الفعل الجنسي في متن الحياة وهامش الإبداع


شريف الشافعي*


يأتي، عادة، الحديث عن الجنس كأحد التابوهات في الكتابة الإبداعية على حساب تناوله فنيًّا، وتحليله كقيمة يمكن أن تضيف إلى العمل الأدبي، كما يمكن أن تنتقص منه، وتشكل عبئًا عليه. 

ويبقى المعيار الذي يقضي باستساغة الجنس في تجربة إبداعية، ويحكم بالنفور بل بالتقزز من الفعل الجنسي في تجربة أخرى، متعلقًا في الأساس بتفهّم المبدع للجنس، وكيفية معالجته جماليًّا، لا بحضور الجنس في حد ذاته.

الجنس حاضر، شئنا أم أبينا، في الحياة، وحاضر بالضرورة في نص إبداعي متدفق، ينهل من حيوية الحياة، ليصب فيها. الجنس ليس حركة ميكانيكية خرساء، نُزعتْ من ميكانيزمها اللياقة. 

الجنس فعل جسدي، وأيضًا فعل من أفعال الروح، غيبوبة صدق مشترك بين رجل وامرأة، في لحظات تنحسر فيها الكلمات الرمادية المخادعة. الجنس بوتقة خصوبةٍ وتفتّح، للخروج مما هو كائن، طمعًا فيما سيكون. الجنس حاضر حاضر، في القديم وفي الجديد، حتى في الكتب المقدسة.

الاحتفاء بالجنس زاد، ربما، في النصوص الإبداعية الحديثة، والأسباب تتعدد بتعدد التصورات والمفاهيم حول الجنس، وحول الأدب، وحول موقع المبدع في الحياة. ناهيك عن أن الجنس، في واقعين: حقيقي وافتراضي، لم يعد حديث الغرف المغلقة، بعد أن أذابت الفضائيات والإنترنت كل الأسقف والجدران.

الجنس، كقشرة استهلاكية، قد تتم ترجمته،كما لدى عدد من المبدعات، إلى مشهد بورنوغرافي مباشر، يعكس عقدًا نفسية، ودعاوى ساذجة للتحرر الاجتماعي القائم على التعري..، هذا مثلاً منطق. 

الجنس، وأحيانًا الشذوذ، هو أخصب الممنوعات، التي يمكن ارتيادها، ربما بفجاجة، لإثبات جرأة النص، وتجاوزه كل الأطر الجامدة..، هذا منطق آخر.

العالم الآن بلا طاقة روحية، والطاقة البديلة أكذوبة كبرى، ومن ثم فإن التلذذ بالجنس، بتقليصه في إطار الإشباع الجسدي، هو تكريس للمادي والحاضر والصريح والملموس، في مقابل المقدس والمجازي الزائلين..، هذا منطق ثالث. 

الجنس، هو الشرنقة الحريرية الوحيدة المتاحة، أو المنفى الاختياري الذي لا يوجد غيره، ليتم الفرار إليه من الضغوط الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، في دول مقهورة مكبوتة، مبتورة الأطراف والآمال..، هذا منطق رابع.

كل مبدع، وكل تيار، قد يكون له منطقه في تفهم الجنس، وتبرير استحضاره، وكيفية تصويره في النص. مستحيل ترجمة ألسنة الجميع بالطبع، فهناك مئات التصورات والمبررات، وبالطبع هي تصورات ومبررات متشابكة، غير منعزلة بعضها عن البعض في إطار التجربة الواحدة.

وعلى مرمى البصر، والبصيرة، الأكثر اتساعًا، يتجلى الجنس علاقة خصبة، عميقة، تختصر مساحات شاسعة من حيوية الحياة. 

في الجنس، الالتقاء الحميم بين الترابي والمائي والهوائي والناري، بين الطين والنور والنار. هذا هو الجنس الدينامي، الممكن زرعه على الصفحة البيضاء، الصالحة لقنص لحظات الحياة كلها، وتفجيرها فنيًّا بصدق، بلا زخرف ولا تعقيد ولا كليشيهات ذهنية ولغوية. 

الجنس لحظة استثنائية، خارقة، مدهشة، يمكن أن ينجم عنها كل ما هو استثنائي، خارق، غير متوقع. الجنس كشف، واكتشاف، وشراب يقود إلى ظمأ، واطمئنان لا يخلو من قلق، وسؤال يتولد منه سؤال. الجنس دماء متجددة، وأبجدية تغير جلدها، حتى لو لم تتغير الأقلام والأحبار والأوراق.

الجنس، صفحة مقروءة جيدًا في متن الحياة، مهجورة في كثير من الأحوال، في هامش الأدب.

* الأهرام.

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *