*لطفية الدليمي
القسم الأول
مرّ بنا قبل أيام اليوم العالمي للفلسفة والذي صار تقليداً سنوياً أشبه بكرنفال أممي تحتفي فيه شعوب الأرض المختلفة بالفلسفة والفلاسفة والطروحات الفلسفية التي أصبحت شديدة الإلتصاق بهموم الإنسان وتطلعاته الشغوفة التي اختنقت لعقود طويلة بثقل الدرس الفلسفي النظري السقيم.
هناك وجهان لأهمية الفلسفة في حياتنا : أهمية كونية و أخرى يومية ، مع ضرورة التأكيد على الاشتباك المحكم للاهتمام الكوني مع اليومي في تركيبة واحدة ، و ليس من المغالاة القول أن أهمية الفلسفة كقيمة يومية في حياتنا – نحن الشعوب المبتلاة بسطوة الأفكار الطغيانية – تتعدى أهميتها الكونية بالنسبة إلى شعوب العالم السباقة في التحضّر والارتقاء ، بسبب كون الفلسفة قرينة الشك و البحث والاستقصاء المستديم وعدم الركون إلى المواضعات الجاهزة والمريحة للعقول الراكدة ، وبصرف النظر عن أيّة نزوعات براغماتية ترمي لتوظيف الفلسفة في حلبة المصالح المادية تبقى التساؤلات الفلسفية الأزلية ذات سطوة كونية تداعب فكر الإنسان وخياله مهما تعاظمت المرتقيات التي يبلغها ذلك الفكر بدفع من العلم والتقنية . ولابأس من إيراد بعض تلك التساؤلات المثيرة للخيال البشري : هل يمكننا أن نغالب الموت ؟ وهل يمكن للعقل أن تكون له الغلبة على المادة أم أن العكس هو ما يحصل أم أن كلاً منهما يعمل في إطار استقلالية محدودة ؟ وهل ثمة من هدف ما في الكون أم أنه يدار من طرف الضرورة العمياء ؟ وهل أن ما نظنّه فوضى شاملة في القوانين الفيزيائية التي تحكم الظواهر الطبيعية هو محض فنتازيا تعكس تعلّقنا المهووس بالنظام الذي نرتجيه في الطبيعة ؟ وهل هناك من مخطط كوني ينظم حياتنا ؟
نشهد جميعاً في أوقاتنا الحاضرة أثر التطورات الهائلة التي يجترحها العلم والتقنية ونشهد في الوقت ذاته كيف غيّرت هذه التطورات وبطريقة هائلة فهمنا لكينونتنا الفيزيائية والعقلية إلى حدّ صار فيه من السهل على البعض اعتبار الاشتغال الفلسفي مجرد فعالية غير منتجة وغير ذات نتيجة مؤثرة ، وتنتصب أمامنا شاخصة المقولة التي أطلقها أشهر الفيزيائيين المعاصرين ( ستيفن هوكنغ ) الذي جادل بقوة ودافع عن فكرته النبوئية القائلة بالموت الوشيك للفلسفة في عالمنا المعاصر ، و لكن الأمر يختلف تماماً مع ( ريبيكا نيوبرغر غولدشتاين ) الفيلسوفة والروائية التي درست الفلسفة في كلية برنارد وحصلت على شهادة دكتوراه في الفلسفة من جامعة برينستون ثم قامت بتدريس الفلسفة في عدد من الجامعات منها : كولومبيا ، رتجرز ، برانديس ، وقد حصلت على جائزة ( ماك أرثر ) عام 1996 وكتبت عدداً من الكتب نذكر منها : ( إشكالية ثنائية العقل – الجسد ) 1983 ( خواص الضوء : رواية عن الحب والخيانة والفيزياء الكمية ) 2000 ، ( عدم الاكتمال : برهان و متناقضة كورت غودل ) 2005 ، ( خيانة سبينوزا ) 2006 وهي التي أكدت خطل مقولة موت الفلسفة بخاصة في أحدث كتبها : ( أفلاطون في عصر غوغل : الأسباب الكامنة وراء عدم موت الفلسفة Plato at the Googleplex : Why Philosophy Won”t Go Away ) الذي نُشِر في آذار 2014 و ألقت فيه الضوء على التقدّم الهائل الذي أحرزته الفلسفة وإن كان –في الغالب -غير مرئي لنا.
يتبع
_________
*المدى