امرأة في زجاجة


*عبد الحليم أبو دقر


خاص ( ثقافات )
منذ أيام وأنتِ تأتيني في المنام بصور مفزعة، وليلة أمس رأيتك في وعاء زجاجي أخضر يشبه زجاجة العطر تعاركين شعرك و تستحمين بدموعك، كنت عارية، ولم أحس بنظراتك أنها كانت تطلب خلاصا من تلك الزجاجة، كنتِ إلى الصورة التي أخافها فيك أقرب، الصورة التي تطاردني كثيرا هذه الأيام، فأخاف على نفسي وأخاف عليك. 
قلتُ لك : “سأحطم الزجاجة” . خفتُ انحطامك معها . صرختُ فيك : “انتبهي، سأحطم الزجاجة ” … توسلتُ إليك: “ساعديني قبل أن أحطمها”. كلما قلت لك ساعديني تضحكين.. امتلأت أحشائي بالعطر، جاشت نفسي. لم تنتبهي لشيء، رفعتُ الزجاجة، أدنيتُها من عيني، أغمضتُ عيني اليسرى، نظرت بعيني اليمنى، كنتِ في عمق عميق، تدورين في كل الجهات، تصرخين، تطرقين الزجاج بفردة حذائك. كم مرة سأقول لك: “لا تخلعي الحذاء”. كم مرة سأصرخ:”إذا خلعته أتركك”. لكنك لا تردين عليّ . أردتُ إدخال سبابتي حتى تحسي وجودي. كانت ضخمة، في فتحة برميل لن تدخل، كيف في عنق زجاجة؟! نظرتُ إلى كفي، لم أتبين نهايتها، وبدت أصابعي وكأنها لمارد. رججتُ الزجاجة، خفت التصاق مساماتك بمسامات الزجاج، قلت:” أقلبها” . قلبتها، هززتها، ضربتها على مؤخرتها.. لم تخرجي. خفت سقوطك على الأرض، خفت انكسارك على البلاط. لم أجد أمامي إلا أن آخذك إلى السرير، سمعت آهة مكتومة، لم أعرف إن كانت من ألم أو لذة، أحسست انزلاقا سريعا بعد ارتفاع سهل ومباغت، انفتحت على فضاء شاسع وعميق، تجمعت في دفقات متلاحقة دافئة، ثم صحوت مرعوبا وأنت تصرخين : “ماذا فعلت ؟!”. بقعة كبيرة تفشت على الشرشف الأزرق، ملأ العرق أنفي، لم أجد أمامي إلا أن أعيدك إلى وعاء زجاجي أخضر يشبه زجاجة العطر . 
_______
*قاص من الأردن

شاهد أيضاً

يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت

(ثقافات) يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت حسن حصاري منْ يمُدُّ لي صوْتا غيرَ صوْتي الغائِب؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *