يحيا الفقر


*عادل محمود


الأغنياء يضيّعون صحتهم ليجمعوا المال.
ثم يصرفون المال لاستعادة صحتهم.
ـ 1 ـ
«فولتير» ذهب إلى الأمير فريدريك بعد عودة منتصرة في إحدى المعارك، وأثناء اللقاء التفت الفيلسوف الفرنسي فرأى عدداً من الجنرالات يقفون على طرف بعيد، ينتظرون إشارة من إمبراطورهم، فقال مجاملاً وموارباً :
إنني أهنأك، يامولاي، على ضباطك الذين رافقوك في الميادين، وكانوا معك في معارك النصر.
لم تعجب الملاحظة الأمير فريدريك، فقال:
« إنك نسيت، ياسيد فولتير، أن تهنئني على هذه البغال التي في الاصطبل. فقد رافقوني كلهم إلى ميادين القتال، وكانوا معي في معارك النصر، وحملوا أمتعتي، وخرائطي، ومنظاري المكبر.
……………….
من واجب المثقف أن يقدر نوع المسافة التي تفصله عن السلطات، المسافة تتيح للمثقف أن يرى ما تحت كرسي الأمير، وتلك الكمية الهائلة من تأثير المكافأة والعقاب على الروح التي تؤدي إلى «حيونة» الإنسان. و«سلعنة» الموجودات.
ـ 2 ـ
تونس، بعد 5 سنوات من التغيير… استعادت ذكرى البوعزيزي (المتهم الوحيد بإشعال الثورة) ليأتي رضا اليحياوي (حدّقوا بالاسم…رضا ويحيا..) فيصعد إلى السماء عن طريق عمود النور.
الرجل الذي يحمل صورة اليحياوي، كما حملت صورة البوعزيزي… يريد إيصال رسالة عبر شهادات العاطلين عن العمل…
وهذاهو أحد الأشياء المشتركة في سوق العمل العربي:
العاطلون عن العمل هم الجاهزون المؤهلون للعمل. وأحد أهم الأشياء المشتركة «النهب» ليس بمعنى الفساد فقط، بل بنوع اللصوصية. لقد شاهدنا المكتبة الثقافية في منزل بن علي ـ الرئيس التونسي. كانت رفوفها مكدسة بالعملات. 41 مليون دولار.
اليحياوي مات وحيداً بمشهدية لا تحسد عليها أية بلاد. وإن كان الموت الجماعي ومقابره أصبحت فولكلوراً عربياً.
هذا اليحياوي التونسي يعيد التذكير بيحياوي مصري اسمه ، ايضا ، يحيى أحمد شحاده، أب لثلاثة أطفال… أحدهم اسمه «إسلام»: عندما عجز عن إطعام أولاده…ذبحهم.
تقول زوجته: «… تلك الليلة كنت أبكي وأقول له: الأولاد جائعون، ويبكون من الجوع، فضمني إليه، وبكى، ثم بدأ يلطم خديه، ويخبط رأسه بالحائط. ذهبت إلى شقيقه ليأتي ويمنعه من إيذاء نفسه. وعند عودتي رأيت الأولاد مذبوحين بالسيف.
في الكشف، الذي نشرته الصحف المصرية بعد رحيل الرئيس مبارك يوجد رفوف مكتبته أيضا في 12 مليار دولار .
«إن مشكلة الفقر ـ كما قال أمير آخر في بلاد أخرى ـ لا تعالج إلا بإزالة …الفقراء».
أبو ذر الغفاري قال، في أيام الإسلام الأولى: عجبت لمن بات جائعاً ولم يصبح على الناس شاهراً سيفه.
لكن السيد يحيى أحمد شحاده المصري ورضا اليحياوي التونسي اختارا حلولاً أخرى !
3 ـ
أما هذه القصيدة لمردوخ الشامي، باللغة المحكية، فتقول شيئاً آخر:
معليش يا ابني…إذا جوعان، في عندي
كتب قديش طعميتها عمر وأحزان.
في عندي قصايد بالشنط فيها عسل وخبز
وفيها غزل نسوان…
رح فتفت وراق الكتب. أعصر قصايد بالصحن.
ما تجوع…يا ابني. بيّك (أبوك) شو غني ومليان.
رح حطّ ع رصيف الزمن، بسطات مليانة
نبض وحروف. رح بيع حالي على المكشوف…
تا أقشعك (أراك) رضيان.
الناس هون بتشتري سيرة وقصص، وبتشتري الإنسان.
________
*جريدة عُمان

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *