*باسم سليمان
خاص ( ثقافات )
يغذّ الشّعر في السّير نحو الذاتية سواء أراد الشّاعر ذلك أو المتلقي أم لم يردا و الذاتية هنا تختلف عن ذاتية الشّاعر الذي كان مقسوماً قسمة ضِيزى مع أغراض اجتماعية يتبناها الشّاعر في خطابه؛ في ذلك الوقت كان الشّاعر يكافح ليدخل عجلة المجتمع أمّا الآن، فالشّاعر يكافح عكساً، لينسحب من المجتمع نحو الفردية المحضة ليؤكد فرادة تجربة كلّ إنسان مهما كان عمله ووضعه وصفته من هنا تخلّى الشّعر عن منطوق الجملة الفعلية وطاب له المقام في الجملة الأسمية التي تحتمل التكذيب والتصديق، فالشّعر في أقصى تجلياته مجرد عمل عن كائن فرد يُسمى الشّاعر ويجب أن لا يحاكم من جهة أنّه خير يحتمل التصديق والتكذيب بل من جهة أنّه عمل فردي فني يحتمل التكذيب والتصديق ويستحق حكم القيمة الفنية سلباً أو أيجاباً.
في ديوان الشّاعرة وداد سلوم ” من سنّ سكين البرد” الصّادر عن دار التكوين في دمشق لعام 2016 تؤكد وداد تجربتها المستمرة عبر ديوانين صادرين سابقاً هما، “ضفاف تخلع صفصافها” و “جرس الماء” في نحت تجربتها الشعرية وارتياد حالات وصفات ونعوت وجودية جديدة قد يكون أكثرها ظهوراً في ديوانها ” من سنّ سكين البرد” هو غياب الحبيب وإذا كانت الفتشية عبر منطوق الفيلسوف سلافوي جيجك، هي استبدال الغياب بأشيائه، رهبة من انتهائه الكامل، فتصبح الكتابة لدينا بديلاً عن الصّوت، الذي هو الحضور، والكتابة ليست الغياب بل أثر الغياب هكذا نجد القصائد تحتفي بأشياء الغياب محاولة استنطاقها فلا يأتي غير الصّدى أو الرجع البعيد لظنٍّ، اسمه الصوت:” اشربي/ نصف الصورة في كأس/ عين تدمع الأحبة / وردة … وردة/ ويد غريبة بعيدة/ تحفظ النصف الآخر/ في سماء تشرين/ ولا تكترث”.
تمعن وداد سلوم في انتخاب كلماتها وجملها ولا يجب إحصاءها عبر الدخول في بنيوية صماء بل يجب تتبع أثر معجمها الشعري مما يتيح تمثل الحالة والتشبّع بشعرية القصائد والولوج إلى مظان المعنى حيث اليقين مقتل الشعر:” في يدي القرنفل/ وعلى شفتي الظمأ/ بيدين ناحلتين/ مرتبكتين/ أحشد جيوش الغواية/ وخلف موقد موقد انتظاري/ ألواحي تشوى/ وجواد الليل يعدو/ ويلتفت/ بعينين حزينتين.”
من سنّ سكين البرد:
ذاتية أخرى تضاف إلى الذوات الشعرية السورية في زمن الحرب، محاولة النجاة عبر غياب الحبيب، فالحبيب لا يحضر في الحرب لأنّ زمن ازدهاره زمن السلام وما تغيبه إلّا لعبة رومنسية في جزيرة “كروزية” نسبة إلى “ربنسون كروزو” للروائي “دانيال ديفو” لكن هنا، كما قال رولان بارت: “إن قيض له كتابة هذه الرواية ستكون ضمن جزيرة سكانها بالملايين” أمّا لدينا فهي مليئة بالموتى:” حين يذهب الصغار للنوم/ وتلعق المدينة شوارعها/ اخرج إلى الشرفة، وانظر/ مازلت هناك نبتة صغيرة نمت في ظلك/ ونسيت – أنت -/ حتى أنك لم تتفقد يناع الرائحة”.
______
روائي وناقد سوري