أعطني ساعتك لأدلك على الوقت




مهند النابلسي


خاص ( ثقافات )

“أعطني ساعتك لأدلك على الوقت”.. الدور السلبي والفساد “المستتر”
لبعض الخبراء الأجانب في العالم الثالث!

أذكر في ثمانينيات القرن الماضي وأثناء تدشين خط إسمنت إنتاجي جديد بناه اليابانيون، أن مدير الإنتاج البريطاني “غير المتخصص” كان يوعز “بإطفاء” الخط عندما تحدث المشاكل التقنية الكبيرة، علماً بأن هذا الإجراء خطير وحرج نظراً لارتفاع درجة حرارة الفرن، مما قد يؤدي لاعوجاج “أسطوانة الفرن” الباهظة التكاليف، وكان أحياناً يتهرب من اتخاذ القرارات الملائمة بمغادرة مكان العمل خوفاً من مواجهة “غضب” المهندس الياباني المعني بمتابعة التشغيل التجريبي!
هناك تعريف عالمي طريف للخبير الأجنبي أو المستشار يقول: “غنه الشخص الذي يستعير ساعتك ليخبرك عن الوقت”! وأستطيع أن أؤكد من واقع خبراتي المتراكمة مع بعض المستشارين الأجانب والمحليين أنه يمكن تحريف هذا التعريف ليصبح: “أنه الشخص الذي يأخذ ساعتك ثم يولي هارباً عندما تسأله عن الوقت”!… إن إحدى أكبر مساوئ وعيوب مفهوم “الجودة الشاملة” يتلخص في شموليته وتعبيراته الإنشائية التي تسمح بادعاء الخبرة، وأذكر أنه في نهاية دورة مكثفة حضرتها في طوكيو بعنوان “تحسين المنتجات الصناعية، أذكر ما قاله أحد كبار أساتذة الجودة الشاملة البرفسور “كانو”: “لا تحاولوا فور عودتكم لبلادكم تطبيق تقنيات الجودة مباشرة، بل انتظروا الاستعداد والوقت الملائم، لأن الفشل بالتطبيق قد يؤدي لإحباط وإخفاق لا يرغبه أحد”… وبالفعل لا توجد في الحقيقة “وصفة سحرية” تؤخذ من دكان “خبرة وإدارة” ثم تنفذ حرفياً فتؤدي للنجاح، بل يكمن النجاح في كوادر الشركات العريقة التي بنت خبراتها الإدارية والهندسية على مدى سنوات عديدة، وجمعت خلالها خبرات “ألمانية وبريطانية وفرنسية ويابانية”، ثم كونت كوادر متخصصة، ولا يجدي هنا التطفل والادعاء والتسلق على أكتاف الآخرين، كما أن الصناعة تحديداً لا يجدي فيها إلا الأفكار “الواقعية الميدانية” والتخصص المباشر، ولا تنفع فيها “الأفكارالمعلبة”، فحتى بعض المعادلات العلمية تتحول عند تطبيقها صناعياً لتصبح ذات “صيغة أمبيرية”، نظراً لتداخل المعطيات وارتفاع درجة تعقيدها!
وكما بدأت مقالتي بمثال فسوف أنهيه بمثالين معبرين حقيقيين آخرين، فقد قامت نفس الشركة الاستشارية “البريطانية-السويسرية” بتعيين “عمال- فنيين” كمديري ورديات مسؤولين، وقد شهدت كيف قام أحدهم قصداً بالتسبب بحادث بتر فيه طرف أحد أصابعه حتى يحظى رسمياً بإجازة مرضية طويلة “مدفوعة الأجر”! وقد كان يمكن الاستغناء كلياً عن دورهذه الشركة الاستشارية الأجنبية (مع خبرائها الأدعياء) هنا لو سمح لليابانيين الصانعين بتدريب كوادر الشركة المحليين سواء المهندسين أو الفنيين بشكل مباشر ميداني، ولكن “منظومة الفساد والرشى” المهيمنة لم تكن لتسمح بذلك. أما المثال الآخرالمعبر فقد حدث معي شخصياً عندما تم اختياري وتدريبي (من قبل لا فارج الفرنسية) بالعام 1999 لأصبح مديراً لمشروع “الدمج والاستحواذ” والذي سمي مجازاً بمشروع “آفاق 2001″، وبالفعل فقد أخذ الموضوع على محمل الجد وتم تشكيل خمسة فرق عمل، وعملنا ليلاً ونهاراً ككوادرمحلية على بناء “أهداف جديدة” ذات بعد استراتيجي ضمن منهجية ما يسمى “إدارة التغيير”، وبعد أن حقق المشروع غايات جديدة ثورية في كل مفاصل الشركة “الاستراتيجية والتشغيلية” تم تقويضه وإنهاؤه وبدون توضيح الأسباب تحقيقاً لأجندات ومآرب خبيثة غامضة، علماً بأن “جمعية الجودة الأمريكية” الذائعة الصيت والمصداقية على مستوى العالم، قد تبنت المشروع عالمياً، ونشرت بالتعاون المباشر معي “ثلاث مقالات” محورية دالة في العام 2002، واعتبرته مرجعاً عالمياً مهما في مجال “إدارة التغيير في صناعة الإسمنت”. 

شاهد أيضاً

الكتابة الخضراء.. الفلسفة والبيئة!

(ثقافات) الكتابة الخضراء.. الفلسفة والبيئة! ساسي جبيل   يقول الكاتب الأميركيّ ريتشارد لوف: «بوسع طفل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *