«حب في سردينيا»… ميلينا آغوس تحاول فتح مغاليق الزمان والمكان وذات الإنسان


*أنور عوض


لندن ـ هل الزمان هو تقويم الأيام والسنين وتاريخ الأحداث، أم ما يحسه الناس من دفق المشاعر والحنين إلى ذكريات تتسم بالسعادة أو الحزن فيمسي اليوم دهرا أو العكس؟ وأي المكانين يصنع الإنسان.. جغرافية المكان أم نبض المكان بخفقان الحب؟

هي أسئلة تشدك للبحث عن إجابة لها وأنت تطالع رواية «حب في سردينيا» للروائية ميلينا آغوس، ارتحالات وانتقالات رومانسية ليس ما بين نبض قلبي المحبين العجوزين فقط، بل تسرد الرواية ما هو أقرب لانتقالات قطع الشطرنج، لكل قطعة مكانها ومساحة حركتها ومحاذير تحريكها، إلا أنها تلتقي جميعا في كونها أطراف معركة حياة واحدة، هذا كله يتجسد في رواية «حب في سردينيا» الصادرة في نسختها العربية حديثا عن» دار الساقي» والتي ترجمها من الإيطالية إلى العربية نبيل رضا المهايني وصمم غلافها الفنان سومر الكوكبي. 
نجحت الروائية ميلينا أغوس عبر روايتها، التي ترجمت إلى ثلاثين لغة، في أن تخلق شخصيتين للجدة «ليا» كلتاهما صادقة ومعبرة، رغم تناقضهما الكامل.. الجدة «ليا» في حالة صمتها الطويل مع زوجها والزهد في أي تواصل للتحايا أو الابتسامات أو ارتعاشات الحب والجسد.. وبالمقابل شخصيتها الأخرى عند انتقالها إلى «القارة»، وهو اسم يطلقه سكان جزيرة سردينيا علي إيطاليا – قادمة من مدينتها كالياري للعلاج في حمامات المياه المعدنية، وكأنما «ليا» تنتقل للعلاج من حالة الصمت المطبق في حياتها مع شريكها وليس فقط للعلاج من آلام الكلي.. وهناك تندفع حكاياتها مع الغريب الوسيم كما موج البحر، فتكتب عنه رواية حب تدس أوراقها في غلاف جلدي وتخبئه إلى حين تتوهج منها الروح والجسد عند التقاء ذلك الغريب، فتنتفض روحها وتخرج معه وتقبله كما لم يقبل عاشق من قبل، وهو أمر عظيم وعميق ما بين الحياتين النقيضتين والعشق المجنون، وهو ما لخصته عبارات مختصرة في الرواية نفسها على لسان الحفيدة، «على كل حال جدتي كانت تقول إن حياتها كانت مقسمة إلى جزأين: ما قبل علاج الحمامات وما بعده، كما لو أن الماء الذي أخرج الحصى كان إعجازا بكل المعاني». 
غير أن ثمة إعجازا موازيا ورد في الرواية، في إشارات متقطعة تفتح خيال القارئ، كيف أن المحارب العائد من المعركة والأسر النازي انتصب بساقه الخشبية أمام الحياة بين ذراعي الجدة العجوز، إذ أن الغريب كان كلما حدق في عينيها نسي وللأبد تعذيب «الجستابو» لوالده حتى الموت، وكلما لامس شفتيها العطشتين نسي النازية وأفاعيلها وسفينته الغارقة ونجاته من الموت.
إن رواية «حب في سردينيا» وعلى أهمية الأحداث التاريخية التي جرت أحداث الرواية أثناءها، إلا أن بعضا من سيرة إنسانية تطل من هنا وهناك تماما كنوافذ عالية لمبنى من طراز إيطالي عتيق قبالة الساحل، إذ أن الكاتبة تمضي لاستعادة تاريخ الحب عبر قصة باولو وفرانشيسكا التي كتب عنها الأدباء فأصبحت رمزية شعبية إيطالية.
قصة الجدة العجوز والحب المجنون لم تخل من قيم الصراع على شتى أنواعه فما بين الأحداث تظهر تقاطعات أطراف الحرب العالمية وقتها، وتأتي تلك المواقف في السياق القصصي الروائي بطريقة سلسة تخرج في عبارات قصيرة من ذاكرة قديمة ولكنها مفعمة بحيوية، وكأنها تفاصيل متعددة في إطار لوحة واحدة لكل تفصيلة منها لون محدد حسب عمق الحدث أو عاديته، كما أن الرواية، وعلى لسان بطلتها، ترسم إضاءات فلسفية لا تتماشى مع مستوى تعليم الجدة، ولكنها تعبر عن مدى صلتها الحقيقية بالحياة، وهنا فقط يمكن الإشارة إلى حوار الجدة «ليا» مع نفسها وهي تشعر بأنفاس الموت تلاحقها، وحفيدتها تسرد عنها، تسرد عن الجدة والحياة «ومع هذا كانت تتساءل كيف يخلق الشخص بطريقة معينة، ثم يطلب منه أن يتصرف كشخص آخر». وتأتي مفاهيم الفلسفة مرة ثانية في ثنايا رسالة الغريب إلى الجدة «ليا» تعليقا علي الرواية التي كتبتها أثناء سني صمتها، «كنت أنت حزينة علي أطفال يريدون أن يولدوا، وأنا عن حروبي، وعكازي، وشكوكي. وكان هناك كثير من الحصى في داخلنا».
_________
*القدس العربي

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *