة روايتك «عُطارد»، وكم استغرقت من الوقت لتصل إلى القارئ؟
لا أستطيع تحديد البداية بدقة، لكنها نتجت من هزيمة ثورة يناير. كانت الهزيمة تدريجية، كذلك تطور الرواية في رأسي. حتى عند بدء الكتابة لم تكن الهزيمة كاملة، وكتبت الرواية في سنة ونصف السنة تقريباً.
كيف استقبلت وصول الرواية إلى القائمة الطويلة ومنها إلى القائمة القصيرة لـ «البوكر»؟
كان حدثاً سعيداً جداً. لم أتخيل أن تصل روايتي إلى القائمة الطويلة، ويبدو أن لجنة التحكيم ذات مزاج مختلف عن أمزجة لجان التحكيم في السنوات السابقة.
هل أنصفت الصحافة روايتك قبل أن تُنصفها «الـبوكر»؟
كتبت مقالات عدة عن الرواية في الصحافة المصرية، كذلك أجري معي الكثير من الحوارات، علماً أن الصحافة العربية لم تهتم بها إلا بعد وصولها إلى القائمتين الطويلة والقصيرة.
ما أكثر ما لفت نظرك في القائمة الطويلة والقصيرة لجائزة «البوكر» هذا العام؟
أكثر ما لفت نظري أن معظم أسماء الكتاب في قائمة هذه الدورة غير معروفة ولم يسبق لها الوصول إلى القائمة، ويبدو أن لجنة التحكيم هذه المرة انحازت إلى كتّاب غير مشهورين، وكأنها تحاول ضخ دماء جديدة بشكل غير مباشر في طريق الأدب العربي. الترشيح مهم بالتأكيد، وأظن أن الجوائز بمثابة تعويض عن المبيعات المنخفضة للرواية في العالم العربي عموماً، فكما يعلم الجميع، تنتشر الروايات المرتبط باسم الجائزة أسرع من غيرها.
معنى كلامك أن الجوائز تخدم الأعمال الأدبية وتزيد من عدد قرائها؟
بالطبع وذلك كله يخدم الأعمال المرشحة وأسماء الكتّاب جيداً، كذلك الخروج من النطاق الضيق للأعمال الأدبية أمر جيد، وتوسيع دائرة القراء يعني وصول أفكار الكاتب ورؤيته إلى أكبر عدد ممكن من الناس.
هل تروي «عُطارد» الواقع المصري بعين المثقف والكاتب؟
كنت حريصاً على إظهار شخصية الشرطي أكثر من أية شخصية أخرى. يجب أن تختبئ نظرة الكاتب أو المثقف خلف نظرات شخصياته، وأتمنى أن أوفق في إخفاء رأيي دائماً. في «عطارد»، استكمال لما بدأته في روايتي الثانية من فانتازيا سياسية تقارب اليوتوبيا المقلوبة «الديستوبيا» هذه المرة، في سرد يدمج التأمل في قلب الإيقاع اللاهث لأحداث فادحة تتوالى، والانتقال بين عوالم مستقبلية شديدة الإعتام، وماض كان مسكوناً دائماً بذلك الجحيم، وفي تطوّر لغوي سيدركه بسهولة متابع أعمالي السابقة. هي رواية عن الدماء، تستلهم حمرتها من غزارة ما أريق في السنوات الأربع الأخيرة. رواية عن الحياة البشرية وقد تدنت قيمتها لدرجة المجانية.
ما الذي دفعك إلى كتابة رواية عن هذه الفترة التاريخية تحديداً؟
الدافع الرئيس ثورة يناير، وكل ما تلاها من أحداث.
أحداث الرواية غير المتوقعة وتسلسلها المرن أنقذاها من عنصر التكرار والرتابة، هل فطرة الإبداع والموهبة وحدها القادرة على ذلك أم تراكمات خبرة الكاتب تساهم في هذا الأمر؟
تحاشي الرتابة والقدرة على جذب القارئ دوماً نتيجة للخبرة بالتأكيد، وأتمنى أن أكون قد تمكنت من ذلك فعلاً.
شخصيات الرواية، كم اقتربت من الحقيقة وشابهت شخصيات حقيقيةً؟
معظم الشخصيات حقيقي، لكن الأحداث كلها مختلقة، ما عدا ما جاء ذكره في المدخل. هي شخصيات عرفتها جيداً، أو رأيتها في الحي حيث أسكن ولم أكلمها مطلقاً، لكن عرفت حكاياتها من الناس والجيران.
في ضوء هذه الرؤية، أي علاقة تقيمها بين الواقعي والتخييلي في كتابتك؟
في كل مرة ألجأ إلى فكرة خيالية تماماً، وأعمل دائماً على ربطها بالواقع كي أقنع القارئ أنها ليست خيالية بل واقعية.
ما تأثير المكان عليك ككاتب، وهل يؤثر فعلاً على إنتاج نص إبداعي مختلف؟
القاهرة مكان مؤثر مهم، هي المدينة التي تجعل الجميع منفعلاً معها، قد يكرهها البعض وقد يحبها البعض الآخر، وهي مكان أكبر كثيراً من تجاهل تأثيره على الناس. الأمر المعتاد أن يؤثر المكان على الكاتب، ستجد ذلك واضحاً في أعمال أدبية عدة، لكني أظنّ أن الإفلات من تأثير المكان سيخلق نصاً أدبياً مميزاً.
إزاء هذا الكم المتلاحق من الهزائم العربية، هل يمكن أن تنتج الرواية بطلاً يحمل انتصاراً قادماً أو يبشر على أقل تقدير بمستقبل أفضل؟
لا أظن ذلك. تبتكر الرواية أسئلة لدى القارئ، وقد تثير فيه مشاعر عدة، وقد تكون أداة ترفيهية لا أكثر، ولا أعرف حقاً كيف تتم صناعة الأبطال!
صدر لك بعض الأعمال الروائية الأخرى من بينها على سبيل المثال «عام التنين» و«كوكب عنبر»، ماذا طرأ من تغير على تجربتك الأدبية؟
أتمنى أن أكون قد نضجت، وتمكنت من كتابة نصوص جيدة تعجب القارئ، وتظهر له في أحسن صورة.
ما أهمية أن يكون لدى الكاتب مشروع يعمل على تحقيقه؟
لا أظن أن هذا أمر مهم على الإطلاق. المشروع نفسه قد يتغير، وقد يرى الكاتب بعدما يسير خطوات عدة لتحقيقه أنه مشروع زائف، وأنه أخطأ بالانتماء إليه. والصواب أن يتحرّر الكاتب من كل قيد، حتى إن كان الأخير مشروع كتابة.
هل الكتابة تمرد؟
بالتأكيد، وإن لم تكن كذلك فهي غالباً كتابة زائفة، كُتبت لأجل المال أو الشهرة.
ما رأيك بالجوائز الأدبية؟ هل تشكل دليلاً على إبداعية المنتج الأدبي؟
توسّع الجوائز دائرة القراء، بمعنى أنها قد تساهم في نشر الكتاب بين أشخاص لم يهتموا بالقراءة قبل ذلك، وهو هدف مهم للغاية.
ما جديدك في الفترة المقبلة؟
أحاول البدء في عمل جديد، لكني الآن في مرحلة القراءة والتفكير والتخطيط.
_______
*الجريدة