المتنبي.. شجاعة فارس أم زوبعة شاعر؟


متعب المبلع


خاص ( ثقافات )
ما تزال قصة هذا الشاعر محل أخذ ورد بين متتبعي أخبار الأدب وهواة الشعر 
هل كان صالحاً أم فاسداً؟
هل كان شاعراً أم حكيماً؟
هل كان شجاعاً أم جباناً؟
والسؤال الثالث هو ما سأتحدث عنه في هذه المقالة، وأبدأ من حيث توترت علاقة هذا الشاعر بسيف الدولة الحمداني أمير حلب حيث كانت للمتنبي رغبة باستلام ولاية أو منصب يرضي به شيئاً من طموحه غير أن الأمير لم يحقق له أمنيته 
عندها ابتعد المتنبي عن سيف الدولة لمدة تزيد على ستة أشهر واعتزل مجلسه فكثر الوشاة بينه وبين الأمير وأخذ الحاسدون بتأليب سيف الدولة على المتنبي حتى فترت العلاقة فيما بينهما، مما جعل المتنبي يأتي للأمير بقصيدته الميمية الشهيرة والتي عدّها الدكتور غازي القصيبي من أجمل قصائد العرب، ومن أبياتها:
يا أعدل الناس إلا في معاملتي 
فيك الخصام وأنت الخصم والحكمُ
وقوله:
سيعلم القوم ممن ضم مجلسنا
بأنني خير من سارت به قدمُ
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي
وأسمعت كلماتي من به صممُ
وأبيات الحكمة والجمال في القصيدة كثيرة لا يسع المقال لحصرها 
وأعود لقصة الشاعر فأقول بأن المتنبي لم يأتِ معتذراً، وإنما جاء معاتباً ولم يأتِ ليقيم عند الأمير بل ليرحل عنه حيث يقول:
لئن ترحلت عن قوم وقد قدروا
ألا تفارقهم فالراحلون همُ
– وأتوقف هنا لأقول:
” حقاً يا أبا الطيب كم من أشخاص رحلنا عنهم بأجسادنا لأنهم في الحقيقة هم من رحلوا عنا من قبل بقلوبهم وأرواحهم”. 
وبعدها سار الشاعر إلى أرض الكنانة لينشد قصيدته اليائية بحاكم مصر كافور الأخشيدي لعله يجد عند هذا الحاكم الجديد غايته لينال السلطة والجاه والمنصب ولكن لم تلبث هذه العلاقة أن تفسد مما جعل كافور يشعر بملل المتنبي من عدم استجابته لرغبته فحاصره وضيق عليه، لكن المتنبي تمكن من الهرب بعد أن هجاه بقصيدته التي بدأها بقوله:
عيد بأية حال عدت يا عيدُ 
فيما مضى أم لأمر فيه تجديدُ 
أما الأحبة فالبيداء دونهم 
فليت دونك بيد دونها بيدُ 
واستطرد بالقصيدة حتى قال بيته الشهير وهو يهجو كافور:
لا تشترِ العبد إلا والعصا معه 
إن العبيد لأنجاسٌ مناكيدُ 
وهذا حال الشاعر مهما بلغ من رجاحة في العقل لابد أن يقسو بالهجاء كما يبالغ بالثناء 
وحينها تمكن المتنبي من الهرب إلى الكوفة واستمرت مغامراته إلى أن اعترضه فاتك بن يزيد الأسدي ومعه عدة من أصحابه فقتله وفاتك هو خال ضبة الأسدي الذي هجاه المتنبي بأبيات منها:
ما أنصف القوم ضبة 
وأمه الطرطبة 
ما كنت إلا ذباباً
نفته عنَّا مذبَّة 
ويقال بأن المتنبي لما رأى فاتك وأصحابه هرب فقال له ابنه أين قولك: 
الخيل والليل والبيداء تعرفني
والسيف والرمح والقرطاس والقلمُ 
فعاد المتنبي ليقاوم ويقاتل وهو يقول لابنه: لقد قتلتني يا هذا
وخلاصة المقال:
أن المتنبي يبقى شجاعاً صاحب عزيمة مهما تحدثوا عن قصص وإشارات تدل على خوفه وجبنه، فشاعر يعاتب الأمير ويعتد أمامه ويفخر بنفسه وبشعره وبطموحه وهمته 
وشاعر يهجو حاكماً تدين له مصر بأبيات من أقذع الهجاء 
وشاعر يعيش بهمة لا تعرف الفتور وطموحاً لا يقف عند حد 
جدير بأن يقال إنه “شجاع وفارس” 
فكم من أوقات يكون فيها حمل القلم أثقل وأخطر من حمل السيف بكثير.

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *