‘تمبكتو’ ينتصر للاعتدال في مهرجان الأفلام الفرانكفونية بأبوظبي


رضاب نهار

بعد أن رشح لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية في حفلها السابع والثمانين قبل الأخير، واختير ليتنافس على جائزة السعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي 2014، بالإضافة إلى حصوله على جائزتي أفضل فيلم وأفضل مخرج من جائزة سيزار الفرنسية، يعرض الجمعة 4 مارس الجاري بسينما “فوكس″ في المارينا مول بأبوظبي، الفيلم الموريتاني الفرنسي “تمبكتو” لمخرجه عبدالرحمن سيساكو.
فيلم “تمبكتو” يقترب من روح الإنسان في العالم الثالث، يحاصرها بمفردات صارت زادها اليومي والبشع، فبين الحقيقة والزيف المفروض، يقع إنساننا ضحية، ويفقد ماضيه وحاضره، وسيحيا بالطبع دون مستقبل.

يعالج الفيلم الفكر الإسلامي المتطرف الذي اجتاحنا في الآونة الأخيرة، محاولا فرض قوانينه الصارمة التي لا تمتّ إلى الدين الإسلامي بصلة، ويكشف أصل الصراع بين المنظومة المسيطرة وبين الحقيقة الخالدة.

وإذ يتناول الفيلم قضية التطرف الديني والإرهاب، في جانب آخر من الجوانب التي تطرق إليها، فإنه يقترب من العلاقة الكامنة بين السكان المحليين وبين الأمكنة التي يقطنون بها، ليظهر جماليات الفطرة وروعة الطبيعة أثناء محاكاتها لنا.

في مدينة تمبكتو بمالي، يشبه الإنسان الحي هناك الجغرافيا المحيطة به؛ هو سلس وانسيابي مثل رمال صحرائها، لكنه شديد البأس مثلها فلسفيا وفكريا، هو شبيهها مثلما يقولون في السراء والضراء، لكن الحق يقال أيضا، فالإنسان في تلك المدينة يمتلك من الطيبة أكثر مما تمتلك الصحراء بمرات عديدة، ويكاد يضاهيها أصالة وقدرة على البقاء.
وبالعودة إلى القضية الأساسية المطروحة في النص، نلمس الصراع المرير بين فطرة الإنسان العاشق للجمال بكل تجلياته من فنون وموسيقى وحياة، وبين ذلك الموت الحاضر بلونه الأسود، والرافع لراية تنظيم القاعدة، حيث يجسّد العمل قصة سيطرة حركة أنصار الدين على مالي عام 2012، ويسلّط الضوء على المواجهات التي حصلت بين أهالي المنطقة وبين هؤلاء الداعين إلى التشدّد والعنف، دون أن يفهموا من منطق الحياة سوى فرض الحجاب والزواج من القاصرات.

يركّز الفيلم من خلال قراءته السينمائية على انشغال المتشددين بالمرأة كأساس للدين في حياتهم وآخرتهم انطلاقا من عقيدتهم المزيفة. ففي وجوه عبدالرحمن سيساكو داخل الفيلم، نفهم كيف يستطيع المرء أن يمسي الوطن في لحظة الخطر، وندرك معنى أن تحافظ على روحك أصيلة وسط غبار يجتاحك ويضربك من الجذور.

لم يعد فيلم “تمبكتو” بعد المجازر الدامية التي يرتكبها المتطرفون المعروفون باسم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، مجرّد فيلم سينمائي درامي يقدّم مأساة أحد الشعوب، بل تحوّل إلى وثيقة تاريخية تؤرشف لأحداث الواقع الراهن وتحفظها لإدانة المجرمين في الغد، هذه الوثيقة تحكي أيضا الألم عبر صور فنية، وتحمل فكرا سينمائيا رفيعا، ليصبح الجمال في هذه الحالة، القدرة على رصد البشاعة وتجسيدها بوضوح، حيث لا يستطيع كثيرون إنجاز هذا الأمر.

يذكر أن مهرجان الأفلام الفرانكفونية سيعرض إلى جانب فيلم “تمبكتو”، فيلم “عصافير العبور” من بلجيكا، و”آلام أوغستين” من كندا، و”العمة هيلدا” من لوكسمبورغ، و”لون هوت” من سويسرا وأخيرا “شوكلاطة” من فرنسا.
_____
*العرب 

شاهد أيضاً

العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية

(ثقافات) “طربوش أبو عزمي العلي”:   العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية زياد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *