خاص ( ثقافات )
صدر حديثاً عن منشورات المتوسط وبالتعاون مع مؤسسة نايانيل للثقافة ورابطة الكتاب السوريين كتاب “الأعمال الكاملة للشاعر السوري رياض الصالح الحسين (1954 ـ 1982”).
ويعد رياض الصالح الحسين الذي توفي في ريعان شبابه، من أكثر الشعراء السوريين إثارة للجدل، وقد أثر ذاك الشاب بمجمل حركة الشعر السوري الحديث بل وتجاوزت تأثيراته حدود سوريا لتطال مجمل حركة الشعر العربي الحديث.
كتب الشاعر السوري منذر مصري في مقدمة الكتاب تحت عنوان سيرة موت ناقص: ..”كتب خلف علي الخلف عن رياض الصالح الحسين: «سيأتي اليوم الذي يصبح فيه تدقيق معلومات عن رياض أمراً ليس هيناً» والصحيح، أن هذا اليوم جاء منذ زمن. وإذا أردنا التحديد، كان تماماً يوم السبت: 20/11/ 1982، يوم وفاة رياض الصالح الحسين، واختفاء الإنسان الوحيد الذي كان باستطاعتنا سؤاله عما يصعب ويلتبس علينا معرفته عنه وعن حياته، إلاّ أننا يوماً لم نفعل. وكأنه كان من الطبيعي ألاّ نفعل، فمن كان يصدق، من كان يخطر على باله، أن رياض سيموت وهو لم يتجاوز الثامنة والعشرين!؟ وها أنذا، بمناسبة إصدار أعمال رياض الشعرية الكاملة ـ وهل هناك مناسبة أهم!؟”..
صدر الكتاب في 312 صفحة من القطع الوسط، وضم مقدمة وسيرة قصيرة كتبها الشاعر السوري منذر مصري ثم قصائد مجموعاته الأربعة وقصائد بخط يد الشاعر إضافة لشاهدات مهمة عن الشاعر كتبها كل من الشاعر السوري فرج بيرقدار والعراقيين هاشم شفيق وعبد الكريم كاصد، لتأتي بعدها شهادة لابن أخت رياض الصالح الحسين، وهو الشاعر عماد النجار، والذي أشرف على الكتاب وإصداره.
مقتطفات من بعض الشهادات عن الشاعر
أحمد يوسف داوود:
شعر رياض الصالح الحسين تعبير الطفولة عن ذاتها وهي تواجه العالم بالدهشة وباللغة الخاصة.
أمجد ناصر:
هناك شعراء يرأف بهم الزمن، يعطيهم فرصة بناء قصيدتهم سطراً سطراً، فيما هناك شعراء يتحققون، بمواهبهم الفذة، من أعمالهم الأولى. أنا (وكثيرون مثلي) من الذين يحظون، بزلفي ماكرة، بنفحة من رأفة الزمن القاسي، بينما لم يكن رياض الصالح الحسين ممن يتزلفون إلى الزمن، ممن يحتاجون إلى رأفته، فقصيدته جاهزة وبصمته حاضرة منذ توقيعه الأول، وليركب الزمن أعلى خيوله.
أحمد الملا:
في نهاية الثمانينيات وصلت بين أيدينا في مدينة الأحساء مجموعته الشعرية “خراب الدورة الدموية” لشاعر أنجز أسطورته ومضى مكتملاً في المخيال الشعري، تناقلنا كتابه مثلما نهرب في ثيابنا؛ صاعقة عن أعين حرس الحدود، وانتبهنا لشراسة اللغة اليومية ووحشية القول، ولم نأخذ ذلك على محمل المتنبئ، لكنه كمن رأى بعيون القتلى ولم يحتمل أكثر. كنا عصبة تقرأ بنهم وتكتب على مهل في أرض تقدس الأساطير، وتعتقد بكلام الموتى الذين خطفوا صغاراً، تخبئ كلماتهم القليلة في الآبار المخبوءة بين طيات الطريق. وهكذا نقرأ شعر رياض الصالح الحسين.
بشير العاني:
رياض الصالح الحسين آخر ورثة القصيدة اليومية.. وأول مجدديها.
