أيتها المرأة المبدعة لا تتوقفي


هايدي جرانت هالفورسون/ ترجمة: آماليا داود


خاص ( ثقافات )

غالباً ما تنسحب المرأة المبدعة من حياتها العملية، فهي معرضة للكثير من الضغوطات والانتقادات، وغالباً ما تغري المرأة فكرة الاستسلام. 
لكن ماذا يحصل للمرأة المبدعة إذا فعلت هذا؟
تخلي المرأة عن إبداعها يسبب جوعاً فكرياً، ويسبب أزمة هوية بين طموحها والحياة الروتينية، في حين معظم النساء غير مستعدات للاعتراف بذلك، وتمر السنوات لتجد المرأة نفسها بلا هوية خاصة بها وتفقد الإحساس بالذات.
اليوم في العصر الرقمي، يمكن أن تبدع المرأة في العديد من الأعمال التي لا تؤثر على حياتها أو اهتمامها بأسرتها في نفس الوقت تكسبها هويتها الخاصة، وتحقق طموحها، فالعمل ليس فقط لكسب الرزق بقدر ما هو مصدر القوة الأساسية للحياة.
لكن بالنسبة للنساء، المقدرة لا تقود إلى الثقة، وإليكم الأسباب:
النساء الناجحات يعرفن أن الرجال يسيطرون على كل المجالات، وغالباً ما تجد المرأة بسرعة مساوئ التميز.
و نحن النساء بشكل روتيني نقلل من مقدراتنا ومن استعمالها، الدراسات تؤكد أن النساء بحاجة إلى بذل أقصى جهودهن، فقط لتعديل نظرة الكفاءة مع زملائهن الذكور.
لكن من تجربتي الخاصة، من النادر أن تدرك النساء أن النجاح ينبع منهن، فنحن نميل إلى الحكم على مقدراتنا ليس فقط بقسوة، لكن بطريقة مختلفة جذرياً عن الرجال، وفهم لماذا نفعل هذا هو الخطوة الأولى لتصحيح الخطأ الرهيب، ولنقوم بذلك علينا العودة بالزمن قليلاً.
في دراسة قام بها الطبيب النفسي كارول دويك عام 1980، بحث في كيفية تعامل الفتيات والأولاد الأذكياء في الصف الخامس مع المواد الجديدة والصعبة والمركبة.
ووجد أن الفتيات الذكيات عندما تعطيهن مادة معقدة سرعان ما يستسلمن بدون محاولة، أما الأولاد الأذكياء وجدوا في تلك المواد المعقدة تحديا، وقاموا بمضاعفة جهودهم بدلاً من الاستسلام.
لماذا حدث هذا؟ لماذا جعلت هذه التجربة الفتيات الصغيرات سريعات الهزيمة، وقليلات الثقة، بينما كان عليهن أن يكن الأطفال الأكثر ثقة في الغرفة، ففي الصف الخامس تتفوق الفتيات على الأولاد في كل المواد، من ضمنها الرياضيات والعلوم، فلا فرق بين الفتيات والأولاد في المقدرة، ولا في تاريخ النجاح، الفرق الوحيد في تعاملهن مع الصعوبات، فالفتيات كن سريعات الشك في مقدراتهن، وفقدن الثقة، وكنتيجة أصبحن يتعلمن بفعالية أقل.
والدراسات كشفت عن السبب، وهو ببساطة التالي: الفتيات الذكيات يعتقدن أن ذكائهن فطري وغير قابل للتغير.
بينما يعتقد الأولاد انه بإمكانهم تطوير قدراتهم من خلال الجهد والممارسة.
لماذا تبنى كل منهما وجهة النظر هذه؟ 
بسبب التغذية الرجعية التي يأخذها الطفل من معلميه ووالديه.
الفتيات يطورن المقدرة على ضبط النفس باكراً بالتالي يلتزمن بالتعليمات، و عادة ما يتلقين تغذية رجعية على هذا ” انتِ طيبة القلب ” ، و عندما يحصلن على علامات جيدة في المدرسة :”انتِ ذكية ” ، ” طالبة جيدة ” ، و هذا النوع من الثناء يعني أن الصفات مثل الذكاء و طيبة القلب و الخير ، هي صفات تملكها أو لا تملكها .
بينما الأولاد مشاغبين، والتحدي الكبير للأهل والمعلمين يكمن في إجباره على الانتباه والجلوس في مكانه، ونتيجة لذلك يتلقى الأولاد الكثير من التغذية الرجعية التي تؤكد المجهود: ” إذا انتبهت لهذا الأمر قد تتعلم “، ” إذا حاولت بجهد أكبر سوف تصل لما تريد “.
والنتيجة النهائية: عند تعلم شيء جديد صعب، الفتيات يعتبرن ذلك علامة على أنهن لسن ” جيدات ” ولا “ ذكيات “، بينما الأولاد يعتبرون ذلك علامة للانتباه و بذل مجهود أكبر. 
ونحن نستمر بحمل تلك الاعتقادات بطريقة غير واعية غالباً طوال حياتنا، وبما أن الفتيات يعتبرن مقدراتهن فطرية وغير قابلة للتغير، يكبرن ليصبحن نساء قاسيات على أنفسهن، نساء يستسلمن لأنهن يعتقدن أنهن لا يملكن ما يكفي من القدرات للنجاح، ويتخلين عن طريقهن باكراً جداً.
حتى لو تم إزالة كل العقبات التي تواجهها المرأة لتصل إلى إدارة مؤسسة وإلى القمة، بالرغم من عدم تكافؤ الفرص، والصورة النمطية المتعصبة، وكل التحديات التي نواجهها لتحقيق التوازن بين الأسرة و العمل لا زال التعامل مع حقيقة انه من خلال معتقداتنا الخاطئة حول قدراتنا، نحن أسوأ أعدائنا.
كم مرة تجنبت التحدي، واخترت اللعب الآمن؟ تتمسكين بالأهداف التي تعرفين أنك ستحققينها بسهولة؟ ومنذ زمن طويل قررت أن هناك أشياء لن تكوني جيدة بها؟ ومهارات اعتقدت أنك لا تمتلكينها؟ إذا كانت اجوبتك طويلة على هذه الاسئلة فمن المرجح أنك كنتِ من الفتيات الذكيات، والشعور بأنك عالقة و وضعك الحالي ليس ما تطمحين إليه، هذه الاعتقادات فعلت الكثير لتحديد مسار حياتك أكثر مما تتصورين، و هذا الأمر يمكن أن يكون جيداً إذا كانت مقدراتك بالفعل فطرية و غير قابلة للتغيير، لكن قدراتك ليست كذلك.
مهما كانت قدراتك ومستوى ذكائك، وإبداعك، ومستوى ضبط النفس، السحر أو الحماس، الدراسات أكدت أن هذه الأمور طيعة، عندما نتكلم عن إتقان أي مهارة، فخبرتك وجهدك والمثابرة هي أمور في غاية الأهمية، لذلك هذا وقت مناسب لطرد الاعتقادات الخاطئة حول مقدراتك، وتبني حقيقة أن المقدرات تتحسن، واستعادة الثقة التي فقدتها منذ زمن طويل لمواجهة أي تحدٍ.
أيتها المرأة المبدعة لا تتوقفي.
________
المصدر psychologytoday.com

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *