تعالوا نؤسس حزباً للنخيل!


*لطفية الدليمي


تعالوا نؤسس حزباً للنخيل وهو حزب حياة وبقاء نقارع به أحزاب الفساد ، تأسيس الحياة في أرض الرافدين بدأ بنخلة ولن ينتهي ، حمق الحاكمين ومقاصل الحروب لاحقت النخلة فقاربت الفناء إلا قليلا ، في أفيائها جرت تحولات الأرواح والأجساد والمصائر والأفكار وعلى همهمات السعف شبيهة تنويمة الأمهات كانت روح الأنهار العظيمة تتماوج حينا وتهدأ بين السهول وتمضي مزهوة إلى خليج دلمون حاملة زوارق الصيادين والباحثين عن لؤلؤ المعنى وسر الحياة و الموت.
دوّن حراس الكلمات على الرقم الطينية والأختام قصصهم عن سيدة الأشجار منقذتهم من مهالك الحروب والمجاعات، قالت الحكايات أن النخل همس برفيف سعفه للماء وهو يرى طلائع الفيضانات في الأنهار : خذ سر الطوفان لأفواه المدن الظامئة ، اشفق على ذوي الرؤوس السود سكان السهول و الأهوار صناع الحضارة والكلمات الأولى واحرس الكائنات أجمعها فالقحط حل بالمدن وداهمها الطاعون وسكنتها حمى الحروب ،حاذر أن تبيد أهلها وتهدم معابدها وتقتل شجرة الحياة .
تهمس النخلة للنهر : خذ رحيقي فيجتمع الطمي على الضفاف وتظهر أراض عذراء بعد الطوفان، خذ أيها النهر شذى الطلع واملأ زوارق القصب بالعشاق والصغار ودع موجك يأخذهم إلى بيت الحياة في الأعالي الناجية.
مدينة بعد أخرى تقوم المدن من مدّ الطوفان ،وتبقى مسلات النخل مرئية على مبعدة أيام ، تصحح النخلة خطيئة النهر وخطأ الحواضر، تصحح انحرافات الوقت وسط القحط والمجاعات وجنون الناس الذي رافق جنون الماء .
لم تكن النساء قد بدأن رواية قصص الطوفان على مسامع الناجين حين صار الرغيف يباع بثمن نخلة وحفنة التمر تباع بوزنها ذهبا وفضة وقبضة الشعير بما يعادلها من عقيق ولازورد في أسواق المدن التي غمرها طمي الفرات وخربها صراع الجياع مع الجياع وحرس الممالك المتنازعة الغارقة.
أنبأت العرافات أن النخل سيوقف غائلة الجوع والحروب وسوف تمتلئ أهراء السهل بالحبوب والتمر وسيحتفي ناس البطائح بالنخل المقدس ترعاهم “شولاشي” سيدة النخيل وبأسماء النخل سيرتلون انشودة النجاة وترانيم الحياة .
يستعيدون في الجوع و الاكتفاء نعمة النخلة وأسماءها التي تداولتها المدونات ،ففي سومر أسموها “جشمار” وفي بابل أضافوا لها الواو فأصبحت “جشمارو” ، وأطلق أهل سومر اسم “زولوما ” على التمر الشهي فأتى البابليون وحرفّوا الإسم إلى ” سولبو” وسمع تجار أكد وبابل أن الآراميين أسموا النخلة “دقلة” واختلف عنهم العبرانيون فأسموها ” تامار” أي الباسقة وقلدهم الأحباش فأطلقوا عليها اسم “تمرا” وصار اسما للثمار ، عندما غمر الطوفان آلاف فسائل النخل في بساتين المعابد ، عمد سكان البطائح الى قطع النخيل القتيل واستخرجوا لبه الناصع وأسموه “الجمار” في مزاوجة حلوة بين الجيم والميم بعد أن أسقطوا من قلب جشمار حرف “ش” الخشن الجافي وأضافوا الجمّار الى ذاكرة الأطعمة النادرة المشتهاة.
بمعرفتهم بالنخل والتمر اجتازوا الكوارث وعبروا طوفان الماء وطوفان الدم وحروب الممالك والغزوات وكرسوا النخلة شجرة للمعرفة والحكمة والبقاء ، زينوا المعابد والقصور بعناقيدها وعقدوا سعفها الأخضر أقواس نصر وبهجة في أعياد الحب والربيع ، وثبت حمورابي القوانين لحماية نخلتهم ورسموا الملوك يتسلمون صولجانات الحكم والقوانين تحت ظلالها وبعدهم بأزمنة وأحداث قدست قبائل اليمن “نخلة نجران” وقدست القبائل الكنعانية نخلة تدعى “بعل تامار” وقلدهم الفينيقيون فكرسوا عشتروت في هيأة نخلة أسموها “أشميرا ” أي السارية الشامخة ،فتعالوا نبادر ونؤسس حزب النخيل ، تعويذة نجاة نقارع بها أحزاب الفناء والظلام ..
___
*المدى

شاهد أيضاً

ليست مرثيّة لإميل حبيبي

(ثقافات) ليست مرثيّة لإميل حبيبي: الإنسان في جوهره مرزوق الحلبي عندما اتخذ الحزب الشيوعي قرارًا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *