*خضير اللامي
خاص ( ثقافات )
صدرت رواية “العدد صفر ” في مستهل شهر نوفمبر الماضي للروائي الإيطالي الشهير امبرتو ايكو وترجمها للانجليزية عن الايطالية ريجارد ديكسن .
ومن عادة امبرتو ايكو أن يتناول في أعماله الإبداعية مراحل تاريخية دراماتيكة حاسمة ليس في بلده ايطاليا بل ؛ في حياة الشعوب والأمم الأخرى ، كالدسائس والمؤامرات والتسلط السياسي والمنظمات الماسونية والمافيا الايطالية الخ .. كما هو الحال في رواية اسم الوردة التي بيع منها أكثر من 40 مليون نسخة بمختلف لغات العالم ومقبرة براغ، وكما هو الحال الآن في روايته الجديدة” العدد صفر ” والتي تربط بين عهدين تاريخيين أولهما ، اغتيال موسيليني وعشيقته عام 1945 ، من قبل المافيا الايطالية وما تبعه من أحداث جسام ، والثاني مافيا الصحافة وفسادها في عهد برلسكوني الذي يملك في ايطاليا اكبركارتل للصحافة والذي حكم عليه بتهمة الفساد كما هو معلوم .
ويبدو أن أوضاع وظروف ما بعد اغتيال موسيليني ومن خلال أجواء رواية “العدد صفر ” ما زالت بصماتها ومناخاتها وبخاصة نلحظها في الصحافة الإيطالية ويذكر لنا امبرتو ايكو أن من يزج في زنازين السجن هم سراق الدجاج ، أما رجال المافيا الايطالية فهم يستحوذون على كراسي البرلمان فضلا عن السراق الكبار من رجال الحكومة ومخابراتها . ويقول اليسون فلود في مقال له في الغارديان البريطانية يبدو أن العمل الجديد لامبرتو ايكو يشير إلى تشكل القوى الفاعلة في ايطاليا منذ الحرب العالمية الثانية”.
وكتبت الرواية بأسلوب المذكرات حسب أيام الأسبوع، وقد تبدو أحداثها عملا صحافيا يوميا، بالإمكان أن يستسيغه القارئ، بيد أن الأمر يبدو أبعد من ذلك إذا علمنا أن امبرتو ايكو يتناول في روايته أسلوبا سميائيا من الصعوبة بمكان أن نستسيغه للقراءة الأولى ولا حتى الثانية ما لم نفهم أوليات هذه النظرية وكما يقول ايكو” إنني لا أريد أن أعطي ما يريده القارئ ؛ بل ينبغي أن نقدم له ما ينبغي أن يغير ما فيه داخله”؛ بمعنى آخر، أن ايكو لا يكتب للعامة بل للقارئ النوعي كما يركز على تعدد القراءة وبالتالي كما هو معروف تعدد النصوص الذي ينتج تعددا في القراءات .
ووصفت صحيفة الغارديان البريطانية رواية “العدد صفر”، أن أجواء رواية اسم الوردة ما زالت تحوم فوق أجواء هذه الرواية وتبعث في داخل القارئ متعة، وهي متعة متأتية من تسلية ساخرة توحي لنا بمشاعر الحقيقة كممارسة لانغماس في نظريات المؤامرة التي كثيرا ما تحدث عنها ايكو في سردياته ومقالاته .
أما لماذا أطلق على روايته الجديدة اسم “العدد صفر ” فلأنها بقيت تطبع أعدادا تجريبية دون أن تحقق شيئا في ساحة الإعلام والصحافة خاصة ودون أن يصدر العدد 1. كما أن الرواية لا ترقى الى مصاف رواية اسم الوردة أو رواية مقبرة براغ أو رواية بندول فيكو وقد أثيرت حولها الكثير من التعليقات المتباينة في الصحف الغربية والأمريكية، لكن معظم هذه الصحف وحسب متابعتي لها لم تشر إلى أهميتها الفنية بقدر ما اهتمت بثيمة الرواية وما تحمله من مضامين سياسية وفكرية ..
واخيرا ، أود أن أنوه هنا ، أنني قد ترجمت رواية مقبرة براغ لامبرتو ايكو المعقدة جدا والتي صدرت بمناسبة بغداد عاصمة الثقافة العربية عام 2013.