جاكلين سلام:
هذه اللقطات اليومية التي رفع رياض من شأنها وجعل منها «أساطير يومية» لا تحضر فيها الآلهة وأسماؤها ورموزها، بل يضع في القصيدة قلبه إلى جوار حذائه والجوارب والقنابل والعشب.
جولان الحاجي:
إنه الحنين النقي إلى عالمٍ لم يكن قط جميلاً إلا حين نتذكره.
خلف علي خلف:
وقد يوافقني البعض القول أن تجربة رياض الصالح الحسين هي أكثر اكتمالاً مما قدمه الماغوط في هذا السياق، بل إنها قادت قصيدة الماغوط – إذا كان لابد من اعتبارها الأب الروحي لها – إلى هدوء داخلي. يقودها نحو الذات أكثر من المحيط.
علي سفر:
رياض الصالح الحسين لم يمت، إنه مازال حياً، هذا ما تخبرنا به الوقائع الثقافية منذ خمس سنوات وصولاً إلى أيامنا الراهنة.
ونخاف من الوصول.
كاظم جهاد:
شاعر نفاد الصبر واختراق العالم والحياة.
محمد جمال باروت:
قصيدة رياض، قصيدة اليوم، قصيدة الكلام، وقصيدة الشعور ذات البعد الواحد أو الصوت المفرد والمناخ الغنائي، ذات البنية الخيطية وذات الرؤية الجزئية (اهتمام بالأشياء الصغيرة).
مصطفى علوش:
رياض ابن الخراب اليومي، ابن الأرض المتعبة وهو أيضاً ابن الجمال والحب والحرية والخير، صفاؤه الداخلي جعل قاموسه اللغوي الشعري ينتج تلك القصيدة الموجوعة، قصائده كأنها آخ مديدة، آه مديدة.
منال الشيخ:
ثمة أيقونتان في أعمال الصالح: الحزن والنبوءة.. أقفُ مشدوهة لهذا الحزن الذي لا ينتهي ولا يتوقف حتى بعد توقف نبضاته.. أكاد أجزم أنني أقرأ تبصيراً أو استشرافاً روحياً لما يحدث الآن وحتى اللحظة الأخيرة من تاريخنا الراهن.
نبيل سليمان:
يشكل رياض الشعر بالبساطة المستحيلة ونقائض التاريخ والطبيعة، فإذا بكون آخر قوامه الحزن والاستفزاز واللعب الطفلي.
من قصائد الشاعر:
– سورية –
يا سورية الجميلة السّعيدة
كمدفأةٍ في كانون
يا سورية التعيسة
كعظمةٍ بينَ أسنانِ كلب
يا سورية القاسية
كمشرطٍ في يدِ جرّاح
نحن أبناؤُك الطيّبون
الذين أكلْنا خبزَكِ وزيتونَكِ وسياطَكِ
أبداً سنقودُكِ إلى الينابيع
أبداً سنجفّفُ دمَكِ بأصابعنا الخضراء
ودموعَكِ بشفاهنا اليابسة
أبداً سنشقُّ أمامَك الدروب
ولن نتركَكِ تضيعين يا سورية
كأغنيةٍ في صحراء.
– غرفة الشاعر –
يفتحُ بابَ الكلمات ويدخلُ بخطىً خائفةٍ
في أنحاء الغرفة
بعض قصائد ذابلة
كلماتٌ تتمدّد فوق الكرسيّ
وأخرى تتعلّق بالمشجب
سنبلة تهرب من بين أصابعه
وطيور تقتحمُ الشفتين
يرى عشباً ينبت في المكتبة المهملة
ونبعاً ينبثقُ من الحائط
بعد قليل سوف يداهمه الليل بأقمار وكوابيس
تداهمه أشجار الغابة
ورمال الشاطئ
وحصى الأنهار
وآبار فارغة
يملؤها بحروف سوداء
ماذا يأخذ من جثث الأيام
وماذا يترك
غير قصائد ذابلة
وغبار الكلمات؟
وبعد قليل
سوف يداهمه الشرطي
ليسأله عن جمل غامضة
ويحذره من استعمال “القبلة” و”القنبلة”
ويمضي..
هو ذا الشاعر
يفتح نافذة القلب
يغلق عينيه
ويحلم بقصيدة حب
____________________
إصدار: 2016
عدد الصفحات: 310
القطع الوسط
منشورات المتوسط