عشرة أيام حولت الحياة إلى خراب في ‘سقوط الأرض’


*طاهر علوان


الحياة على سطح الكرة الأرضية لها عمر افتراضي، وهو يقترب من النهاية، ولكن من الذي لديه الخبر اليقين بصدد هذه التراجيديا الرهيبة؟ هو السؤال نفسه يطرحه أولئك الذين أفاقوا على وقع صور فاجعة، سحب نيزكية تحيط بالأرض وتقصف عشوائيا يمينا وشمالا لا تستثني بقعة ولا مدينة ولا سهلا ولا جبلا، هكذا يبدأ فيلم “سقوط الأرض” للمخرج ستيفن دانييلز (إنتاج 2015)، الهلع يجتاح الجميع والذروة الدرامية ستكون هي نقطة البدء، ولا سيما مع ظهور صورة الكرة الأرضية، وهي تعوم في بحر من النيازك القاصفة التي تنزل تباعا مخلفة وراءها دمارا هائلا.

ليس هذا الخط الدرامي كافيا فلا بدّ من خطوط درامية أكثر تشويقا، وذلك ما يلجأ إليه كاتب السيناريو كولين ريس ومعه المخرج ستيف دنييلز، فالفتاة الشابة راتشيل (الممثلة دينيس تونتز) ستكون في رحلة مدرسية بإحدى الضواحي عندما تقع الكارثة، وسيكون الشغل الشاغل لوالديها هو العثور عليها.
أبوها المؤلف الشهير ستيفن لانون (الممثل جو لاندو) سيخوض مغامرة أخرى بصحبة صديق له، الأم نانسي (الممثلة ميشيل ستفورد) هي الأخرى ستخوض مغامرة البحث عن ابنتها بصحبة زميل له، ليلتقي الزوج والزوجة في قاعدة للجيش الأميركي، حيث سيتأكدان من أن ابنتهما وصديقتها قد تمّ اختطافهما، كما تظهر تسجيلات طائرة التجسس من دون طيار وهنا على الأب أن يقوم بعملية بطولية لإنقاذ ابنته بدعم من الجيش الأميركي.
إذن ستتلاقى تلك الخطوط السردية في هذه الدراما من أجل إنقاذ راتشيل ومن أجل إدراك حقيقة أن الحياة تستمر ولو امّحت مدن أميركية عن بكرة أبيها، مدينة لوس أنجليس مثلا تظهر في لقطات الخراب ومثلها مدن وحواضر أخرى، بل إن الخيال الدرامي المجنح يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك ألا وهو الافتراض أن نصفي الكرة الأرضية سيناقض أحدهما الآخر، فبسبب فقدان الجاذبية ودوران الأرض بشكل فوضوي بسرعة تتجاوز 3000 كيلومتر في الساعة سيكون أحد نصفي الكرة الأرضية مظلما وباردا، بل ويكون متجمدا على الدوام فيما سيكون النصف الآخر مضيئا وساخنا على الدوام.
قبل عشرة أيام من وقوع الكارثة كيف كان شكل الحياة وبعد عشرة أيام أخرى كيف أصبحت؟ ذلك هو السؤال والمدخل الفيلمي الذي على وقعه تتمّ الانتقالات المكانية مع مونتاج مصاحب بلقطات متسارعة قصيرة وحوارات مكثفة، وكلها تحتشد لصنع ذلك الخطاب الفيلمي الذي يندرج في نوع أفلام الكوارث.
هنالك تنوّع ثريّ في المدن التي اجتاحها الخراب، مشاهد ولقطات متسارعة للقصف والحرائق، الذعر المتفشي، لكن مع تغييب عنصر مهمّ غالبا ما تعجّ به مثل هذه الأفلام، ألا وهو تغطية وسائل الإعلام للحدث وخطاب الرئيس الأميركي إلى الأمة.
سيستعاض عن كاريزما الرئيس الأميركي هنا من خلال مدير العمليات الذي ينعى في مؤتمر عام موت الحياة على سطح الكوكب، وأن كل شيء سائر إلى المجهول ليفاقم بذلك تكهنات العلماء بأن فرص نجاة الأرض غير معروف، وأن هلاك 85 بالمئة من سكان الأرض غير مستبعد.
الأرض تخرج من المجرة، والهلع واصل إلى أقصاه، فيما تسمع سخرية من يؤمنون بنظرية المؤامرة، الشخصان اللذان يشتبكان مع فريق إنقاذ الجيش الأميركي يرددان: “إن حكومتنا لديها مكان آمن للرئيس ولطاقم عمله وللأغنياء فقط فكلهم سيذهبون إلى هناك، حيث المكان الآمن ويحلّون الأمر”.
وعلى وقع نظرية مؤامرة أيضا، فالكارثة حين حلت لم تمنع رئيس فريق العمليات من الحفاظ على أناقته ببدلته وربطة عنقه، ثم وهو يستقل طائرة مروحية هربا من اجتياح العواصف والنيازك لقاعدة إنقاذ للجيش الأميركي، وعندما يُسأل عن مصير أفراد القاعدة بعدما تركهم لقدرهم يقول إنه بكل بساطة لا يعلم ما سيحل بهم.
الفيلم محتشد دراميا بالأحداث ومشاهد قصف الأرض بالنيازك والصخور الملتهبة، مصنوع بعناية من خلال استخدام ذلك الكم الكثيف من المؤثرات البصرية الخاصة، وهو ما عمّق الحصيلة البصرية للفيلم، فضلا عن استخدام مشهد العواصف التي تزحف تباعا مكتسحة كل شيء في طريقها، في مقابل شخصيات تنازع من أجل الحفاظ على بقائها على قيد الحياة، ومقابل ذلك كان هنالك تنوّع في السرد الفيلمي من خلال وجهات النظر المتعدّدة المصحوبة بانتقالات مكانية، أضافت تنوّعا للأحداث الفيلمية المتصاعدة.
__________
*العرب

شاهد أيضاً

العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية

(ثقافات) “طربوش أبو عزمي العلي”:   العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية زياد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *